لقد قدم خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة سعودية مالبثت أن أصبحت مبادرة عربية وبإجماع عربي في قمة بيروت ومازالت الجهود العربية مستمرة لحلحلة القضية من أجل سلام شامل وعادل للمنطقة، وها هو اليوم يطلق مبادرة لإصلاح ذات البين بين الفلسطينيين لوقف القتال الدامي وتعميق الوفاق الوطني من خلال المصالحة الوطنية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد برنامجها السياسي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية وإحيائها وتأهيلها، وتعزيز التعاون بين الحركات الفلسطينية.

من المعروف أن الظروف السياسية في حالة تغير دائم لمعطياتها لذا نجد أن الجهود التي بذلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس محمود عباس والأطراف المتحاورة بدأت تعطي ثمارها وكما شاهدنا عبر الفضائيات الرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين التي أفرزت توقيع الإتفاق بين حركتي فتح وحماس برئاسة كلاً من الرئيس محمود عباس والسيد خالد مشعل ويرجع هذا الفضل الى الله ثم الى تفهم وبعد نظر القيادتين.

ونضم صوتنا الى القادة الفلسطينيين الذي شكروا خادم الحرمين الشريفين ودعوا الله أن يجزيه عنهم وعن الشعب الفلسطيني خير الجزاء على مبادرته ورعايته الكريمة وتوفير المناخ الملائم ليخرجوا بإتفاق وقد خرجوا بإتفاق ملزم وتم التوقيع عليه أمام خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وجمع كبير من أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء والمسئولين.

وبهذه المناسبة نود أن نوجه الدعوة الى المليك المفدى عبدالله بن عبدالعزيز للقيام بمبادرة شخصية تجاه الفلسطينيين في مختلف أماكن اللجوء والشتات وبالأخص الدول العربية ودول الجوار والمملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربي لتحسين أوضاعهم المعيشية إستكمالاً لمبادراته الكريمة من قمة بيروت الى لقاء مكة، ولاسيما أن القيادة الفلسطينية أكدت أكثر من مرة وعلى لسان رئيسها محمود عباس في خطابه يوم 09/08/2005م أمام المجلس التشريعي quot; أن تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية لا يعني توطينهم وأضاف بقوله: ليس عندنا في القانون ما يحرم إزدواجية الجنسية quot;.

وشدد أبو مازن على أن مصير اللاجئين لا يتم بالتوطين، نافيا أن يكون هناك قرار في الجامعة العربية برفض تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية مؤكداً على أن هناك توصية وليس قرار،
ومن اللافت للنظر أن بعض الحكومات العربية تبذل جهوداً جبارة من أجل تحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين في الدول العربية إيماناً منها بالأوضاع الإنسانية والمأساوية التي يعيشونها في المخيمات.

وسبب الدعوة هو ما يحظى به هذا المليك المفدى من ثقل في العالمين الإسلامي والدولي ولعل ذلك يكون مقدمة لتحسين الأحوال المعيشية لإخواننا في العقيدة والدين والإنسانية في كل مكان من هذا العالم الفسيح ولو ألقينا نظرة على الأحوال المأساوية التي يعيشها هذا الشعب سواء تحت الإحتلال أو في مخيمات الشتات التي سوف نستعرض بعضاً منها للتذكرة لأن الذكرى تنفع المؤمنين.

ولا يخفى على الكثيرين أن الفلسطينيين يعيشون في مخيمات كالزرائب ويُفرض عليهم ما يُشبه الحجر الصحي ويُمنعون من ممارسة أبسط أنواع المهن فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟
إن الفلسطينيون يعانون من المرارة والقسوة على الحدود العربية ويُعامَلون بطريقة مأساوية فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟

وهنا نوجه السؤال الكبير الى زعماء العالم العربي لنقول لهم أليس التجنيس هو الحل الأمثل لتخفيف المعاناة عن هذا الشعب العربي المسلم؟
إن الشعور العام لدى الفلسطيني هو عدم إسقاط حق العودة ولكنه يتساءل متى سيعود؟

موضوع اللاجئين موضوع شائك ومعقد ويشكل لب الصراع في المنطقة وهذا الصراع الذي مازال مستمراً منذ ثمانية وخمسون عاماً ومن سيء الى أسوأ وبدت تتداعى الثوابت والحقوق والمحرمات في ظل المتغيرات السياسية حتى كاد الإقتتال الداخلي أن يفضي الى حرب أهلية ولكن مبادرة خادم الحرمين قد أنهت المأساة كأنها طوق نجاة ووأدت الفتنة في مهدها.

هناك من يؤمن بأن الشعب الفلسطيني هو وحدة جغرافية وديمواغرفية سكانية واحدة لا يمكن أن يتجزأ، ومن المعروف سياسياً أن أيّ دولة في العالم تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية هي سيادة وأرض وشعب، ولكن أين هي السيادة والأرض والشعب في ظل الهيمنة الإسرائيلية وقضية القدس مازالت الظروف مبكرة جداً في الحديث عنها لأن المفاوضات مع الصهاينة تحتاج الى سنوات طويلة وأثبتت التجارب ذلك.

وهنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي ما الفرق ما بين التجنيس والتوطين؟
يختلف الناس في التفريق بين التجنيس والتوطين فمنهم من يقول أن التوطين يمر بعدة مراحل وهي أن يكون الضيف أو اللاجئ ملتزم بقانون الدولة المضيفة ويلتزم بقوانين العمل والإقامة ويدفع الضرائب أو الرسوم المقررة عليه في الدولة المضيفة وبناء عليه يمنح الحقوق المدنية وبعدها ينسجم مع المجتمع، الانسجام الثقافي، الانسجام الأدبي، الانسجام الاجتماعي وبالتالي يندمج إندماجاً كاملاً حتى يصبح مواطنا صالحا من خلال هذا الانسجام والإندماج ووفقاً لقوانين الجنسية في البلد المضيف.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن الكثيرين ممن يتمتعون بجنسية الدولة المضيفة لم يَنسّوا حق العودة والمطالبة بحقوقهم التاريخية ومنها ممتلكاتهم التي تركوها حين الهجرة أو المغادرة، ولهذا إقترح الرئيس محمود عباس التجنيس ومنح الحقوق المدنية طبقاً لمعظم التشريعات الدولية ومباديء حقوق الإنسان.

وعندما نستذكر تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث نجد أنه شعب مجزأ نصفه يعيش في فلسطين والنصف الآخر في الشتات، وفي شتى أصقاع المعمورة رغماً عن إرادته ولكنه يناضل من أجل حق العودة، ونستذكر أيضاً الرئيس الفلسطيني أبو عمار طيب الله ثراه الذي ناشد الدول العربية بقوله أرجوكم إمنحوا هؤلاء الناس حقوقهم، ولماذا لا تعامل الدول العربية اللاجئين الفلسطينيين كما عاملت أوروبا اليهود؟.

أوروبا وفرت لليهود كل المستلزمات وإحتضنتهم، حتى الدول العربية إحتضنت اليهود المقيمين فيها وعاملتهم معاملة حسنة أفضل من معاملة الفلسطينيين في المخيمات الآن، فلماذا لا تعامل الدول العربية الفلسطينيين كما فعل الأوروبيون مع اليهود؟ أليس من حق الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يطالب بتجنيس هؤلاء كي يخفف على ساكني المخيمات بعضاً من العذاب؟.

وهناك بعض أصحاب التفكير العقلاني يتساءلون إذا كان الفلسطينيين في المخيمات لايستطيعون صيانة مخيماتهم بحجر البطون (الإسمنت) فكيف سيسمح لهم بحمل الجنسية ومنحهم الحقوق المدنية؟، ولكن كما أسلفنا فإن المبادرات العملية الصادقة كمبادرة الملك عبدالله التي سميت بالمبادرة العربية والتي إنطلقت من قمة بيروت والمبادرة الأخير التي أسفرت عن إتفاق فلسطيني لحقن دماء المسلمين ستأتي ثمارها ولن يتحول الصراع الى هدية مجانية أو تنازل مجاني إلى الكيان الإسرائيلي بل سيؤكد على الحقوق الثابتة وحق العودة لمن يرغب في العودة وحق المواطنة لمن يرغب في المواطنة وهي من أكثر الأمور التي تسبب الصداع للكيان الإسرائيلي.

وتأكيد الرئيس محمود عباس في دعوته الى عدم الممانعة في تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية يؤكد عدم إلزامية التوصية الصادرة عن جامعة الدول العربية بالرقم 1547 لعام 1959م ويؤكد على سقوطها بالتقادم ولم يبق لها إلا الشطب بتأكيد توصية جديدة تلغي التوصية السابقة وبناء على المعطيات الدولية المستجدة.

صحيح أن قضية اللاجئين تعتبر عقدة حقيقية لإسرائيل ولكن فيها سلبيات تقع على اللاجيء نفسه ولا تقع على الذي يقوم بالتنظير السياسي أمثال المطالبين بحق العودة من خلال المؤتمرات في أوروبا وفي أمريكا والفلسطيني لن يذوب لأن قضيته إسلامية فيما يتعلق بالقدس وعربية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة ولذا يتساوى الفلسطيني والعربي من أي جنسية في مايتعلق بالمطالبة بالمقدسات الإسلامية.

من هنا جاء التأكيد على أن حق العودة حق مقدس شرعي لا يمكن إسقاطه والشعب الفلسطيني والعربي أصبح شعب واعٍ بالمخططات التي تدور في صالونات السياسة العالمية.

ولهذا أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحث المسؤولين العرب على منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين على إعتبار أن ذلك لا يلغي حق العودة، وبرر تلك المطالب بأنها تهدف أساسا إلى تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وضمان حصولهم على فرص العمل المناسبة في البلدان التي يقيمون بها، مؤكدا تمسكه بالقرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

وتؤكد أوساط متعددة أن منح الجنسية سواء العربية أو الأجنبية للفلسطينيين لا يلغي حقوقهم في العودة إلى ديارهم إن أرادوا، فتلك الحقوق تظل محفوظة طالما أنهم مقيدون في سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا).

يذكر أن نحو أربعة ملايين لاجئ مقيدون في سجلات الأنروا موزعون على 59 مخيما، يعيش أكثر من 1.7 مليون منهم في الأردن ويحملون جنسيتها، بينما يعيش أكثر من 1.6 مليون في الأراضي الفلسطينية ويحملون الجوازات الفلسطينية، في حين يعيش أكثر من مليون في لبنان وسوريا وباقي الدول العربية الأخرى يحملون وثائق اللاجئين الفلسطينيين.

وطالما أحيا الفلسطينيون الذكريات المتتالية لنكبتهم بمسيرات حاشدة وتجمعات جماهيرية أكدت التمسك بالحقوق المشروعة وفي مقدمتها تحرير الأرض وحق العودة إليها، فهل تبادرها القيادات العربية بنفس الشعور الوطني الإسلامي الصادق وتعمل على منحهم مزيد من الحقوق المدنية كالمواطنين في بلدانها؟ وهنا تتجلى الرغبة الصادقة في السلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإنهاء عذابات اللاجئين في المخيمات والشتات.

وخلاصة القول أن دور القادة العرب ومنهم المليك المفدى خادم الحرمين الشريفين في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة كان ومازال محل تقدير وإحترام، ولكن التطورات السياسية وما آلت إليه الأوضاع تحتم علينا نحن أبناء الشعب الفلسطيني مناشدة خادم الحرمين الشريفين لإطلاق مبادرة إنسانية تعنى بالجانب الإنساني للفلسطينيين من تعليم وصحة وعمل وفي مختلف أماكن تواجدهم كما عودنا دائماً فهو بحق صاحب المبادرات السياسية والإنسانية.

مصطفى الغريب

كاتب فلسطيني