لم يکن التقرير الاخير الصادر عن وزارة حقوق الانسان في حکومة إقليم کوردستان مفاجئا لي مثلما لم يحمل معلومات جديدة مستشفة عن خلفيات مستجدة، بل و من المحتمل جدا أن يکون قاصرا في جوانب عدة لعکسه و إحتوائه الحالة النسائية المتعرضة لهجمةquot;عشائرية ـ دينيةquot;سوداء بعيدة کل البعد عن روح العصر و الحضارة.


التقرير الذي أشار الى إرتفاع نسبة النساءquot;المنتحرات أو المقتولاتquot; الى88% عام 2006، بعد أن کانت هذه النسبة 22% عام 2005!!، کما إن التقرير الذي تناقلته وکالات الانباء و سلطت الاضواء عليه أشار أيضا الى ان أعمار الضحايا يتراوح بين 13 الى 18 عام، وهو بحد ذاته يحدد سقفا يحصر بين جانبيه مرحلة زمنية حساسة من عمر الفتيات الکورديات. التقرير لم يشر أبدا الى حالات التمثيل بالنساء الکورديات و لا الى الارهاب الذي تمارسه التنظيمات السلفية المتخلفة المشبعة بروح الانتقام و الارهاب، کما لم يشر أبدا الى إنتشار ظاهرة إجبار الفتيات بشکل أو بآخر الى إرتداء الحجاب من قبل تيار رجعي بات يبسط نفوذه رويدا رويدا في الاوساط الثقافية و الاعلامية و السياسية الکوردية، إتجاه يتابع النشاط النسوي بشکل دقيق و يشرع بهجومه المضاد في اللحظة المناسبة.


التقرير وبعد أن نشر تلک الارقام المخيفة، عاد ليطمأن الشريحة النسائية بأن هناک quot;مشروعquot; إجتماعي للحد من ظاهرة العنف ضد النساء بمعاونة (الحکومة البريطانية) و هو صورة طبق الاصل لذات المشروع المستخدم في باکستان لحماية النساء هناک من العنف المستخدم ضدهن، لکن المثير في الامر أن التقرير يبدو أنه قد وضع کل إعتماده على ذلک المشروع و کأنه قد حقق المعجزة في باکستان التي لاتزال تعاني و بشکل ملفت للنظر من ظاهرة العنف المستشري ضد النساء و على کافة الاصعدة. لم يشر التقرير أبدا الى دور المنظمات النسوية الکوردية و لا الى دور منظمات المجتمع المدني العاملة في کوردستان و لا ولا.. بل کان حله quot;الاوحدquot;في ذلک المشروع الذي سوف نشهد عدم جدواه أبدا في معالجة تلک الحالة السلبية التي وإن کانت أساسا وليدة الاوضاع الفکرية ـ الاجتماعية لکنه يتم إذکائها من قبل حرکات و تنظيمات سلفية مغالية في التشدد و التطرف و الوحشية وإنکارها لکل حق نسائي مشروع.


وإذا ماسعى البعض للربط بين تلک التنظيمات و القاعدة أو تيارات مشابهة لها، نائيا بذلک بالاحزاب الاسلامية الکوردية بعيدا عن المشکلة، فإن ذلک يمثل إجحافا مفرطا و إنتهاکا لروح الحقيقة في مهدها. وقد کنت بنفسي شاهدا بداية التسعينيات من القرن المنصرم على تلک الممارسات الارهابية بحق النساء الکورديات في اربيل على وجه التحديد، حيث کانوا يفجرون محلات التجميل و الحلاقة النسائية کما کانوا يهاجمون النساء السافرات برش ماء النار على سيقانهن و حتى وجوههن وقد کنت برفقة وفد صحفي الماني زار في ذلک الوقت سجونquot;الآسايشquot;(الامن)بأربيل حيث إلتقينا بإرهابيين معتقلين کانوا ينتمون الى الحرکة الاسلامية الکوردستانية المرتبطة بقوة بطهران وقد تم إعتقالهم بالجرم المشهود، لکنه للأسف و لإعتبارات سياسية بحتة لم تتخذ أية إجراءات بحقهم. ان الخطر الکبير الذي يهدد الکورديات يأتي أولا من تلک التنظيمات الارهابية المعادية لکل ماهو متحضر و إنساني ومن ثم يأتي من الواقع الفکري ـ الاجتماعي الذي مازال محصورا في دائرة ضيقة و يحتاج الى تقنين و تحديد للأطر في الکثير من الجوانب. ولو سارت التجربة العلمانية في کوردستان بنفس النمطquot;الممسوخquot;للتجربة الترکية التي بات العالم کله يدرک إنها لم تفعل شيئا طوال أکثر من ثمانية عقود سوى مسائل شکلية و هاهي علمانية أتاتورک تذرو بها الرياح أمام الاسلام السياسي الترکي الذي يعمل بشکل حذر و مدروس للجم تلک العلمانيةquot;العرجاءquot;و جعلها کسيحة و مقعدة کي يصفى الامر لها وهو أمر لس بمستبعد أبدا في ضوء المستجدات و التطورات الحاصلة هناک وهو نفس الامر الذي يسعى إليه الاسلام السياسي الکوردستاني.


ان من واجب الحکومة الاقليمية في کوردستان أن تحدد الماهيةquot;العلمانيةquot;لها و تضع الاسس و المقومات الواضحة و الصريحة لها و تعمل منذ الان للجم کل تيار سياسي وفکري معاد و مضاد للعلمانية في زاوية ضيقة تمهيدا لعزلها تماما وإلا فإن ألف مشروع مثل هذا الذي تطبل له وزارة حقوق الانسان في إقليم کوردستان لن يکون سوى قشة في مهب ريح صرصر عاتية!!

نزار جاف
[email protected]