أنور البني 5 سنوات سجن


أصدرت محكمة الجنايات الأولى قراراً بالاتفاق والحكم على الأستاذ أنورالبني بالاعتقال لمدة خمس سنوات وذلك بعد تجريمه بوهن نفسية الأمة سنداً للمادة /286/ من قانون العقوبات. والتعويض مائة ألف ليرة سورية لصالحوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كتعويض مدني بسبب الادعاء المقدم ضده من قبل الوزارة سنداً للمادة /62/ من قانون الجمعيات رقم /93/ لعام 1958 على خلفية نشاطه في جمعية حقوقية، إضافة إلى مركزالتدريب على حقوق الإنسان. وكانت هذه الجرائم المسندة إليه السابقة، قد أسقطت عن السيد البني بعد تاريخ 29 / 12 / 2006، إثر صدور المرسوم التشريعي رقم / 58 / والذي تضمن منح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 28 / 12 / 2006م.

إن أنور البني ليس ناشطا حقوقيا وحسب بل هو آخر العنقود لوالدته التي حفيت كما يقال قدماها لكثرة زيارتها للسجون السورية. فهو أخ لأبراهيم ويوسف وأكرم وسحر وصهرهم مصطفى خليفة فالأول سجن في بداياته ووقع عليه كاهل العمل كي يصرف على أخوته في السجون ولمدد طويلة ـ لأنه كما هو معروف في سورية فأهل السجين هم من يصرفون على مأكله ومشربه وملبسه لأن المخصصات تسرق قبل أن تصل إلى السجون.

أما يوسف فقد قضى خمسة عشر عاما بين سجن تدمر و سجن صيدنايا وأكرم البني الكاتب السوري المعروف فقد قضى أكثر من هذا الرقم بين سجنه الأول في نهاية السبعينيات وسجنه الثاني بين تدمر وصيدنايا. وأختهم سحر قضت أكثر من أربع سنوات في سجن دوما. وصهرهم مصطفى خليفة قضى أكثر من خمسة عشر عاما أيضا بين تدمر وصيدنايا. والتهمة هي الانتماء لحزب العمل الشيوعي. من زواية الأم والتي كانت دوما مثار تساؤل دائم من قبل السجناء عن صحتها وأحوالها وهي ترى ثلاثة من أبناءها وصهرها في السجن دفعة واحدة وترى حفيدتها تربى بلا أم ولا أب. فكلما أتى زيارة لأي من أبناءها أول سؤال كان يسأل من قبل رفاقهم في السجن كيف حالها.


أما الحكم اليوم على أنور فهو حكم للذين يراهنون على هذا النظام وعلى أصلاحه ! قبل أن يخص أنور بالذات. ورسالة لكل سوري يفكر في أي عمل سلمي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. السوريون محكوم عليهم البقاء في دائرة جهنم. لأن حجم التواطؤات العربية ومنها الدولي بات أكبر من مقدرة الشعب السوري على تفهم معاناته حتى. وتفهم هذا الصمت المريع على هذا النظام النهاب والفتاك بالآن معا. ومن يقرأ حيثيات الحكم يجد أن النظام يحاكم نفسه بأنور لأنه هو من يجب أن توجه له التهم التي وجهها لأنور البني. من تفتيت لمجتمع كان في طور الالتحام الوطني ومن إثارة لكل النزعات العصبوية من طائفية وغيرها ومن نهب منظم لكل ثروات هذا المجتمع وفي وضح النهار.

نحن هنا لا نمارس خطابة تجييشية بل نحاول عرض الحقائق السورية على القارئ. وهل يكفي إدانة هذا الحكم؟! وبهذه المناسبة يمكننا لفت نظر بعض منظمات حقوق الإنسان في سورية والتي باتت أكثر من ( الهم على القلب ) وأن كانت تعبر بشكل ما عن أهمية الحراك الحقوقي الإنساني ووجهته وكيفية ممارسته لنشاطه الذي يقع في الحالة الوسط بين الممنوع والمسموح. ولأن أنور تجاوز الخطوط الحمر في عمله لأنه كان أكثر وضوحا في خياراته الحقوقية الإنسانية وأكثر همة في الوصول إلى عمل مؤسسي في هذا المجال. ورغم ( عصبيته ) إلا أنه كان مثالا لمناضل حقوقي محترف.

وهذا الاحتراف في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان السوري الذي لم يوجد بعد هو ما يرفضه هذا النظام تماما ولا يسمح به خصوصا إذا كان له سمعة دولية في المنظمات الحقوقية الدولية. إن البيانات التي اطلعت عليها والتي أصدرتها بعض المنظمات الحقوقية السورية لا تميط اللثام عما يجري بالفعل داخل سورية ومغطى بعبارة: شرح الحكم وإدانته بشدة ! ومع ذلك ما تنجزه هذه المنظمات على صعيد فضح بعضا من الممارسات له أهميته، ولكن كيف لنظام يصدر مثل هذا الحكم هو قابلا بإعطاء شرعية لبعض من يحاولون الحصول عليها من هذه المنظمات.


نحن بحاجة ماسة منذ زمن وقبل هذا الحكم الذي أتى ليؤكد هذه الحاجة لقراءة السلوك السياسي الأمني للسلطة في تعاطيها مع تلك المنظمات. والذي يعبر عن حالة من ذكاء السلطة في التعاطي مع مصالحها. وهذه ربما أثرناها أكثر من مرة. رغم معرفتنا بأن النشاط السياسي والحقوقي في سورية مهدد دوما بالاعتقال والعسف والأحكام الجائرة ولكن علينا معرفة جاهزيات السلطة أمنيا وسياسيا في التعاطي مع هذا النشاط الذي يخلق تشويشا تريده هذه السلطة فهنالك ناشطون يتحركون بحرية وهنالك ناشطون لا يستطعون التحرك حتى داخل سورية؟ هذا لايعني كما يذهب بعضهم إلى أن من يتحرك بحرية هو بشكل ما محسوب على السلطة هذا خطأ اتهامي واضح ولكن بالمقابل علينا معرفة الآليات التي تنتج هذا التشويش في الفعل الحقوقي الإنساني خصوصا.


وبمناسبة إصدار هذا الحكم الجائر على أنور البني والذي أتى بمرحلة توضح أن هذا النظام غير قادر على تغيير جلده. نتمنى فتح هذه الملفات جميعها.

غسان المفلح