الهِرَمُ، مرحلةٌ من مراحلِ الحياةِ البشريةِ، بطيءٌ، فيه العِللُ، بفعلِ الزمنِ، بحكمِ الطبيعةِ، ليس عورةً ولا سُبةً، لكنه قيدٌ، علي التفكيرِ، علي الحركةِ، لا تأقلمَ فيه ولا تجديدَ، إنما استعدادٌ للرحيلِ، للأنظمةِ كما هو للبشرِ.


هِرَمُ الأنظمةِ سِمةُ الشعوبِ عديمةِ الديمقراطيةِ، أياً كانت شعاراتُها وأعلامُها، سياسيةً أو دينيةً. يَهرِمُ النظامُ عندما يطولُ به البقاءُ ولو تغيرَت أشخاصُه، كما يهرِمُ عندما تمتدُ هيمنةُ شخصٍ واحدٍ علي كراسيه. سيطرةُ حزبٍ بعينِه علي الحياةِ، بالانتخاباتِ المصطنعةِ تُصيبُها بالركودِ، بقدرِ استمرارهِ يكونُ الجمودُ والعجزُ عن ملاحقةِ عالمٍ هائلِ الإيقاعِ. أما جلوسُ شخصٍ علي كرسي السلطةِ لفترةٍ طويلةٍ فهو تركيزٌ لكلِ القراراتِ في يدِه، تكريسٌ لآلِه ومنافقيه، غيابٌ عن الواقعِ، بحكمِ العزلةِ عنه، بفعلِ ألةِ إعلامِ الصراخِ والتبجيلِ الكاذبِ والنشرِ بخلافِ الحقيقةِ.


هِرَمِ الأنظمةِ، تيبسٌ للحياةِ، جفافٌ، انتظارٌ، ترقبٌ، حساباتٌ، أشخاصُ النظامِ يُدبرون لما بعد الرحيلِ وكذلك معارضوهم، اللعبُ كله في الخفاءِ. المعارضون يخططون لكيف يكونُ الانقضاضُ علي كراسي من سيُسقطُهم الهِرَمُ، منتفعو النظامُ الأيلُ للرحيلِ يتدبرون في كيف يبقون وكيف يفرون عندما يحينُ حكمُ قضاءِ حياةٍ لا بدَ أن تُغيرُ ولو طالَ الزمنُ.


الشعوبُ خارجُ المعادلةِ، النظامُ الهَرِمُ يخدَعُهم، يُجمِلُ أشخاصَه، يورنشُهم، يصبغُهم، يصورُهم قادرين علي الحركةِ، علي الكلامِ، علي العملِ، علي البقاءِ، تماثيلٌ من شمعٍ. المعارضون يناوشون، هم هنا، يتغنون بالتغييرِ، بأفكارٍ أيضاً هَرِمةٍ وأشخاصٍ تجمدَت عروقُهم بفعلِ الزمنِ.


الهِرَمُ لا يصيبُ المجتمعاتِ الحرةَ، التي تضمنُ نظمُها التجديدَ والتغييرَ والحيويةَ للأشخاصِ وللأحزابِ الحاكمةِ، يستحيلُ أن يتولي السلطةَ من انتهي زمانُه، مستقبلُ الشعوبِ لا هزلَ فيه، يستحيلُ الحكمُ بتحجرِ الأفكارِ والسياساتِ، بالتاريخِ، بفعلِ هِرَمً لا مهربَ منه. في التجمعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ تستولي الأنظمةُ وأشخاصُها علي زمانِهم وزمانِ غيرِهم، لا يعترِفون بدورةِ الزمنِ، الرحيلُ يكتسِحُهم رغماً عنهم، بناموسِ الحياةِ التي ماتَت فيهم، وفي الشعوبِ.


ا.د. حسام محمود أحمد فهمي

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف