حكومة المالكي رسوب في الدور الاول ورهان على الدور الثاني
كانت الرصانة والامانة سمات بارزة لنظام التعليم في العراق حتى بداية الثمانينات، فالكثيرون يتذكرون تلك الايام الحاسمة في نهاية شهر نيسان من كل عام، عندما يكون طلبة الصفوف المنتهية قاب قوسين او ادنى من اكمال مناهجهم الدراسية وتعقد ادارات المدارس اجتماعاتها الاسثنائية لوضع اللمسات النهائية على نتائج الطلبة ومعدلات ادائهم خلال السنة الدراسية تمهيدا لوضع معيار يحدد الدخول الى امتحانات ( البكلوريا ) من عدمه، ثم يأتي يوم الاصطفاف الرهيب، ( يوم تسوًد وجوه وتبيضً وجوه )، حيث يقف المدير ليقرأ الاسماء ويعرف كل فئته، هل سيذهب الى بيته ويبدأ اسابيع عنيفة من الدراسة والاجتهاد والمثابرة ليتهيأ للامتحانات الوزارية أم هل سينطلق حزينا في عطلة طويلة تحمل طعم الفشل. يقينا لم يكن قصد الادارات والمدرسين والمعلمين تحقيق اذى، لسبب شخصي، من حرمان البعض من الذهاب الى ( البكلوريا )، بل هي نظرية علمية لها من يناصرها تتلخص في ان من لم يتواصل مع المواد الدراسية خلال شهور الدراسة لن يكون بمقدوره هظم كل تلك المواد خلال اسابيع معدودة فيحقق نتائج ايجابية في الامتحانات ولذلك سيكون رقما يؤثر سلبا على سمعة المدرسة ومستواها، وإن حدث وتحقق ذلك في حالات استثنائية فهي ليست قاعدة بل ربما صدفة ليس إلا. مع دخول العراق الحرب مع ايران وعندما اخذت تلك الحرب تتمدد في الزمن بدأت افرازاتها وتأثيراتها تظهرعلى مختلف انظمة الحياة، ومنها نظام التعليم، تُكسبها مرونة في البداية لاتلبث ان تتحول سريعا الى مراحل نسبية من الفساد او الاهمال، وهكذا لم يعد ذلك النظام فعالا بتلك الدرجة التي كان عليها بل اصبحت المحسوبية والمنسوبية و التاثيرات المختلفة تفعل فعلها لتوسيع ثقوب مصفى ( فلتر ) معيار الدخول الى الامتحانات الوزارية واصبح المدرسون وادارات المدارس يجدون انفسهم في حرج جدي وهم يسمعون بالحاح من ( اصحاب التاثيرات ) تلك العبارة التي تعاتبهم و تقول لهم انهم سوف لايخسرون ( لاجير ولا بسامير ) اذا منحوا هذا او ذاك فرصة تأدية الامتحانات.
حال حكومة السيد المالكي يشابه تماما حال اؤلئك الذين تمكنوا، بطريقة ما، وبفعل مؤثر ما، من الدخول الى امتحانات ( البكلوريا ) بالرغم من امكانياتهم الضعيفة، وهاهم البعض اليوم يعترفون علنا بانهم كانوا السبب في ذلك، فالجميع ( الصدريون وعناصر الائتلاف الاخرى والتحالف الكردستاني و التوافق والعراقية ) يشعرون في ان( الطالب الضعيف ) اي الحكومة مدينة لهم كونهم اصحاب الفضل في تسريبها الى الامتحانات، اولا، ثم بالجهد في توفير النقل، من والى قاعة الامتحان، والطعام والماء البارد والكهرباء في ساعات المذاكرة اضافة الى بعض الدروس الخصوصية، وعلى هذه الحكومة ان تكون دائما على اهبة الاستعداد للوفاء بهذا الدين.
وهكذا شاءت الامور ان تذهب هذه الحكومة الى قاعة الامتحان وكان ( الأمن ) هو المادة الاولى فخرجت لتشكو من صعوبة الاسئلة وظهر بعد ذلك ان اداؤها ضعيف جدا، ثم انتقلت الى مادة ( الخدمات ) فأعطت دفتر الاجابة فارغا، إلا من الاسم، بحجة عدم التهيؤ الجيد وعلى امل ان تعود اليها في الدور الثاني، وارتكبت ( الحكومة الممتحنة ) محاولة غش فاضحة عندما استعانت بالامريكيين والايرانيين في مادة السيادة والتربية الوطنية!، اما في مادة المصالحة فقد حُجبت عنها اصلا ورقة الاسئلة لسبب جوهري يتلخص في انها لم تتصالح مع نفسها حتى تتمكن من التصالح مع الاخرين. ربما يكون من الاجحاف تحميل السيد المالكي شخصيا مسؤولية كل هذا الاخفاق في الاداء، على الرغم من ان الكثيرين لم يتفائلوا كثيرا به منذ البداية، ولكن لو احتكم المراقب الى المعايير الانسانية، في تقدير جسامة الضغط النفسي الذي يعاني منه السيد المالكي بدافع الغريزة في الرغبة الشخصية في النجاح في المهمة، وبعيدا عن معايير تصنيف المسؤولية على اساس اولوية المناصب والعناوين فان نصيب السيد المالكي في هذا الاخفاق ربما سيكون مساويا او اقل بمقدار من كل المؤثرات الاخرى التي دفعت بالسيد المالكي الى ( حمًام ) الامتحانات هذا وراحت تشوش عليه ايام المذاكرة، قبل التوجه الى القاعة، بل وداخل القاعة نفسها. ومع ذلك تبقى مشكلة السيد المالكي انه وفي خضم هذا الواقع المتشابك وامكاناته المحدودة ووصوله الى المنصب استنادا الى توافقات ومساومات وصفقات معقدة، إعتقد في لحظة ما انه يمتلك العصا السحرية التي ستجعله ينجح في حل جميع الملفات، حاله حال ذلك الطالب الذي دُفع الى ( البكلوريا ) بشق الانفس فاصبح بفكر في التقديم الى كلية الطب!
وعلى هذا الاساس اصبح الجميع الان، الاصدقاء قبل الاعداء، يعترفون علنا بفشل الحكومة في امتحانات الدور الاول، فعندما يتحدث الرئيس الامريكي امام الاعلام عن تقدم محدود، احرزته الحكومة العراقية خلال المرحلة الماضية، فان ذلك يعني ان الرئيس الامريكي يتحدث في دوائره ومجالسه الخاصة عن فشل ذريع لهذه الحكومة، بل ان، مدير قاعة الامتحان، قائد القوات الامريكية في العراق اعلن ذلك صراحة وأطلع الرئيس العراقي ونائبيه ( على مستوى الاداء الضعيف للحكومة في الامتحانات )، واصبح البعض يراهن على نتائج اخرى في الدور الثاني لكن كل الدلائل تشير الى صعوبة تحقيق ذلك، فمن اين للطالب المشوًش المحاصر من القريب والبعيد ان يركزعلى المعلومة ويخزنها في الذاكرة ليستخدمها عند الحاجة؟ ناهيكم عن ان ايلول ( سبتمبر ) موعد امتحانات الدور الثاني هو بعيد جدا لحكومة تعيش يوميا على ( المُغذًي )، ولذلك إن لم تنتهي هذه الحكومة بالسكتة القلبية بسبب الفوضى والصراع داخلها، فالاحتمال الارجح ان يُصدر مدير القاعة قرارا بترقين قيدها فلاتجد لها محلا على طاولات القاعة. ان ذلك افضل بكثير من دخول ( الحمًام ) مرة اخرى.
د. وديع بتي حنا
التعليقات