عند الحديث عن سوريا يجب التفريق ما بين سوريا كشعب ومكان، ومابين نظام البعث السوري الاجرامي.

عشت في سوريا سبع سنوات كانت من اجمل سنين العمر على الاطلاق، وكم أنا نادم لأنني سمحت لأوهام السفر ان تعكر عليّ لحظات عيشي هناك.

عام 1991 سافرت الى سوريا عن طريق البر وتم منعي من الدخول بسبب عدم وجود كفيل يضمنني في داخل سوريا، وعدت محبطاً الى الاردن مرة اخرى وانا محاصر بنفاد مهلة اقامتي في الاردن، ومعاناتي من عدم وجود المال معي، ورفض الدول العربية منح العراقي تأشيرة الدخول، وخوفي من الرجوع الى العراق بعد مراجعة مكتب الامم المتحدة للاجئين في عمان وانكشاف الوجوه والاسماء لجهاز المخابرات العراقية.

وفي محاولة يائسة سافرت مرة أخرى عن طريق الطائرة الى سوريا وُسمح لي بالدخول بسهولة عجيبة أعتبرتها رحمة إلهية بي جعلتني أُقبل بصدق عنصر أمن المطار الذي طمأنني بأنهم في المطار لايعيدون العراقيين بعد ان أخذ ما يعادل 50 دولارا هدية - ليست أجبارية - منا العراقيين الثلاثة الذين وصلنا في طائرة واحدة، فأندفعت أقبله على أمل ان تبقى قبلاتي ذكرى طيبة في قلبه تجعله متعاطفا مع العراقيين الذين سيأتون بعدي الى المطار.

كنا في حالة تيه جماعي... حيث سيطرت علينا أوهام السفر واللجوء... لقد فقدنا رشدنا وعقولنا، وكان أخطر ما مر بنا هو أننا رهنا كل حياتنا ومستقبلنا وسعادتنا على فرصة حصولنا على السفر واللجوء في أحدى دول الغرب، وأتكلم هنا عن حال ملايين العراقيين وليس عن حالة فردية!

بعد عمر 46 سنة أستطيع تحديد أعظم لحظة فرح في حياتي حتى الان وهي لحظة وصولي الى سوريا والسماح لي بدخول دمشق التي كنت على موعد معها في قصة عشق كبيرة لأسواقها وأزقتها القديمة... ففي دمشق القديمة تجد سحر المكان وروحه التي تناديك الى عوالم خيالية فاتنة... لاأعرف سر هذا الحب الصوفي لحارات واسواق وأزقة دمشق القديمة الذي يفور في روحي ويحرك فيها الحنين والشجن والبكاء المكتوم على حياة ماضية كأنني سبق لي عشتها هناك.

عشقي الخرافي لمدينة دمشق دفعني الى الايمان بعقيدة تناسخ الارواح التي وفرت لي تفسيرا معقولاً لسبب هذا الحب للمكان وأقنعتني بأحتمالية ان روحي ربما سبق لها العيش في دمشق القديمة في أزمنة مختلفة قبل خلقها مرة أخرى في العراق.

هدوء الشعب السوري وروح المسالمة التي يتصف بها صفة حضارية رائعة، والعجيب ان المواطن السوري لايشعرك بالغربة وخصوصا اذا عرف انك عراقي فهو قريب الى الشعب العراقي لدرجة تدهشك، ولاأعرف الان بعد الهجرة العراقية الضخمة الى سوريا هل مازالت نظرة المواطن السوري أيجابية الى العراقي أم تبدلت؟

في سوريا كان الخوف من الأجهزة الامنية السورية يمنعني من زيارة بقية المدن، ففي بلد يحكمه جهاز قمعي كنظام البعث السوري أنت عرضة للأعتقال في أية لحظة من دون سبب، ومن السهولة جدا يتم سجنك وتعذيبك وقتلك دون ان تستطيع الدفاع عن نفسك امام وحشية أجهزة النظام.

أشعر بالألم الشديد لأنني لاأستطيع زيارة سوريا مرة أخرى.. فبسبب كتاباتي التي تنتقد التدخل السوري في العراق ومؤكد أن أسمي أصبح على لائحة الاشخاص المعادين لها والمطلوب الانتقام منهم، ومؤكد أنني سأواصل من أجل وطني العراق إنتقاد التدخل السوري والايراني وغيره فكل شيء يهون أكراماً للحب الأعظم العراق.

خضير طاهر

[email protected]