الاعتقالات الواسعة التي تشنها الأجهزة الأمنية في صفوف طلبة الجامعات وغيرهم من شرائح المجتمع الإيراني، والتي صاحبتها حملة إعدامات جماعية في اغلب المدن والمحافظات الإيرانية، أعادت البلاد التي الأجواء التي كانت قد سائدة أبان انتصار الثورة، يوم كانت الإعدامات تنفذ بالجملة بأنصار الشاه وأبناء الأقليات الدينية والعرقية الذين كانوا يصرون على ضرورة اعتراف النظام الجديد بحقوقهم المشروعة وأدراجها في دستور الجمهورية الإيرانية.
يومها كانت المحاكم السيارة والثابتة التي يترأسها آية الله الخلخالي والتي أنشأت من اجل محاكمة أنصار النظام البهلوي وما يسمى بأعداء الثورة، كانت تجري بدون وجود مدعي عام أو محامي دفاع حيث لم تكن تلك المحاكم بحاجة إلى ذلك كله، فقد اقتصر وقتها الشيخ خلخالي الأمر بكلمتين تقال للمتهم ( إن كنت بريء فإلى الجنة وان كنت مذنب فإلى النار ) وعلى هذا الأساس يدان المتهمون وتنفذ فيهم ألأحكام .
وقتها كان الشارع الإيراني يعيش الهيجان الثوري في أعلى درجاته وكانت خطابات زعيم الثورة آية الله الخميني المحملة بالوعود النرجسية وتحقيق ( المدينة الفاضلة ) للشعوب الإيرانية تغطي على جميع التجاوزات و المظالم التي كانت ترتكب من قبل عناصر اللجان الثورية وغيرها من المؤسسات الثورية الأخرى، وكانت اغلب المحاكمات القائمة لعناصر السافاك ( الشرطة السرية للشاه ) وجنرالات الجيش وغيرهم تجري علانية و تبث من على شاشة التلفاز إلا أنها لم تكن تثير الرأي العام الإيراني كما تثيره الإعدامات الجارية الآن، وقتها كانت المحاكم و الإعدامات تجري في إطار العمل الثوري وتطهير المؤسسات الحكومية من بقايا النظام السابق ، حسب ما كانت تروجه السلطة بين العامة، أم الاعتراضات التي كانت تسمع انذاك فهي تصدر فقط من المنظمات حقوق الإنسان والحركات السياسية و بعض رجال الدين أمثال آية الله الطالقاني.
مسلسل الإعدامات في إيران لم يتوقف طوال السنوات الماضية إلا أنه شهد تغيراً في العناوين فقط. حيث كان المدانون في السابق يعدمون بتهمة الموالات لنظام الشاه، فتغير عنوان التهم ليصبح، العداء للثورة والنظام ، واستمر هذا العنوان حتى وصول الرئيس الحالي احمدي نجاد إلى دفة الحكم حيث أخذت تهمة المعدمومين تسمية جديدة ( الأراذل و الأوباش )!، و تحت هذا العنوان تجري يوميا حفلات إعدام جماعية وعلانية في مختلف المناطق الإيرانية.
في السابق كانت المحاكم علانية والإعدامات سرية أم الآن فأصبح العكس هو السائد. فالمحاكمات الجارية، وعلى الرغم من السماح للمتهم بتوكيل محامي للدفاع عنه إلا إن محامي الدفاع لا يعلم بموعد محاكمة موكله ولا يطلع على حيثيات القضية إلا قبل ثمانية وأربعين ساعة من موعد عقد المحكمة التي لا تدوم مدتها اغلب الأحيان أكثر من 48 ساعة لا غير، وان اغلب الأحكام تنفذ بحق المتهمين من دون أعطاء المحكوم فرصة الاستئناف ضد الحكم الصادر بحقه. كما أن اغلب المحامين الذين يتطوعون للدفاع عن المتهمين بقضايا سياسية يتعرضون للتهديد وعرقلة أعمالهم من قبل الأجهزة السرية لمنعهم من قبول توكيلات الدفاع عن المتهمين. وهذا ما حصل مع المحامين الذين كانوا قد تطوعوا للدفاع عن عشرات الشبان العرب الأحوازيين الذين اعتقلوا في عام 2005م على خلفية المظاهرات الاحتجاجية وأعمال العنف المسلحة التي شهدها إقليم الأحواز عقب الكشف عن خطة سرية للحكومة الإيرانية تسعى لتهجير العرب و إسكان مستوطنين فرس محلهم بهدف تغير الطابع الديمغرافي للإقليم العربي. فقد قامت السلطات الإيرانية باعتقال سبعة من المحامين بتهمة تسريب معلومات تخص امن الدولة وذلك بعد أن تم نشر محاضر من جلسات التحقيق مع عدداً من المتهمين الأحوازيين على صفحة موقع احد الأحزاب الأحوازية في الخارج. إلا انه وبعد عام ثبت أن المحامون بريئون من تلك التهمة وأنهم لم يكون قد حصلوا أصلا على أي ورقة تتعلق بموكليهم يوم تم نشر تلك المحاضر وان السلطات الأمنية كانت تعلم بذلك و لكنها أرادت فقط عرقة عمل المحامين وتهديدهم حتى لا يجرئوا في المستقبل على قبول توكيلات الدفاع عن متهمين على ذمة قضايا سياسية. و هذه الحادثة قد تكررت و ما تزال مع العديد من المحامين في مختلف المحافظات والمدن الإيرانية.
حملة الاعتقالات الجارية أصبحت تستهدف الشبان من الجنسين، كما انه اتسعت في صفوف الطلبة الجامعيين أكثر من غيرهم، وقد أصبحت عمليات التعذيب شائعة بشدة في السجون والمعتقلات الأمر الذي دفع بالكثير من المنظمات الطلابية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان للحديث عن تلك الممارسات و الكشف عن بعض صورها البشعة.
وفي هذا الإطار فقد كشفت السيد quot; نرجس محمديquot; المتحدثة باسم مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، عن رسالة اعتراض وجهت إلى رئيس السلطة القضائيةquot; آية الله محمود شاهروديquot; بخصوص الانتهاكات ألا إنسانية التي تجري بحق السجناء والمعتقلين من الطلبة،مطالبة إياه بضرورة الأشراف على تطبيق القوانين الخاصة بحقوق المواطنة ومراقبة ما يجري في السجون والمعتقلات .
و في هذا الإطار أيضا فقد وجه أكثر من ثلاثين نائبا في البرلمان الإيراني رسالة إلى رئيس الجمهورية طالبين منه تشكيل لجنة خاصة لمتابعة أوضاع عدداً من رؤساء الاتحادات الطلابية المعتقلين على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها جامعة أمير كبير وبعض الجامعات الأخر في طهران العام الماضي و أوائل السنة الجارية، حيث تؤكد الأنباء تعرض هؤلاء الطلبة إلى التعذيب الجسمي والروحي الشديد تمهيدا لعرضهم على المحاكم تحت مسمى quot; الأراذل و الأوباش quot;.
اتحاد الطلبة الساعين إلى العدالة، بعث هو الآخر برسالة إلى رئيس الجمهورية احمدي نجاد سائلين إياه ما إذا كان المتورطين بقضايا المفاسد الاقتصادية وعمليات النصب والاحتيال ونهب المال العام ( التي تم الكشف عنها مؤخرا والتي أثبتت تورط مسؤولين حكوميين كبار و أعضاء برلمانيون وأبناء وأخوة ممثلي لمرشد الثورة علي خامنئي في المحافظات والأقاليم )، سوف تتم محاكمتهم وإعدامهم تحت مسمى quot; الأراذل والأوباش quot; أم أن السلطة القضائية ستكتفي بالحكم على هؤلاء فقد بغرامات مالية لا تتجاوز المليونيين تومان ( 2200 دولار) وعفا الله عما سلف؟.وذلك مثل ما حصل مع نجل ممثل مرشد الثورة في إقليم خراسان و المشرف العام على مقام الإمام علي بن موسى الرضا، آية لله واعظ طبسي الذي قام عن طريق النصب والاحتيال على عدداً من البنوك الحكومية بالاستحواذ على أكثر من ملياري دولار وفر بها إلى كندا وبعد فترة وجيزة تمت محاكمته غيابيا و أصدر القضاء حكما بتغريمه ما يعادل الخمسة آلاف دولار ليدفعها ويعود إلى البلاد وكأن الأمر ما حصل؟.
وهنا يأتي السؤال الذي يوجه إلى أولي الأمر في إيران، ترى من همquot; الأرذل والأوباشquot;؟. أهم الطلبة و السياسيون الذين يمثلون طليعة المجتمع و المعترضون على السياسات الخارجية والداخلية الهوجاء التي ينتهجها النظام؟، أم أولئك القابضون على زمام السلطة ويعيثون في الأرض فسادا تحت حماية الولي الفقيه الذي لا يفقه من الدين إلا ما يتناسب و هواه ؟.
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي