في عام 2004، وعقب الانتخابات العراقية، كتبنا مقالة، أسميناها quot;كاد اياد علاوي أن يكون رجل المرحلةquot;. وفيها شخصنا نقاط قوة وتأثير علاوي وأهمية الدور الذي لعبه ويمكن أن يلعبه. وذلك انطلاقا من أنه يمثل تيارا وسطا يفترض أن يكون كبيرا ومؤثرا، وينتعش على إخفاقات الآخرين خاصة الإسلاميين والمذهبيين والطائفيين من كل الأطراف. وشخصنا المثالب التي وقع فيه علاوي تحديدا في جنوحه إلى الخطأ الذي يقع فيه الآخرون. فبالإضافة إلى تصعيد لهجته تجاه الحكومة المنتهية ولايتها وقتها، والتشكيك بنزاهة الانتخابات، وكيل الاتهامات التي وظفها البعض من المناوئين للحكومة في بوق الطائفية وسلاحها. وتصيده في مناسبة وأخرى لعثرات الحكومة وأخطائها وتوظيفها في مصلحته حتى وإن كانت تنعكس سلبا على أمن المواطن العراقي وتعزيز الوحدة الوطنية التي ينبغي على كل السياسيين العراقيين تحمل مسؤوليتها، وخاصة قادة التغيير ومنهم علاوي نفسه، فإنه قد قاد في خطوة أولى تشكيل كتلة من خليط غير متجانس سميت quot;مرامquot; تقود صراعا من أجل إسقاط خيار الانتخابات عن طريق التشكيك فيها كلية رغم أن علاوي لم يكن يرغب بذلك.
وإن هذه الكتلة مشكلة من كتل انتخابية فرعية وحركات سياسية قام بعضها على أساس طائفي، ورفع شعارات وانتهج أساليبا لا تقل سلبية عما اقترفته بعض الأطراف في الائتلاف أو المحسوبين عليه. وقد كان من نتائج تشكيل هذه الجبهة، أنها أضعفت من إنجاز الانتخابات الذي يحسب للمواطن العراقي أولا وللساسة العراقيين الذي ساهموا بالتغيير ومنهم اياد علاوي ذاته. وبالنتيجة فقد استدرجت مرام إلى ميادين صراع وعززت النزعة الطائفية التي يعتبر اياد علاوي بريئا منها لكنه ساهم فيها دون أن يدري.
وقد فشل مشروع كتلة مرام على شتى الأصعدة، و تبين لعلاوي هذا الخطأ لاشك حينما تم رفض ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية، من قبل جبهة التوافق العراقية العضو الفعال في جبهة مرام، والتي يقودها عدنان الدليمي. حيث برر الدليمي رفضه هذا بأن المنصب هذا يجب أن يكون لشخص quot;سنيquot; !!، وبهذا فقد وقع الدليمي بنفس الخطأ أو quot;الجنايةquot; التي يؤاخذ الآخرين عليها، حيث تهمة إقرار المحاصصة الطائفية.
والراصد المتمعن لمواقف اياد علاوي، يلمح بسرعة أنها تظهر وقت الانفراج لا وقت الشدة، حيث كلما انفرج الوضع العراقي قليلا وبانت بارقة أمل خاصة في جانب الاستقرار الأمني أو توفر دعم إقليمي أو دولي للحكومة العراقية، أطل علاوي، فقام بحركة سياسية مناهضة ومشككة. وطرح مشروعا بديلا يقوم على تفكيك الحكومة الحالية أو إلغائها كليا.
ولعل خير شاهد على ذلك بادرة سحب وزراء كتلته من الحكومة العراقية، تابعا بذلك خطوة جبهة التوافق التي سحبت وزرائها. علما أن قرار جبهة التوافق سحب وزرائها لم يأت بناء على رد فعل سياسي أو طرح مشروع سياسي إصلاحي لم ينفذ من قبل شركائها في الحكومة الحالية، إنما نتيجة رد فعل لإصدار مذكرة قضائية بحق أحد وزرائها (اسعد الهاشمي وزير الثقافة)، إضافة إلى محاولة إقصاء أحد نوابها من رئاسة البرلمان (محمود المشهداني). على خلفية شجار بين حراسه وأحد نواب الائتلاف، واتهامه بدفعهم إلى ذلك. إضافة إلى مواقف متشنجة أخرى.
وقد أدت بعض مواقف علاوي إلى تنصل بعض نواب ووزراء كتلته منها بل ومحاولة التبرؤ منه، ومنهم د. مهدي الحافظ، والقاضي وائل عبداللطيف ود. رائد فهمي ممثل الحزب الشيوعي العراقي في القائمة العراقية لاياد علاوي، وغيرهم.
إن ردود الأفعال هذه تعبر عن مأزق وتحد حقيقي لاياد علاوي ونهجه، الذي يعتبر الخيار الأميركي وبعض من المحيط العربي، طالما بات يمثل إرادة quot;القوميينquot; لدى البعض وquot;البعثيينquot; لدى البعض الأخر. وهذا لا يكفي، حيث الأهم من كل ذلك أن يكون خيارا عراقيا بحتا.
والخيارات العراقية متعددة. فإلى جانب الخيارات التي تمثل الاستقطابات الطائفية والاثنية، هناك خيار تيار الوسط العراقي الذي ابتعد عنه علاوي من خلال مواقفه تلك التي شقت عليه بعض رفاقه، وستزيد الهوة نتيجة نهجه هذا.
إن تيار الوسطية الذي كان ينشده العراقيون quot;الوسطيونquot; من علاوي هو مسك العصا من الوسط بدقة العبارة، فهذا يعني أن لا تكون سنيا ولا شيعيا ولا قوميا ولا علمانيا بحتا، ولا دينيا متزمتا، أو أن تكون كل هذه دفعة واحدة، وإن كان صعب إرضاء كل هذه الأطراف، فالأسهل منه أن تقف على مسافة واحدة من كل منها على الأقل. لان الظرف الحالي لا يتيح فرصة العمل بحرية للاختلاف الفكري والسياسي.
لعل آخر المواقف من علاوي، هو quot;مشروعهquot; القاضي بإسقاط الحكومة الحالية وإقامة حكومة طوارئ، ومشروعه هذا يعتمد بصورة رئيسية على دعم الاميركان وبعض الدول العربية. وليس فيه ما يقنع بأنه سيأتي بما يمكن اعتبارها حلولا عملية، سوى أنه سيرضي بعض الأطراف الداخلية فضلا عن بعض دول الجوار العربية خاصة. والواقع ما ضجة علاوي إلا شبيهة بفرقعات بعض السياسيين المنفيين في الخارج الذي يحاولون إظهار أنفسهم للآخرين أنهم بمظهر القوة وأنهم قادمون للساحة بقوة تقلب السلطة لصالحهم، وان الجماهير ستستقبلهم وترفعهم على الأكف والأكتاف. ومن مثل هؤلاء في هذه الأيام السياسية الباكستانية بينازير بوتو والمعارض السوري رفعت الأسد وغيرهم.
بالمقابل لا ادري على ماذا يراهن علاوي فيما يتعلق بإرضاء الأطراف الأخرى التي انتخبت والتي تؤيد الحكومة الحالية. وهي قطاع كبير من الشعب العراقي ومعظمه مسلح سواء باعتباره مليشيا وأذرع مسلحة داعمة لأحزاب السلطة؟ أو من المواطنين العاديين الذين يرفضون التغيير بهذه الطريقة ومن وتحت هذه الشعارات، بالإضافة إلى تيار الصدر وجيش المهدي الذي يكن عداء صريحا له (اياد علاوي)، حينما استهدفهم إبان فترة ترؤسه للحكومة الانتقالية التي سبقت الانتخابات. هل ستتم مواجهة كل هذه الأطراف عسكريا؟
وهل يظن الدكتور علاوي أن مواجهة كل هذه الأطراف أسهل من مواجهة القاعدة وبعض المجاميع المسلحة في مناطق التوتر الحالية من العراق؟؟ لا نظن أن هذه الأطراف يتم إسكاتها بسهولة ولو عسكريا. وان تم ذلك فسيتم تبادل التهم.
كما لا نؤمن إطلاقا أن يكون الحل والتغيير هكذا في مثل هذه الظروف. مع إقرارنا بقصور الحكومة الحالية في كثير من الملفات رغم عظم المسؤولية في هذه الظروف. ولكن لا ينبغي تحميلها المسؤولية وحدها مثلما ذهب اياد علاوي وبرأ الأميركيين في رسالته التي بدت موجهة لهم كصيغة من استجداء السلطة (للاطلاع على نص الرسالة التي عنونها بـquot;خطتي لإنقاذ بلدي العراقquot;: http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/Iraqiat-20070826-47871.html ). وهي تضاف إلى فضيحة توقيعه عقدا مع شركة Barbour Griffith amp; Rogers, LLC. الأميركية للعلاقات العامة من أجل الترويج في أوساط النفوذ الأميركية، لمشروع استلامه السلطة. (للاطلاع على صورة العقد: http://www.drweb4u.net/vb/showthread.php?t=13981 )
إن المعارضة الديموقراطية الحقيقية، هي شريكة في إقرار الأمن ودعم الحكومة المنتخبة، على أقل تقدير من خلال نقدها البناء، ومحاولة تقويمها لها، وإطلاع الرأي العام وإشراكه، لتنجح في كسب أصوات الناخبين في الجولات القادمة، لا كما يذهب السيد علاوي.
الخلاصة كما نرى أن نهج اياد علاوي تخبطي وباحث عن السلطة أكثر مما هو باحث عن حلول لازمات بلده، وهو ليس بصاحب مشروع أصيل، وليس بكارزما ينتظره الكثير. وإن الحكومة الحالية بإمكانها الوقوف على قدميها رغم كل الرياح التي تعصف بها، وقد كسبت جولات كثيرة وامتحانات عسيرة. ولعل مؤشرات استمرارها، هي دعم ووقوف جهات ضغط كبيرة ونافذة وراءها، مثل المرجعية الدينية والأحزاب الدينية النافذة في الوسط والجنوب. بالإضافة إلى الكتلة الكوردية الشريكة في السلطة، وقرار السيد مقتدى الصدر تجميد نشاط ميليشيا جيش المهدي لستة أشهر، ودعم الرئيس الأميركي، وغيرها.
أملنا أن تصلح الحكومة العراقية الحالية أخطائها الكثيرة وما لصق بها من غبار تجربتها في السلطة خلال المدة الماضية، وأن يحسن سياسيونا، حكومة ومعارضة تصرفهم وأن يقدموا مصالح بلدهم على مصالحهم الشخصية.
www.al-hashimi.blog.com
التعليقات