يعلم الجميع ما هي الأساطير...إنها ذلك النمط من القصص والحكايات التي حاولت من خلاله مختلف الشعوب أن تعبر عن افكارها حول الكون والطبيعة والانسان، وهكذا فان فيضان النيل انما هو دموع ايزيس تبكي زوجها المغدور، والشهاب الساقط من السماء انما هو شيطان رجيم حاول التسلل الي جنة الابرار فصعقه سيف الملاك الحارس...وكنت اتصور ان تلك الاساطير قد توارت امام العلم الحديث ولامكان لها اليوم الا في الدراسات والبحوث الادبية والفولكلورية...لكني كنت مخطئا، فقد كنت استعرض التحذيرالاخير لمنظمة الصحة العالمية عن الخطر الداهم الذي باتت تمثله الاوبئة والامراض المعدية علي مستقبل البشرية، وكنت اقول ان لهذا الامر علاقة وثيقة بانتشارالجوع في العالم، وانقسام العالم الي غرب غني وشرق فقير، وتصورت ان يكون التعليق المنطقي والمعقول علي ما أقول :ليتحد العالم اجمع في مواجهة هذا الخطر، او...لنضع اسسا اكثر معقولية للاقتصاد العالمي..غير اني فوجئت بتعليق غاضب وغير معقول :الم تقرأ سفر الرؤيا...هذا هو الحصان الاسود الذي يؤذن بنهاية البشرية !! وسفر الرؤيا لمن لايعرفه سفر يضع فيه كاتبه رؤيته لنهاية العالم...اي أنه بالبلدي سفر ليوم القيامة حيث تخرج فيه جوقة من الملائكة فيصدر احدهم من البوق صيحة الخراب، وينطلق آخر ليثير الحروب والمنازعات، بينما يتفنن آخر في نشر الاوبئة والامراض وبعد ان تتخم الارض من شتي ضروب الفتن والشقاء تحل لحظة الحساب الاخير ويتمتع الابرار بنعيم الفردوس، ويصطلي الاشرار بنار الجحيم....كل هذا جميل ولكن ماعلاقته بالامراض والاوبئة ؟ ان صيحة الخراب واليوم الاخير ليست جديدة فقد كانت شائعة في العصور الوسطي، وعندما اكتسح الطاعون اوروبا وقضي علي ربع سكانها (خمسة وعشرون مليونا من البشر)كان التفسير الوحيد السائد انها صيحة الخراب ومقدمة اليوم الاخير...لكن العالم عندما تخطي تلك المحنة علم انه كان يضرب في سراب، وان لهذا الطاعون اسبابه المحددة وطرق انتشاره المحددة، واستطاع العالم بالعلم الحديث ان يحاصر الطاعون والاوبئة الاخري، ولم يقتصر نجاح العلم علي مجال الطب والصحة العامة بل تعداها الي مختلف المجالات الفيزيائية والهندسية والفضائية، فهل هناك سخرية اكثر من ان يضع انسان علي الكومبيوتر افكار العصور القديمة والوسطي؟