مفردة quot;الزئبقيةquot;، هنا، كإصطلاح لا تعود بأية حال، من حيث الإشتقاق، إلى quot;الزئبق الأحمرquot;(لا سمح الله!!!) المعروف لدى أهل الكيمياء بالرمز (H925 B206).
المُراد بquot;الثقافة الزئبقيةquot; في هذا العنوان، هو تلك الثقافة القلقة؛ ثقافة الزمان والمكان القلقين؛ ثقافة التكوين القلق ومواقفها القلقة، المؤسسة، كليةً، على ثقافة الجهات الفاعلة، المقرِّرة، الحاسمة، والخاضعة لنفوذ مرتكبيها الحاسمين.
هي الثقافة quot;المطيةquot; الجاهزة للركوب، كلما اقتضته حاجة المرتكبين الصعبي المِراس، الأنداد، الأقوياء،إذما دقت ساعة النّد والحسم.
quot;ثقافة الزئبقquot;، هي ثقافة، لا جهة محددة لها؛ لا مكان محددٍ يستقرّ عليها، ولا هدف مسمّى يسعى إليها، خلا quot;معاشاتهاquot; وquot;مدفوعاتهاquot; وquot;مخصصاتهاquot;، القادمة من أمناء، وأحزاب، ورؤساء، وأمراء، وملوك الجهات المركوبة أو المرتكبة.

في الآونة الأخيرة، وعلى مستوى الإعلام المكتوب، هنا مثالاً، تطالعنا الصحف العربية، الكبيرة منها والصغيرة، المشهورة منها والنصف مشهورة، يومياً، بسيلٍ من التقارير، والتحقيقات، ومقالات الرأي الملقّنة، وكأن أصحابها اكتشفوا للتو، زيف نظام البعث السوري، ومتاجرته بالعروبة وأخواتها، والذي ركب ظهر سوريا، وسرقها أرضاً وشعباً، بالمجموع والمفروق، منذ الإنقلاب البعثي، العفلقي، الفاشي في 8 مارس/آذار 1963.

جرعة quot;فضحquot; ديكتاتورية آل الأسد التي وصفت بquot;العلويةquot; حيناً، وquot;البعض علويةquot; حيناً آخر، وquot;العائلية/الأسديةquot; أحياناً أخرى، ازدادت ودخلت على quot;الخط الحاميquot;، مباشرةً، بعد عنتريات ديكتاتور سوريا الشاب بشار الأسد(quot;المنتصر الإلهيquot; إلى جانب زعيم جيبه الأمني في لبنان حسن نصرالله)، الذي وصف ملوك ورؤساء ما يسمى ب quot;محور الإعتدالquot;، العربي (سعودية+الأردن+مصر)، بُعيد حرب تموز، في 15 آب/أغسطس 2006، بquot;أنصاف الرجالquot; وquot;أصحاب أنصاف المواقفquot;.
بعد تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، في الرابع عشر من الشهر الماضي، الشديدة اللهجة، المنتقدة للسعودية، والتي جاءت استكمالاً، لتكريس quot;أزمة الثقةquot; بين البلدين العربيين، وإعلان quot;الطلاق الرسميquot; بينهما، بعد هذه quot;الجولة الثانيةquot; من عنتريات النظام السوري وquot;حرسه القديم الجديدquot;، دخلت quot;ظاهرةquot; الكتابة(العربية تحديداً) ضد سوريا النظام؛ سوريا البعث الديكتاتور، أفصح وquot;أسخنquot; مراحلها.

لا شك أن النظام السوري، هو نظام أكثر من ديكتاتوري، توتاليتاري، شمولي؛ وأكثر من عنصري، عروبوي، وصانع للشعارات الخلبية؛ وأكثر من quot;لاوطنيquot;، وquot;لامدنيquot;، وquot;لاشرعيquot;.
إلا أن الثابت والأكيد، هو أن هذا النظام برموزه العصبوية، quot;العصاباتيةquot; الحاكمة، من آل الأسد وأهله وصحبه، ومن لفّ لفهم، لم يدخل لتوه، طور الديكتاتورية، وحكم الشعب بquot;اللاشعبquot;، أو حكم الكثير بالواحد الأحد، أوquot;الإستقواءquot; باللاعرب من الخارجين على مصلحة العروبة quot;العلياquot;، الممتدة من المحيط إلى الخليج، وتالياً، quot;رفسquot; العرب، واستعداء دولهم وعروبتهم وأخواتهما، وتجيير كلّ ما يدخل تحت سقف quot;الأمة العربية الواحدة، ورسالتها الخالدةquot; وتسخيرها(كلما سنحت الفرصة لآل الديكتاتورية)، لضمان وتطمين quot;سلامة الكرسي الميمونquot;، الذي يعلو(ولا يُعلى عليه) على كل الشعب، وكل المصلحة، وكلّ الرسالة، وكل العروبة وأربابها مما تبقى من عربها وعربانها.

هذا النظام، الديكتاتوري، من ألفه إلى يائه، لم يدخل لتوه طور quot;الرفس الرسميquot;؛ رفس أخوانه من العرب، وأخواته من الدول والممالك العربيات.
بذات quot;البعث العربي الإشتراكيquot;، وذات quot;الحرية الواعدة والوحدة القائدةquot;، quot;رفسquot; النظام السوري تحت قيادة ذات quot;الأب القائدquot;، لبنان أرضاً وشعباً، رفساً من العيار الثقيل والطويل، على امتداد ثلاثين عاماً(1967ـ2005) من النهب والتخريب والإرهاب المنظم، quot;الوطني الضروريquot;، المصدّر سورياً، خصيصاً لquot;شقيقتهاquot; quot;الصغرى والدنياquot;، في ظل سكوتٍ وquot;تطنيشِquot;عربيٍّ، رؤساء ومرؤوسين، مثقفين(إلا نادراً) ولامثقفين، قلّ نظيره، إلى أن جاء الخارج quot;العدوquot;، quot;اللاوطنيquot;، دائماً، وفقاً لوطنيات الداخل الضرورية، سلفاً، أمريكا وشركاءها من quot;الشياطين الكبرىquot;، وأجبرت هذا النظام quot;الرافسquot;، على الخروج quot;الرذيلquot; من لبنان الملحقة بquot;سوريا الوحدة والحرية والإشتراكيةquot;، بناءً على قرار مجلس الأمن 1559.

على امتداد أربعة عقودٍ ونيف، وذات البعث الواحد الأحد، يحتكر سوريا ويركبها، ليل نهار، ولا يزال، حيث رموزه الحاكمة quot;إلى الأبدquot;، تسرق وتنهب من quot;الوطنquot; الذي لم يبقَ منه شيء، ما تشاء؛ وتحكم الآخر المحكوم بعصا الديكتاتور، بالتي هي أسوأ، كما تشاء؛ وتضرب، وتعتقل، وتقصي، وتصّفي، وتقتل، وتعدم، وتُبيد، من quot;المواطنينquot;، كيفما تشاء؛ وتزايد في الوطنيات العنترية وشبيهاتها من القومجيات الطرزانية، كلما استدعت المصلحة quot;العلياquot;(مصلحة الكرسي العالي)، أنّى وأينما تشاء.

منذ أن اختلى البعث الديكتاتور بسوريا وquot;اغتصبهاquot; أيما اعتصابٍ، على سنة الدستور الواحد الذي لايعلوه دستور، وغصباً عن كل شرعٍ، وعن رأس الذي يريد ولا يريد؛ مذاك وسوريا تُمسَخ من سيءٍ إلى أسوأ: وطن بلا مواطن؛ جغرافيا منهوبة وتاريخ مُرتكَب لتدوين يوميات الديكتاتور؛ أرض مغتصبة وشعب ممنوع؛ حقوق مسلوبة منتهكة وحريات لا وجود لها إلا في كلام المنصات المسؤولة، المنصوبة، في حفلات التصفيق quot;الضروريquot;، وquot;الحارquot;، وquot;المنقطع النظيرquot;.

منذ quot;الإغتصابquot; البعثي، المقيت، السيء الصيت لسوريا، والسوريون بمختلف مكوناتهم العرقية، والقومية، واللغوية، والدينية، والمذهبية، يعانون ما يعانون: سجون عرفية، إعتقالات كيفية، تصفيات جسدية، محاكم صورية، أحكام استثنائية، محظورات سياسية، أحزاب كارتونية شكلية(لتكملة نصاب جبهة الصمود والتصدي، التقدمية)، برلمانات لا شعب فيها، حكومات هي رهن إشارةٍ من أصبع القائد الأوحد، أجهزة أمنية واستخباراتية(لمصادرة الحريات) لا تعد ولا تحصى، ملاحقات أنتي قانونية، أساليب تعذيب وحشية بربرية، مستوطنات شوفينية، مشاريع لتكريس التفرقة العنصرية، مدارس تربى على صور وأقوال وتماثيل quot;الرئيس الأب القائدquot; صبح مساء، جامعات لتدريس quot;أفكار ونظريات وعلوم القائدquot;...الخ.

الملاحظ في ظاهرة الكتابة(العربية) المتناولة لquot;رفساتquot; النظام السوري الأخيرة، هو quot;الإستيقاظ المتأخر جداًquot; للأنتيليجنسيا العربية، على ما ارتكبته رموز البعث الحاكم بحق سوريا والسوريين، وجيرانهم من quot;الأشقاءquot; اللبنانيين، والعراقيين، والفلسطينيين، وغيرهم.
ما يُفهم من ظاهر وباطن بادرة quot;الإستيقاظ المتأخرquot; هذه، للبعض الكبير من أقطاب الكتابة في أعمدة وزوايا الصحف واليوميات العربية، على اغتصابات وانتهاكات عصابات ديكتاتورية النظام السوري المبكرة، هو quot;زئبقيةquot; الإنتيليجنسيا العربية، وانقيادها لطلعات ونزلات مزاجيات النظام الرسمي العربي، وهوى علاقاته مع الداخل quot;الشقيق الحبيبquot; والخارج quot;البعيد عن الديرة والغريبquot;.

المضحك المبكي، في أمر quot;المغضوبين الجددquot; على quot;رفساتquot; النظام السوري، هو، لكأنهم اكتشفوا لتوهم، أن سوريا أُفرغت من الوطن وتحولت إلى quot;سجنٍ كبيرٍquot;، مزنرٍ بالحديد والنار، لتعذيب وتجويع أبنائها؛ وأن أكرادها quot;يُجرّدون من الجنسية، ويتعرضون لquot;حملات أنفالٍ جديدةquot;؛ وأنّ المعارضين المختلفين يُعتقلون بالجملة، ويُزجّون في المنفرادت، لدزيناتٍ من السنين، بلا محاكم ولا قوانين، ولا هم يحزنون؛ وأنّ على quot;المثقف الليبرالي، العلماني، العقلاني، القادم، أن يتحمل مسؤوليته القادمة، للعب دوره الجديد، لفضح الديكتاتوريات العريبة quot;الشائخةquot;، وعلى رأسها الديكتاتورية البعثية، بنسختها السوريةquot;؛ وأنّ quot;الحكم السوري، هو حكم لامدني، وراثي، محصور في آل الأسدquot;(الأقربون أولى بالحكم)؛ وأن quot;سوريا القادمة ليست سهلةً، ولن تُسلّم على طبقٍ من ذهب، لأهلها من السوريين، الكفوئين، القادمينquot;؛ ووووإلخ.

سوريا الديكتاتور هذه كلها، وسواها الكثير، كانت قائمةً، تسرح وتمرح على ظهر السوريين، بظلمها المضعّف، والمربع، والمكعب، منذ حوالي أربعة عقودٍ ونيف، خصوصاً بعد تسلم الأسد الأب(1930ـ2000)، لمقاليد السلطة، كرئيسٍ للجمهورية السورية العتيدة(1971ـ2000)، التي أُفرِغت من كل الجماهير، ومن كل ما يمتُّ بصلة إلى التقاليد والأعراف الجمهورية المتعارف عليها، في قواميس الجمهوريات المرئية، والمقروءة، والمكتوبة.

والحال، فإن الملاحظ في quot;غضبةquot; البعض الكبير من الإنتيليجنسيا العربية، على اكتشافها quot;الحديثquot; للديكتاتورية السورية، هو إعادتها لquot;إنتاجquot; ذات الغضبة، أو شبيهها، التي أُطلقت إبان quot;اكتشافها المتأخرquot; جداً، للديكتاتورية العراقية، صانعة ابشع وأفظع المجازر والمقابر والإبادات والأنفالات الجماعية، بحق الشعوب العراقية والشعوب الجارة، أسوةً بالنازية الهتلرية الألمانية، والفاشية الموسولينية الإيطالية، في القرن الماضي.

في هذا البعض من النخبة العربية المثقفة، كان هناك بالأمس القريب، من كال المديح المدفوع سلفاً، لquot;قائدquot; الأمة العربية وquot;حاميquot; بوابتها الشرقية، صدام حسين، كما كان هناك جيشاً من quot;إنتيليجينسيا تحت الطلبquot;، بعضه دافع بشراسة، وبعضٌ ثانٍ quot;برويةٍ وهداوةquot;، عن quot;الديكتاتور، بطل الأمة وحكيمها الأوحدquot;، وبعضٌ آخر، سكت quot;سكوتاً من ذهبquot; على حربه المجنونة ذي الثماني سنوات المدمّرة؛ وعلى حملات إبادته للمعارضين، شيعةً وسنةً، من أهل العراق؛ وعلى إعداماته العشوائية هنا وهناك؛ وعلى أنفلته لأكثر من 182 ألف كردي؛ وعلى قصفه لحلبجة بالغازات المحرمة دولياً، وبالتالي، إبادته لأكثر من خمسة آلاف كردي، وجرح وإعاقة أضعاف هذا الرقم من الأبرياء العزل، فضلاً عن إبادته لآلافٍ مؤلفة من القرى الكردية؛ وعلى غزوه للكويت، تحت شعار quot;توحيد الأمة العربية المفككةquot;؛ وسوى ذلك من الجرائم التي ارتكبتها رموز الديكتاتورية البعثية، بطبعتها العراقية، المقبورة.

وبين عشيةٍ وضحاها، اكتشف هذا البعض من النخبوية العربية المثقفة، أنهم قتلوا العراق، بسكوتهم quot;المقبوضquot;، أكثر من مرةٍ؛ وخانوه أكثر من مرةٍ؛ وضحكوا على الثقافة وأخواتها، بquot;زئبقيتهمquot;، أكثر من مرةٍ.

على سبيل المثال، لا الحصر، الكثير ممن لم يكتب قبل السقوط الأخير، لآخر صنمٍ لديكتاتور العراق الأوحد(09.04.03)، حرفاً واحداً عن quot;مظلومية الأكرادquot; في quot;عراق صدامquot;، نراهم اليوم، في quot;المؤتمرات الحريريةquot; في عاصمة الكرد هولير، يزاودون على الكرد أنفسهم، في نصرة قضايا الأكراد وحقوقهم المشروعة، وامتداح قادة الكرد، وعقلانيتهم، وكردستانهم، في الطالع والنازل، بمناسبةٍ أو بدونها.
ولكن السؤال الذي يطرح على quot;الموائد الحريريةquot; المستقبِلة لهؤلاء المدّاحين quot;الحريريينquot;، هو، أين كانت أقلام هؤلاء quot;الكاثوليكيين أكثر من البابا، والكردبروَريين أكثر من الأكرادquot;، أثناء أكراد الجبل؛ أكراد المشانق؛ أكراد المنافي؛ أكراد الكيمياء؛ أكراد الهروب المليوني؛ أكراد الخروج القسري من كتاب الله، والقتل الحلال، من ثم، بآياته، العربية، المبينة؟
الإنتيليجنسيا العراقية بمختلف مكوناتها واتجاهاتها، التي وقفت مع العراق(كل العراق، شمالاً ووسطاً وجنوباً) ضد الديكتاتورية، تعرف بالطبع، أكثر من غيرها، صولات وجولات هذا البعض quot;الزئبقيquot; الكبير من الإنتيليجنسيا العربية، الذي quot;سكت دهراً ونطق كفراًquot;. هي، الضحية العراقية، الأكثر وألأكبر،، خبرت هذا البعض، في الفوق وفي التحت؛ قبل مدن الحرير وبعد مدن الحرير، مع الديكتاتور ومن دون الديكتاتور.

وفي ضفة البعث الأخرى، في مثال سوريا البعثية الشقيقة، يبدو أن تاريخ quot;السكوت الطويلquot;، إنتيليجسياً، على تخريبات ديكتاتورية آل البعث والأسد، ومسخها لسوريا، وطناً ومواطناً، قد أعاد نفسه، مرةً أخرى.
منذ quot;باكورةquot; ربيع الأسد الأول إلى ربيع الأسد الأخير، ومنذ quot;بركاتquot; الربيعين الموعودين إلى هذا الخريف، والديكتاتور لايزال هو هو.
الديكتاتور، من quot;يوم يومهquot;، كان فصيحاً، في إغتياله للوطن والمواطن؛ وفي ارتكابه للحكم، برلماناً، وحكومةً، وقضاءً، وسلطةً رابعةً، أو خامسةً.
الديكتاتور، من quot;جمهورية الأسد الأولىquot; إلى quot;جمهورية الأسد الثانيةquot;، كان ثابتاً، لم يتزحزح، قيد أنملةٍ، عن quot;ثوابتquot; الحكم العائلي، الثابت، في quot;بعثهquot;، ونهبه، وبطشه، وقتله، ومؤامراته.
الذي تغير، هو quot;السكوت الذهبيquot;، الماضي، الطويل، لبعضٍ من النخبة العربية المثقفة، الذي تحول، بقدرة quot;فوقٍ قادرquot;، إلى quot;غضبٍ فولاذيٍّquot;، على quot;الديكتاتور الحديثquot;.

قبل هذه quot;الغضبة/الصحوة الإنتيليجنسيةquot; المرافقة والموازية، للغضبة الحكومية الرسمية(غضبة أرباب الحكم)، التي أدت إلى سقوط آخر ورقةِ توتٍ، عن عورة العلاقات السورية ـ السعودية؛ قبلها، إلى أين كانت تتجه بوصلة هؤلاء quot;الغاضبين الجددquot;، وعلى من وما كانوا يصبون جام غضبهم، وأي الجهات كانت تقود أو توّجه زئبقهم؟
كم قلماً، مثلاً، من هاته quot;الأقلام الغاضبةquot;، غضبت أيام زمان؛ زمان quot;الديكتاتور العتيقquot;، على آلافٍ مؤلفة من معتقلي quot;ربيعquot;، وصيف، وخريف، وشتاء دمشق، وحلب، وحماة، والقامشلي وغيرها من المدن السورية المعتقلة؟
أكثر من 60% من الشعب السوري وقعوا(ولا يزالون) من جراء quot;رفساتquot; سياسات الحزب الواحد بقيادة الديكتاتور الواحد، تحت خط الفقر، ولم نرَ، من قبل، قلماً يغضب لعيون هذا الشعب، الواقع من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، تحت خط الرفس، وخط الدعس، وخط الصرامي، والبهدلة، والنحس، والسحل، والدوس.
مَن من هاته الأقلام الغاضبة على quot;الديمقراطيات المعتدلةquot;، بثت أو نشرت quot;حرفاً غاضباًquot; واحداً، على انتفاضة الأكراد السورييين التي انطلقت شرارتها من الملعب البلدي في قامشلو(12 آذار/مارس 2004)، ثم امتدت إلى سائر المدن والبلدات الكردية في الشمال السوري، فضلاً عن بعض المدن السورية الكبرى، التي يتواجد فيها الأكراد، بكثافة، مثل دمشق وحلب؟
على مرأى ومسمع هؤلاء quot;الغاضبين الجددquot;، جوبهت هذه الإنتفاضة، من قبل السلطات السورية المدعومة بالمصفحات وسلاح الجبهات، والقناصات، إذ راح ضحيتها، إرهابئذٍ، العشرات من الأبرياء العزل، بين قتيلٍ وجريح، ومع ذلك، لم نقرأ، في حينه، مثل هذا quot;الغضب الليبراليquot; على quot;خريف الديكتاتور أو ربيعهquot;، وعلى أزلامه من المعاونين وquot;أنصاف المعاونينquot;، وكأن سوريا كانت، آنذاك، quot;جنة العروبةquot; وquot;قبلتها الأولىquot;، في التصدي للقبلات الأخرى quot;المعاديةquot;.

هكذا كان الديكتاتور، عربياً، فصيحاً، بليغاً، فيما الإنتيليجنسيا، كانت مقصوصة اللسان، متلعثمةً، ركيكةً.
هكذا ثبتَ واستقرّ الديكتاتور الحديد، عربياً، فيما الإنتيليجنسيا الزئبق، تزحزحت، وتمَلمَلت، وتذبذبت.
هكذا تكلم وعاش وامتدّ الديكتاتور، عربياً، طويلاً، فيما الزئبقيون، إنتيليجنسياً، سكتوا، وسقطوا، وانكمشوا، طولاً وعرضاً.
هكذا ظهر الديكتاتور ونجح، عربياً، فيما الإنتيليجنسيا اختفت، وسقطت.

هوشنك بروكا
[email protected]