في وقت تحرّمه على دول اخرى، لماذا تصر الولايات المتحدة الامريكية على توقيع الاتفاقية الطويلة الامد مع العراق وتمارس الضغوط تلو الضغوط حتى وصل الامر الى التهديد العلني بان عدم توقيعها سيجلب الخراب والدمار الى العراق والعراقيين؟ لماذا يتحمّس القادة الكرد اكثر من غيرهم لمثل تلك الاتفاقية حتى قبل التعديلات الاخيرة ويطالبون بالتوقيع من دون اعتراض؟ في الجهة المقابلة لماذا يرفضها المعترضون وهل هم حقا ينطلقون من منطلقات وطنية ام للقضية جوانب اخرى حُجبت بقصد عن المواطن العادي لحاجة في نفس يعقوب كما يقول المثل؟ الاسئلة كثيرة ومواطن الضعف والخلل اكثر لكن السؤال الجوهري هو ماذا سيخسر العراق لو لم يوقّع على الاتفاقية؟!
في حسابات الربح والخسارة على المستويين الامني والخدماتي يُقال ان العراق سيجني ثمار هذا الاتفاق ولكن هل هناك سقف زمني لتحقيق هذا الانجاز، طبعا لا احد يُجزم كما لا احد بمقدوره اجبار امريكا للالتزام بمواعيدها وتحقيق وعودها ليس باعتبارها القطب الاوحد في العالم بل لانها ايضا صاحبت القوة على ارض الواقع في العراق وبلا منازع. ايضا وفقا لتلك الحسابات من المفترض انه سيكون بمقدور العراق حصوله على سيادته الكاملة على ارضه ومياهه وسماءه! لكن كيف يكون ذلك في وقت لايحق للقضاء العراقي ولا لاي مسؤول في الدولة مهما علا منصبه مسائلة اي جندي اميركي عما يفعله خارج ثكنته العسكرية ولو ادى خروجه الى سلب ونهب وقتل وترويع ولو كان في ثمالة فضلا عن يقضة وارادة؟! اين السيادة على الارض وقطعان اميركا تريد التنقل وقتما شاءت ووقتما ارادت من دون رقيب ولا محاسبة ولا مسائلة؟ اين سيادة العراق على سماءه والطائرات الامريكية تحلّق وقتما تشاء وتقلع وقتما ارادت وتأخذ وتجلب وتسرح وتمرح كما هي الحالة الان؟ اين سيادة العراق على مياهه والبواخر الامريكية تشحن الاخضر واليابس من والى العراق في عبوات لايحق لرئيس الجمهورية العراقية فضلا عن رئيس وزرائها حتى السؤال لمجرد السؤال عما تحويه هذه الحاويات؟ ربما يأتي اليوم الذي سنسمع فيه عن طمر نفايات اسرائيل النووية في صحراء الرمادي او السماوة، من يدري!
ايضا في حسابات الربح والخسارة يُقال ان العراق سيخسر اي تعاون امريكي عراقي في مجالات التعليم والطاقة والنهوض في مجالات الاقتصاد والزراعة فضلا عن استرجاع الاموال العراقية المجمّدة والمهرّبة على حد سواء؟ السؤال البديهي من بمقدوره ان يُجبر امريكا على الالتزام بكل هذه الشعارات الطنانة والعبارات الفضفاضة فيما لو تلكأت او تهرّبت من الالتزام بها واخذت من الاتفاقية مايناسب مصالحها وهو المؤكد؟ مامدى استعداد اميركا للالتزام بالوعود التي تقطعها وهل تأريخ اميركا يؤكد احترامها لكل معاهداتها ومواثيقها ونحن نشهد ونعيش مايحدث في الوطن العربي عموما والحالة الفلسطينية خصوصا! بيد ان التجربة العراقية مع الوعود الاميركية شاهدة على التنصّل بل والعمل على العكس احيانا كثيرة لم يكن اولها تحوّلها من quot;قوات تحريرquot; الى quot;قوات محتلةquot; بمجرد ان عبرت quot;مؤتمر الناصريةquot; واستمكنت من المنطقة الخضراء. اضف الى ذلك تجربة الخمس سنوات من الاحتلال الامريكي للعراق بدا ظاهرا من دون اي شك ان امريكا قد قدّمت اسوء مايمكن ان تقدّمه دولة ما عن شعاراتها ومبادئها فضلا عن التزاماتها واخلاقها وهو مايعطينا فكرة واضحة عما سيحل بالعراق في حال استمرار تلك القوة على ارض العراق الى ماشاء الله من دون تقييد وترشيد. الانكى من ذلك مااشيع حول عزم الرئيس الاميركي على التوقيع على هذه الاتفاقية من دون عرضها على الكونغرس الاميركي وهو ماينبأ عن رفع اي حرج مستقبلي فضلا عن تنصّل واضح عن كل ماجاء في الاتفاقية وبالتالي ستكون تطبيقاتها من جانب واحد.
كل المؤشرات تؤكد حرص امريكا على التوقيع على هذه الاتفاقية اكثر من حرص بعض الساسة العراقيين وغيرهم لاسباب عديدة اهمها الثقل المادي والمعنوي المضطرد للقوات الامريكية المتواجدة في العراق لذلك فان اي تسرّع من الجانب العراقي ليس له اي مبرر. اضف الى ذلك فان أسوء مايمكن ان يحدث للعراق في حال عدم توقيعه على الاتفاقية هو الطلب من مجلس الامن الدولي تمديد فترة الاحتلال الامريكي للعراق لعام اخر وهو في الحقيقة افضل بكثير من التوقيع على اتفاقية ارتهان وتبعية ابدية وشرعنة للاحتلال كارثية بحجة حيازة السيادة العراقية والنهوض بالوطن العراقي. بيد ان الاصوات الداعية الى تعديل الاتفاقية او رفضها باتت هي الاكثرية في وقت انحسرت الاصوات الداعية الى التوقيع عليها فقط بالجانب الكردي المتحمّس لمثل تلك الاتفاقيات التي يرى فيها ضعفا للحكومة المركزية خاصة والدولة العراقية عموما وهو مايجعل الاحزاب الكردية في بحبوحة من العيش ويضمن لهم القوة وحصد التنازلات تلو التنازلات بحجة مبدأ التوافق الذي لاتسري احكامه على منطقة quot;كردستانquot;! هذا المنطق ترجمته دعوات القيادات الكردية المتكررة لاقامة قواعد عسكرية اميركية في منطقة كردستان ضاربين عرض الحائط مواد الدستور والمصلحة العراقية العليا وحقوق العراقيين ومبدأ التوافق السئ الصيت!
مايثير اكثر من علامة استفهام والاستغراب حقا هو ان القيادات الكردية مندفعة اكثر من اللازم والمفترض للتوقيع على هذه الاتفاقية وكأنها قرآن منزل وصفقة لن تتكرر في وقت ترفضها بعض دول الجوار المعنية في الشأن العراق كأيران وسوريا. هذا البعض يتناسى وان كان لهاتين الدولتين مصالح في عدم التوقيع على اتفاقية مهينة بهذا الشكل فان اعتراضهما في النهاية انما يصب في صالح العراق والعراقيين لانه وكلما انتزع المفاوض العراقي تنازلات امريكية كلما تعزز موقف العراق مستقبلا وكلما كانت الكفة راجحة في اجبار امريكا على الالتزام بمواعيدها ومواثيقها فضلا عن عدم استغلال العراق وثرواته واراضيه لشن حروب على العراقيين تحت ذريعة فرض القانون فضلا عن شنها على دول اخرى بحجة محاربة الارهاب.
في نهاية المطاف شخصيا لا اجد ضيرا من ان تكون بعض المنظمات الدولية الفاعلة كالاتحاد الاوربي والامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة عدم الانحياز كشهود يوقّعون على هذه الاتفاقية على اعتبار ان العراق عضوا فاعلا في ثلاث منها. أيضا اجد من اللائق والمناسب والصحيح اذا ماعمدت الحكومة العراقية الحالية التوقيع على المعاهدة ان تضيف بندا واضحا وصريحا يؤكد حق العراق في اعادة النظر ببنود هذه الاتفاقية مع كل دورة برلمانية اي كل اربع سنوات وذلك لمراجعتها وتصويب مايراه المجلس التشريعي العراقي مناسبا وبما يخدم السيادة العراقية ومصالح الشعب العراقي. اما بغير ذلك فان العراق سيكون مرتهنا ابد الدهر لامريكا ولن يكون بوسعنا تحرير بلدنا ليس من الاحتلال الامريكي فحسب بل ومن الاحتلال المحلي ايضا وهو الاشد والانكى!
رياض الحسيني
كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
التعليقات