منذ أيام انطلق حمار السيد أوباما باتجاه العراق؟ لن يستغرق وقتاً طويلاً للوصول، فحمار العصر هذا يسير على طرق الانترنيت، ويهبط كالملاك من الأقمار الاصطناعية، غير هياب أن الأرض ما تزال تضج بالمتفجرات وعصابات القاعدة، وفرق الموت!

ولكن ماذا يحمل حماره الجميل في خرجيه المكتنزين المتدلين على الجنبين؟
لاشك إنه يحمل الكثير، ويؤسفني القول أن أثمن وأهم ما يحمله سوف لن تستفيد منه المجموعات والطبقات الحاكمة في العراق! بل سترده وتعتبره إهانات وستلقيه في مكب النفايات حسب تعبير رئيس الوزراء السيد نوري المالكي!

فهو يحمل كل صور وخرائط قيم العصر الجديد الأغلى من كل الذهب والجواهر! والأهم من كل الإجراءات والمواقف السياسية وحتى العسكرية ذات الطبيعة المؤقتة والعابرة!
إنها القيم التي أوصلت صاحبه الأسود الفقير الذي عانى كل آلام الطفولة الحزينة والتمييز والعزل العنصريين إلى الموقع الأول في العالم!

هذه القيم التي ما تزال غريبة على الحاكمين الجدد في بغداد، مثلما كانت غريبة على من سبقهم منذ الإطاحة بالحكم المدني التداولي في العراق في 14 تموز1958!

إنه يحمل صورة وخريطة جوهرة الديمقراطية التي صلى لها شعراؤهم كإله، ولم يكفر بها السود رغم ما عانوه على أرضها من اضطهاد. كانوا يعرفون في قرارة نفوسهم أن الديمقراطية هي التي سترد لهم اعتبارهم وتنصفهم وتضمن إنسانيتهم مهما طال الزمن! بينما ترجمها حكام العراق إلى محاصصة طائفية وقومية وحزبية،يصلونها عبر صناديق غير نظيفة،تملأ تحت التهديد وفتاوى المراجع الدينية والطائفية،حتى أفرزت هذه الدولة والبرلمان المشوهين المتضاربين الغريبين عن العراق والعراقيين حتى لكأن البرلمان في موريتانيا، والدولة في الصومال!ومركز القرار في طهران!

ويحمل حمار أوباما خريطة وصورة جوهرة الحرية التي ترجمها حكام العراق إلى حرية فساد ونهب لخزينة الدولة، وأموال الشعب، وخزنها لأيام سوداء، يعرفون أنها تنتظرهم في مكان ما، وزمان ما!

ويحمل خريطة قيمة التداول السلمي للسلطة فقد شهد العالم كيف تقبل السيد مكين هزيمته أو انتصاره كرجل ديمقراطي! فهو لم يشتم أوباما أو يشكك به، بل أبدى استعداه أن يعيش في ظل حكمه كمواطن يخدم وطنه بما يستطيع، بينما يترجم حكام العراق التداول السلمي للسلطة بأن يشتم الرجل الذي يمسك بالسلطة أصحابه السابقين، ويشكك بهم ويتهمهم بأنهم يتآمرون عليه، ويتربص بهم، ويقتل أتباعهم ويحرق مقراتهم، والأخطر إنه يعد العدة للبقاء في الحكم، ويكون شعاره نفس شعار البعث السابق: جئنا لنبقى!

ويحمل حمار أوباما العلمانية، فصل الدين عن الدولة، واحترام أحدهما للآخر، فالسيد أوباما بعد أن فاز بالرئاسة لم يركض إلى البابا ليقبل يده ويتناول منه مسحة القدسية! بينما حكام بغداد شيعة وسنة،عرباً وكرداً، يتسابقون للمثول أمام السستاني ليأخذوا توجيهاته ويحظوا بتبريكاته كما يقولون، حتى دخل العراق عهد ولاية الفقيه بينما العالم يدخل عهد البرلمانات القارية!

و يحمل هذا الحمار الرشيق خريطة صورة قيمة الفدرالية التي بنت الولايات المتحدة الأمريكية ولاية تشد أزر ولاية، في نسيج موحد متين صنع أقوى وأغنى دولة في العالم، بينما ترجمها الحكام الكرد إلى طمع وجشع وتهالك على قضم الأرض وترويع الآشوريين والتركمان وعرب كركوك والموصل وحسابها فدرالية وقت اقتطاع 17% من أمول العراق، ودولة كردية وطنية مستقلة متى تعلق الأمر بميليشياتهم وعنصريتهم وفسادهم،كما حسبها عبد العزيز الحكيم إقطاعية خاصة له تكون في وقت قريب ولاية إيرانية!

كما يحمل خرائط قيم التسامح التي ترجمها حكام العراق إلى عفو خاص عن أشخاص من طائفتهم أو قوميتهم أو أنصارهم،وانتقام وبطش موجه لخصومهم أو بمن هم ليس من مذهبهم أو قوميتهم. بينما قيم التسامح لا تعني تبويس لحى وذقون وعفى الله عما سلف، إنما قوانين ومؤسسات تحرم التعصب،واحتكار الحقيقة، والتسامح مع الأفكار والقيم والظواهر والتعامل معها كتفاعلات طبيعة في مجرى حياة كونية هي في صعود دائم! مثلما هي تشريعات تعيد الحق إلى نصابه وتلئم جراح المظلومين جميعاً،وتعامل الظالمين بالعدل والقانون دون قسوة أو وحشية وفظاظة.

ويحمل حمار أوباما قوانين ومواثيق حقوق الإنسان التي تفاقم انتهاكها في العهد الجديد إلى مدى لم يسبق له مثيل حتى لم يعد للعراقي حق لا في أمن ولا في سكن ولا في خدمات ولا في عمل ولا حتى في موت طبيعي كباقي البشر في العالم!

ويحمل أيضاً قيم احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة كأم وكزوجة وأخت وبنت وحبيبة وزميلة،وقد رأينا نساء أمريكا كيف برزن في الترشيح وفي الانتخاب وفي الفوز،وكيف قدم أوباما عائلته الصغيرة لعائلته الكبيرة بكل الحب والجمال، بينما حكام العراق الذين يطلبون مساعدة أوباما اليوم ما زالوا ينظرون للمرأة كعورة يجيب سترها،وثمة أعضاء منهم في مجلس الحكم رفضوا مصافحة زميلاتهم في المجلس خشية نقض الوضوء، أو غضب الله، كما إن عضوات في مجلس النواب اليوم يزدرين أنفسهن فيحجبنها عن الظهور بالأكفان السوداء، ويصوتن ضد أي قانون يمنح المرأة شيئاً من حقوقها الكثيرة المغتصبة!

ويحمل حمار أوباما الجميل خرائط وصور الثقافة الحرة المنفتحة على نفسها وعلى العالم،والمنتجة بخصوبة ثرة لأروع الروايات والقصائد والأفلام والفضائيات، والراعية بسخاء لأدبائها وفنانيها ومفكريها! بينما ترجمها حكام العراق عرباً وكرداً إلى ضيق أفق فكري وروحي وانغلاق وتمترس وراء الدين والقومية، وتصفية جسدية أو معنوية لمن يختلف معهم في الرأي،حتى هجر العراق خيرة مثقفيه ومبدعيه،والباقون يناضلون كالجنود في حرب دامية،بينما ينبغي أن يناضلوا آمنين بين الناس والكتب!

أجل ! يحمل هذا الحمار الكثير من اللآلئ والجواهر،التي لو كانت قد طبقت في العراق بشكل صحيح لأغنت عن هذا القلق والخوف والهلع الذي انتاب حكام العراق اليوم وجعلت من في السلطة يرسلون مكاتيبهم ووسطائهم متضرعين إلى أوباما أن يضمن سلطتهم،ومن خسروها يطلبون منه أن يغير الوضع في العراق، أي يعيدها لهم!

ولكن سيقول البعض وهو محق : أن فيل السيد بوش الذي أناخ في العراق خمس سنوات والذي جلب هذه الجواهر واللآلئ لم يلبث أن داس عليها وحطمها بأقدامه الثقيلة فتناثرت كحطام القوارير الزجاجية! فماذا يستطيع حكام العراق الحالين أن يفعلوا غير الامتثال والطاعة؟

هذا جانب من الحقيقة لا ينكر، ولكن ما لا يمكن نكرانه أيضاً أن الطائفية وصراعاتها الدموية
قائمة في العراق حتى قبل أن تؤسس أمريكا!
وإيران وأطماعها في العراق،ودولة العثمانيين واستنزافها للعراق، كانا قائمين قبل أن تؤسس أمريكا أيضاً!
والدين يمسك برقبة الدولة والمجتمع في العراق قبل أن تؤسس أمريكا أيضاً!
والصراع القومي له جذوره المحلية والدولية لزمن طويل!
وكل هذا المشكلات كانت قائمة كأمراض مزمنة في جسد العراق، وكان الحكام السابقون يطلون البناء ويصبغونه ويخفون الشروخ!

وبينما نقول أننا من وضع أولى لبنات الحضارة، وإننا ورثة جديرون بها، نركلها ما أن نكتشف أنها تعني التخلي عن مواقع ومصالح وثروات وعادات وتقاليد لصقت في النفوس كالوشم على الجلد!

ودون الاستغراق في تحليلات طويلة ومعقدة ينبغي الإقرار :إن من غير المجدي انتظار شيء آخر من واشنطن! فكل شيء قد وصل مع حمار أوباما إلى بغداد! كنز القيم التي إذا بقي حكام العراق يفرطون بها فستحل الكارثة! عليهم أن لا ينتظروا أي شيء سياسي أو عسكري جديد من أوباما!على العكس إنه سيبدأ بخفض قواته وطي خيامها للرحيل!

لقد منح بوش لحكام العراق الحاليين قوة أمريكا العسكرية، واليوم يمنحهم أوباما قوة أمريكا الديمقراطية، و هذه طبعاً لن يقدمها لهم منجزة على طبق من ذهب! فلقد تغير سلم الأولويات في أمريكا! ولا يسعه سوى أن يرسل خرائط قيمه وصورها على ظهر حماره!

وعليهم أن يتذكروا أن أوباما هو من حزب بل كلنتون الذي واصل لثماني سنوات حصاراً على العراقيين بينما أبقى صدام طليقاً، وكان يتفرج على معاناتهم وهو يمارس لعبة السيجار مع مونيكا! وإنه من حزب أولبرايت وزيرة الخارجية التي قالت أن موت خمسمائة ألف طفل عراقي هو ثمن معقول لاحتواء صدام، فقيم أمريكا العظيمة هي بالدرجة الأولى لها، ولكنها متاحة لمن يريد الأخذ بها، وإن أي دولة في العالم تستطيع أن تكون عظيمة إذا طبقتها ولو لنفسها فقط! ذلك إنها قيم إنسانية استطاعت أمريكا أن تطبقها بنجاح وامتياز!

هل سيظل كل هم حكام العراق اليوم هو ترقب متى يستطيعون استبدال هذه الكلمة وهذا الحرف في الاتفاقية الأمنية أو الاستراتيجية مع أمريكا؟
هل ستظل حساباتهم خطيرة مدمرة في بدائلهم وخياراتهم الأخرى: في اتكاء هذا الطرف على إيران، وتخندق الطرف الآخر في العمق العربي؟

لا شيء أمامهم غير تفحص محتويات الخرج وامتلاك الشجاعة على تصحيح الأوضاع وجعلها وفق صورها الأصيلة!
وما على العراقيين جميعاً سوى المضي في رعاية غرس شجرة الديمقراطية في العراق! فإذا جاء هذا الموسم فاسدا أو اجتاحه الجراد، فلا ينبغي فقدان الأمل،فهذه الشجرة العظيمة لم تزدهر في أمريكا بعام أو قرن واحد بل تطلبت قروناً من الزمن،ومن حق العراقيين أن يكون لهم حلم أيضاً بديمقراطية وحرية صحيحتين تعلوان وتنشران أغصانهما وظلالهما على الجميع!

ما وصل العراق على ظهر حمار أوباما هو مجرد قيم،صور وخرائط، لكنها كنز كبير،ومن يستعمله يستطيع أن يستغني عن أمريكا نفسها، ولا يبقى أبد الدهر خائفاً قلقاً مشغولاً مرة في توديع فيل السيد بوش، ومرة في استقبال حمار السيد أوباما !!
ملاحظة،الحمار هو شعار الحزب الديمقراطي،والفيل هو شعار الحزب الجمهوري.

إبراهيم أحمد

[email protected]