من الواضح ووفقا لمراقبة تصرفات و أداء القوى السياسية العراقية المختلفة بعد موافقة الحكومة العراقية على مشروع الإتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة و إحالتها للبرلمان العراقي وحيث تتمترس فيه بعض القوى المتطرفة التي تنظر للأمور من خلال ثقوب المعارضة من أجل المعارضة فقط لا غير، بأن زعامة نوري المالكي و قيادته للحكومة العراقية قد باتت اليوم مستهدفة بشكل واضح من العديد من أطراف العملية السياسية ذاتها من الذين يهدفون لأن يبقى الموقف السياسي و المشهد العام في العراق ضعيفا وممزقا و يفتقر لمركزية الحسم و القرار الضرورية في هذه المرحلة!! خصوصا و إن الإتهامات بالديكتاتورية تجاه شخص السيد المالكي قد أضحت من العلامات الفارقة للهجوم الذي يتعرض له على خلفية تشكيل مجالس الإسناد الذي جاء الرفض الأقوى له من طرف الزعيم الكردي الرئيس مسعود بارزاني الذي رأي في تجربة مجالس الإسناد في إقليم كردستان بمثابة إحياء لسياسة النظام السابق في تشكيلات ألوية ( فرسان الدفاع الوطني ) أي زعماء العشائر الكردية التي كانت تتعاون مع الحكومة المركزية في بغداد أيام النظام السابق!!،

وحدة الهجوم القوي للأكراد على السيد المالكي كان مقترنا برضا بعض أهل الإئتلاف الموحد الذي لم يعد كذلك واقعا في ضوء إستحقاقات الإنتخابات المحلية القادمة في أواخر شهر يناير القادم، فالمجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق يشارك الأكراد في موقفهم من الحليف ( المالكي )!!

و كذلك الحال مع جبهة التوافق السنية و هو نفس موقف جماعة مقتدى الصدر من رافعي الشعارات الحماسية رغم أنهم لا يملكون حلولا واقعية و لا أية خبرات ميدانية و لا أي إيجابيات وذلك واضح من خلال فشلهم الفظيع السابق أيام حكومة الجعفري و قبل إنسحابهم من الحكومة في إدارة أي مرفق حيوي أو خدماتي في العراق، بل كانوا و ما زالوا مشاريع متنقلة و دائمة للأزمة و يمارسون المعارضة و الضخب و الضجيج حبا بالمعارضة فقط لا غير، المالكي بطبيعة الحال ليس دكتاتورا و هو لن يكون كذلك و لن يتمكن حتى لو أراد ذلك لأسباب و عوامل موضوعية عديدة، وهو في تقديري يحاول جاهدا توديع صفة رجل الحزب أو الطائفة الواحدة و يجتهد ليكون رجل دولة لكل العراقيين قد تتوحد على يديه الرؤى العراقية المختلفة و المتخالفة و التي أجزم بأنها لن تتفق في يوم ما، فالشقاق و النفاق من الأمور المتأصلة في الجينات الوراثية لبعض التيارات و القوى حسبما أعتقد!!

و قد أشار المالكي في كلمته الأخيرة بعد الموافقة الحكومية على الإتفاقية ألأمنية لذلك ضمنا و من خلال إنتقاده الواضح لإزدواجية مواقف القوى السياسية و بعضها يتلهف على نيل الرضا الأمريكي في السر و لكنه في العلن يرفع الشعارات العنترية و يمارس سياسة غوغائية ليس بهدف الإصلاح و التقويم بل بهدف إستمرار الفوضى، و أعتقد أن التوجيه الرئاسي الأخير لمجلس الرئاسة و الذي كشف عنه ممثل حزب الرئيس الطالباني ( الملا بختيار ) بضرورة إلتزام المالكي بالدستور في إدارة الدولة هو بمثابة إنذار واضح للسيد المالكي بأن رأسه قد بات مطلوبا و أن رحيل حكومته قد يكون من أولى المتغيرات في العام العراقي الجديد أي بعد إقرار البرلمان للإتفاقية الأمنية التي ستقر في النهاية مهما كانت آراء المخالفين و تهديدات المعارضين، فهذه الإتفاقية خط أحمر للحكومة العراقية و لمجمل العملية السياسية وهي خيار ستراتيجي لا بديل عنه و لا محيص شاء من شاء و أبى من أبى، و المرونة عملية أكثر من مطلوبة في اللعبة السياسية، من الواضح أن السيد المالكي يعيش أصعب أيامه الحاسمة سياسيا، وهو سيدخل التاريخ فيما لو إلتزم حتما بسياسة وطنية عراقية جامعة مانعة تقفز فوق الميول و الإتجاهات الطائفية و العشائرية، كما أن المالكي وهو يقاتل الأصدقاء و الحلفاء قبل الأعداء عليه أن يصارح الشعب العراقي بكل الضغوط التي يتعرض لها و منها إتهامه بالدكتاتورية...! فمنذ متى أصبح هاجس الحفاظ على الوحدة الوطنية مشروعا دكتاتوريا؟ و من أعطى القدسية و العصمة للدستور لكي يمنع تعديله..!

جميعها أسئلة حائرة على المالكي توضيح خفاياها للجماهير المتعطشة لمعرفة ما يدور خلف الأبواب المغلقة في المنطقة البغدادية الخضراء... نرى سكاكينا تشحذ و أنياب تغرس.. كما نرى تحت الرماد وميض نار... فليتوجه المالكي للشعب مباشرة فمنه سيستمد القوة و النصرة، فهو وحده بعد الله تعالى الناصر و المعين... فهل سيفعلها نوري المالكي و يدخل التاريخ العراقي بشرف و نزاهة... ذلك ما نراهن عليه و نتمناه......

[email protected]