البعض من القراء الكرام والاصدقاء الاعزاء يكتب لي بعد كل مقالة معاتبا ومستغربا قولي quot; بشرعية الحكومة والبرلمان في العراق quot; رغم انتقاداتي المستمرة للاثنين. وحقيقة الامر لاارى في ذلك أدنى تقاطع او تناقض او quot; تقلب quot; كما استخدم البعض هذه المفردة معي. لاني أومن بشرعية الحكومة وهذا البرلمان لانه جاء من خلال اكثر من 12 مليون ناخب عراقي، شخصيا أحدهم. ويجب ان تحترم هذه الاصوات وهذه الاختيارات وهذا الاندفاع العراقي الفريد في التاريخ السياسي الحديث. اما غير ذلك فسيكون مصادرة لجهود وقرار الاخرين وهم الاغلبية وايضا سحب الشرعية من البرلمان والحكومة معناه اولا تحريض على قتلهم واستهدافهم وثانيا التشجيع على الرجوع الى الانقلابات الدموية والتي حولت العراق الى بحر من الدماء والمقابر الجماعية والنزوح والهجرة والاغتراب الجماعي. اما اذا اردنا الرضوخ الى مقولة quot; ان مابني على باطل كله باطل quot; فمعنى ذلك ان العراق ومنذ تأسيسه الحديث وحتى يومنا هذا كان باطلا. لان جماعة ابوناجي الانكليز وقبلهم العثمانيون وضعوا لبنة الاقصاء والتفرد الاولى. لكن مايميز ابناء العم سام انهم وضعوا على الاقل أساس اللعبة الديمقراطية من خلال ايجاد صندوق الانتخاب. ثم في كل الاحوال المنطق والحكمة تحفز للتعامل مع الواقع على الارض والعمل على التغير من الداخل وبطرق فكرية وحضارية ودستورية.

يعرف الكثير من السادة المتابعين لمقالاتي اني داعم للعملية السياسية والدستورية ونتائجها، ولكني بنفس الوقت من أشد الناس قسوة في كثير من الاحيان في انتقاد البرلمان والحكومة العراقية وبشكل لايجرأ عليه الكثيرين. مع اعترافي ان مع كل مقالة من هذا النوع تكون خسارتي فادحة مع بعض الاصدقاء والمعارف في الحكومة او في البرلمان وبعض الاحزاب والواجهات السياسية. ناهيك عن بعض الخسائر والتهديدات المباشرة او الغير مباشرة التي تصل لي بكل الطرق.

نعم تحيط بعمل الحكومة والبرلمان الكثير من السلبيات والكثير من الامور التي اصبحت تزكم الانوف من شدة رائحتها الكريهة. والكثير من القصور الواضح في عمل اغلب الوزارت العراقية والخدمية منها على وجه الخصوص. وتأسس في العراق الجديد الكثير من الاقطاعيات الجديدة وطبقة البرجوازية الجديدة وطبقة عريضة من الحرامية وطبقة اكبر ممن يفكرون ان العراق مجرد غنيمة يجب نهش اكثر جزء منها وفي اسرع وقت ممكن، ويوجد في العراق برلمان عبارة عن quot; افواج حج سنوية quot; وبلا مبرر وايضا برلمان عبارة عن قوانين سرية وعلنية ليس لدعم العراقيين والمتقاعدين والشهداء وابناء المقابر الجماعية وحلبجة والانفال وضحايا الارهاب والاستهداف الطائفي والتهجير القسري والاهوار، بل كل هذه القوانين هي لزيادة رواتب ومخصصات quot; ونهش quot; اعضاء البرلمان العراقي. وايضا يوجد في عراق اليوم محاولة قوية لكي تسود ثقافة أحادية على حساب الثقافة العراقية المتنوعة والاصيلة والمتنورة وعلى حساب المسرح والفن والادب والشعر العراقي المميز. وايضا يوجد في العراق رئيس جمهورية كوردي باجنحة شيعية وسنية، ورئيس وزراء شيعي باجنحة كردية وسنية، ورئيس برلمان سني باجنحة شيعية وكردية. وهذه التقسيمات بالذات هي غير دستورية وتنم عن عدم الثقة بين العراقيين وفي كثير من الاحيان عن عدم المسؤولية وهي من اهم المعوقات التي تعرقل عمل الحكومة والبرلمان العراقي. ويوجد في العراق ايضا علاقة غير منطقية وغير صحيحة بين الحكومة و مجالس المحافظات وايضا مع اقليم كردستان العراق. ويوجد في العراق وزراء مقصرين من راسهم حتى اخمص اقدامهم بحق البلد وفي مفاصل حيوية ومهمة من حياة العراقيين، لكن التقسيمات الطائفية وايضا الاشتراك بالسرقة من البعض مع هولاء الوزراء يمنع حتى مجرد استدعائهم لقاعة البرلمان. ويوجد في العراق جبال من المشاكل وجبال من القصور بحق العراقيين الاكارم. لكن يجب تذكر حقيقتين في هذا الجانب. اولا ان كل هذه الجبال لاتعادل ليلة واحدة كالحة من حكم الصنم المقبور، وثانيا وهذا الاهم ان هذا الواقع الصعب يوجد أمل كبير بتغيره. وان كل دورة انتخابية قادمة ستحمل معها علامات الوعي والامل بالتغير.


وهذا هو سر الدعم المتواصل للعملية الديمقراطية والدستورية وليس بالضرورة هذا يعني دعم للحكومة والبرلمان الحالي او الذي بعده، بل يعني احترام صوت الناخب واختياراته وعدم فرض اراء الاخرين عليه. والدعوة ان يتم التغير من خلال طرح الفكر والسلوك والخطوات البديلة والمقنعة للناخب العراقي. هذا هو الاسلوب الحضاري والمنطقي والعقلاني والدستوري والشرعي الذي يجب ان يسود في عراق اليوم بعيدا عن عقلية المؤامرة والانقلاب العسكري والقتل والاستهداف الجسدي. هذا عصر كالح يجب ان يختفي من فكر وسلوك العراقيين الاكارم. وهذا هو دور المثقف والاعلامي والمفكر الذي يجب ان يقوم به وليس التحريض والحث على التغير القسري. نعم الاحزاب الموجودة في الواجهة السياسية الحالية اصبحت تملك الثروة والمؤسسات الحزبية اللازمة.لكن فلتكن الثقة عالية بالعراقيين انهم اكبر واكثر من كل ذلك بكثير وان التغير ياتي من عندهم والامور فقط بحاجة الى فكر وسلوك مبسط واقعي وانساني ووطني أصيل. اما مسالة سحب الجنسية الوطنية و الشرعية من اعضاء الحكومة والبرلمان، هذا تصور وفكر يقود الى الدمار والخراب وهو الطريق الامثل لتخلف البلد والرجوع به الى عقود الهلاك. وبنفس الوقت المأخذ على الحكومة لايعني عدم دعمها في بعض المواقف الصحيحة مثل الخطط الامنية وايضا معاهدة سحب القوات بين امريكا العراق. اما ترديد مقولة هولاء خونة وعملاء فهذه تجارة بائسة، تنم عن ضعف شديد حتى بالحس الانساني وهي ايضا اشارة قوية على عدم توفر المشروع البديل. وهنا القصور يخرج من خانة الحكومة والبرلمان الى خانة الثقافة والفكر المواجه او البديل. ومن جانب اخر لن تنفع المتضررين من هذه الممارسة الديمقراطية والدستورية العراقية مقولتهم المملة والمستهلكة quot; برلمان وحكومة العملاء في العراق quot;. فتلك المقولة البائسة نفسها غير شرعية في حقيقة الامر. وهي لاتقل فداحة عن اية قنبلة او مفخخة او بهيمة تنفجر في شوارع بغداد.

محمد الوادي
[email protected]