لاشك في أن الإنتخابات الأمريكية وهي تبلغ نهاية المرحلة التمهيدية الآن تعد من أكثر الإنتخابات إثارة، على الأقل بالنسبة لي كمهاجر حديث ـ نسبياً ـ إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الجانب الجمهوري الذي انطوت صفحته مبكراً، تنافس quot;ماكينquot; الذي لو نجح سيعد أكبر الرؤساء الأمريكيين سناً (72 عاماً)، مع quot;رومنيquot; رجل الأعمال النابغة والذي يكون المرشح الأول الذي يدين بديانة المورمون، إلى جانب قسيس أو داعية مسيحي يدعى quot;هاكابيquot; حصل على أقل عدد من الأصوات ما بين الثلاثة وإن استمر في حملته حتى حصل ماكين على الحد الأدنى من الأصوات المؤهلة، ثم انفض المولد وصارت الإنتخابات من بعدها مجرد تحصيل حاصل.


وعلى الجانب الديموقراطي وجدنا أول إمرأة مرشحة في تارخ أمريكا quot;كلينتونquot; زوجة الرئيس الأسبق، تتنافس بضراوة مع أول أسود يترشح للرئاسة الأمريكية quot;أوباماquot;. ومضت المنافسة في تلك الحلبة في صراع مضني، بين آلتي إدارة جبارتين، تنعم الأولى بتعضيض واسع من رفقاء وزملاء وأصدقاء قدامى يملكون السطوة والمال والنفوذ، وعلى رأسهم الرئيس المحبوب السابق quot; بيلquot; وتؤيدها جمهرة من النساء تناضلن بضراوة لتصل أول إمرأة إلى البيت الأبيض. ولسان حالهن يقول: لو لم تصل إمرأة للحكم الآن، بعد ثمان سنين عجاف تمتع خلالها الرثيس الحالي quot;بوشquot; بأقل شعبية في تاريخ أمريكا بحسب الإحصائيات المعلنة، فمتى تصل إمرأة للبيت الأبيض؟ ولو أتيح لإمرأة أن تفوز بالبيت الأبيض، فمن تكون أفضل من quot;هيلاريquot; المرأة الفولاذية، السيدة الأولى السابقة، التي تخطت بصلادة تحسد عليها فضائح جنسية وخيانات زوجية وانكسارات شخصية عديدة وهي ترفل بالبيت الأبيض ومن بعدها. quot;هيلاريquot; عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك القوية، التي يتولى حملة إنتخابها الرئيس الأمريكي السابق بنفسه! والذي لا يكف عن إحتضانها (حرفياً ومجازياً) أما أعين الناخبين، وعدسات الصحافة، وكاميرات التليفزيون، ليعلن على الملأ توبته النصوحة عما اجتراه في حقها بطول السنين.


وعلى الجانب الآخر كان منافسها quot;أوباماquot; يتمتع بتأييد الشباب الأمريكي الصاعد، الناقم على السياسة الأمريكية الحالية والأوضاع الإقتصادية المقلقة، والنزيف غير المجدي في العراق، والذي أدى بحياة أكثر من أربعة آلاف من الأمريكيين إلى جانب الآلاف من المصابين والمعاقين، ومليارات من الدولارات تختفي من العجلة الإقتصادية الأمريكية الدوارة، فيتصاعد العجز في ميزان المدفوعات ويتفاقم حجم المديونية الأمريكية، والتي كانت حكومة بوش قد تسلمتها قبل سبعة أعوام بحصيلة إيجابية بالميزانية الأمريكية. وإلى جانب الشباب، حظي أوباما بتأييد المثقفين، والمتعلمين، وذوي الدخل المرتفع في جميع الولايات، بدون النظر إلى العرق واللون، إلى جانب التأييد العارم من السود الذي يمثلون خمس عدد السكان تقريباً. ولكن لم يسلم الشاب الأسود الطموح من مناوشات وحروب من منافسته quot;هيلاريquot; من ناحية، ومن الجمهوريين الذي أعدوه منافساً أخطر من ناحية أخرى.


تصاعدت التحذيرات أولاً من كونه quot;مسلماًquot; إذ أن إسمه quot;حسينquot;، ثم أن زوج أمه الأندونيسي المسلم قد ألحقه بـ quot;المدرسةquot; الإسلامية حيث كان هو من نشطاء الأصوليين هناك. ونفى quot;أوباماquot; كل هذه المزاعم معلناً أخيراً أنه لم يكن مسلماً يوماً واحداً من قبل.


وحين طالعتني مقالات كبار المفكرين والمثقفين المصريين quot;الليبراليينquot; يهللون لكونه المرشح المسلم الذي سيعتلي أهم كرسي حكم في عالمنا اليوم، هالني موقفهم غيرالليبرالي المتحيز بفجاجة للسيناتور الأسود الشاب لمجرد شبهة أن يكون quot;مسلماًquot;! وتساءلت وماذا عن الليبرالية وشعارات الديموقراطية والمساواة بين البشر بدون النظر للدين والعرق واللون! أين ذهبت كل تلك المقولات!! ثم لحقتهم مواقف متوقعة من قادة منظمة quot;حماسquot; يعبرون عن ارتياحهم لوصول quot;باراك أوباماquot; لحكم أكبر دولة في العالم، ولم ألتفت لتوقعي موقفهم العنصري المنحاز الذي حول quot;قضية فلسطينquot; الدولية العادلة إلى quot;حركة إسلاميةquot; إنصرف العالم اليوم عن تأييده لحلها بسببهم. ولكنني فوجئت بموقف الأقباط المهاجرين من حولي وقد تمزقوا ما بين أقلية مؤيدة للتغيير الذي يدعوا إليه المرشح الشاب خريج جامعات quot;كولومبياquot; وquot;هارفاردquot; الشهيرتين، وبين أكثرية تهاجم بضراوة، وتأبى أن يرأس أكبر دولة في العالم شخص ملون يُعتقد في أنه قد يكون quot;مسلماًquot;!! حتى أنتم يا ضحايا التمييز تميزون!! ويا أهل الأقلية تتحيزون ضد الأقليات!! أترفضون أن يرأسكم quot;مسلمquot; في أمريكا، بالرغم من أنه نفى إسلامه علناً، بينما تأخذون على جماعة الإخوان رفضهم مبدأ ولاية القبطي والمرأة!!


لقد كتبت من قبل، وقال كثيرون مثلي ودعوا لأن نجلس سوياً ونناقش مشاكلنا، ووجهات نظرنا المتعصبة المتنافرة، فنقرب ما بيننا ولا نبعد فنبتعد. بعيداً عن المظاهر والقبلات والأعناق حول الموائد الرمضانية، وقداسات أعياد الميلاد والقيامة. من حقنا أن نحلم بأن نرى في بلدنا quot;مصرquot; غداً أفضل من الأمس ومن اليوم. من واجبنا كلنا أن نخطو ولو خطوة واحدة نحو الوصول لهذا الغد المنتظر.
ولكن ما علاقة quot;زرقاء اليمامةquot; بكل هذا؟


للذين لم يعرفوها من قبل، quot;زرقاء اليمامةquot; هي شخصية عربية، قد تكون أسطورية، وكانت مشهورة بالعيون الزرقاء الثاقبة الرؤيا، حتى أنها كانت ترى قوماً قادمين على بعد مسيرة ثلاثة أيام بصحراء العرب. لذا فقد استخدمتها قبيلتها كمرشدة، تنذرهم بقدوم الأعداء مقدماً، حتى يستعدوا لهم. ويحكي الرواة أن أحد الخبثاء أمر بوضع كل فرد من جيشه لفروع من الأشجار فوق رؤوسهم حتى إذا ما اقتربوا حسبتهم quot;زرقاء اليمامةquot; أشجاراً تتحرك عن بعد. ولما لم يصدق أهل قبيلتها تحذيرها لهم، لغرابة ما وصفته لهم عن أشجار تلوح عن بعد وتقترب منهم، لم يستعدوا لمواجهة العدو، الذي نجح في الفتك بهم. وانتصرت الحيلة أخيراً على بعد نظر quot;زرقاء اليمامةquot;.


وها نحن مازلنا نخسر المعارك، الواحدة تلو الأخرى، نحو إنسانية متعادلة، متواطنة، ولا نعبأ بتحذيرات quot;زرقاء اليمامةquot; لمجرد أن كلماتها قد تبدو أحياناً عجيبة..

شريف مليكة