لقد تحرر الأكراد في العراق وتمكنوا من الظفر بحقوقهم الأساسية وأفلحوا في نسج علاقة فيدرالية مع الحكومة المركزية. والآن بات من الضروري إعادة الاعتبار لقيم الحرية الفردية وحقوق الإنسان والحق في العيش اللائق. وصار من اللازم الكف عن اتباع سلوك سلبي يقوم على الانفعال ورد الفعل. لقد انقضى زمن التعامل مع الايديولوجيات اليقينية والشعارات المطمئنة وجاء وقت التعامل مع الواقع الرجراج وجهاً لوجه ومن دون براقع.


السياسة ليست رسالة قومية بل هي سبيل لإدارة المجتمع. والرئيس ليس زعيماً خالداً ووارثاُ أبدياً بل هو موظف تنتخبه الناس لفترة محددة من الوقت. والأكراد ليسوا ملائكة أو أبطالاً بل هم بشر عاديون يخطأون ويسرقون ويكذبون ويخونون ويقتلون ويتصارعون على المنافع.


المكاشفة والعلنية والمحاسبة هي الآليات التي تعين المجتمع الديمقراطي المفتوح وتميزه من المجتمع الشمولي المغلق. والوسيلة الوحيدة لمنع تحول المجتمع إلى حال الانغلاق والاستبداد هي مراقبة المسؤولين وفضح ممارساتهم الخاطئة وجرهم إلى القضاء أياً كانت مناصبهم دون أن ينالوا الحصانة من خلال التستر بأقوال كبيرة عن الأمة والوطن والرسالة الخالدة.


في ظل هيمنة المقولات العمومية يصير ممكناُ الإطاحة بحرية الأفراد وإخضاعهم لرحمة المتذرعين بتمثيل القضايا الكبيرة للأمة. يصير متاحاً لهؤلاء تعيين ماهو وطني وما هو غير وطني فيقع المخالفون والمعارضون تحت رحمة السلطات إلى ما شاء الله.
يكون الفرد هشاً أمام رعب الجماعة الوهمية ويعامل من دون أي تقدير لمكانته كإنسان مستقل. ذلك ان السلطات الشمولية في كل مكان تماهي نفسها بالأمة كلها. فهي والأمة شيء واحد. ومن يعترض على سلوكها يكون اعترض على الأمة ووقع في فخ الخيانة.


الانتماء إلى المجتمع الكردي في إقليم كردستان ينبغي ألا يتم على أساس الانتماء القومي أو الولاء الحزبي والعشائري بل على أساس المواطنة التي يحرسها القانون.
الأفراد ليسوا نسخة واحدة تصنعها آلة قومية. كل فرد يشكل عالماً قائماً بذاته ولايحق لأحد، تحت أية ذريعة أو ظرف، أن يفرض رؤية واحدة على الآخرين بدعوى أنها النسخة الصحيحة من الرؤية الوطنية أو القومية وأن على الجميع الرضوخ لها.


صلاح المواطن للمجتمع لايتحدد بموقفه القومي أوالوطني بل بامتثاله للقوانين وأداءه لواجباته الاجتماعية. وهذا وحده كاف لكل يتمتع بحقوقه التي يكفلها القانون والتي ينبغي ألا ترتبط بمزاج الزعيم أو ببرنامج الحزب. إن للفرد الكردي، والآشوري والكلداني والتركماني، الحق في أن تكون له آراء مخالفة لما هوسائد قومياً وسياسياً وحزبياً. ومن حقه أن يدافع عن تلك الآراء وينشرها بين الناس بالوسائل السلمية من دون أي عائق. من حق المواطن أن يؤمن بفكرة القومية الكردية أو لايؤمن بها وأن يؤيد قيام دولة كردية أولايؤيده وأن يكون مناصراً للاتحاد الفيدرالي مع المركز أو يكون بالعكس داعياً للانفصال. من حقه أن يكون يمينياً أويسارياً، اشتراكياً أو رأسمالياً، عدمياً أوملتزماً. فالمجتمع هو حاصل الأفراد الأحرار وليس كتلة من العناصر المتماثلة.
لا تصبح السياسة ممكنة إلا في فضاء مجتمعي حر يتم فيه انتخاب الناس على أساس كفاءاتهم الفردية لا على أساس انتماءهم القومي أو العشائري أو الحزبي. والخدمة الصحيحة والكفاءة الواضحة والالتزام بالقوانين هي التي يجب أن تعين مكانة الرئيس والمسؤولين الحكوميين وتبين إخلاصهم وليس أي شيء آخر.

نزار آغري