تمر هذه الأيام الذكرى السابعة لهجمات 11 سبتمبر الهمجية على برجي التجارة العالميين ومقر البنتاجون بالولايات المتحدة التي أودت بحياة نحو ثلاثة ألاف بريء، وأهانت كبرياء وغرور الأميركيين، وهزت ثقتهم بقدراتهم الأمنية والعسكرية والاستخباراتية. من دون النظر إلى الألام التي خلفتها الهجمات في كل قلب نابض بالإنسانية وكل عقل راجح بالفكر وكل نفس متصفة بالأخلاق، ومن دون النظر للأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في لاسنوات السبع التي تلت الهجمات، وهي الأخطاء التي أفقدتها تعاطف العالم معها، فقد كانت لتداعيات الهجمات البربرية أبعاد إيجابية لا يمكن إغفالها. لم تنبع الإيجابيات بالطبع من الهجمات غير الإنسانية على الآمنين، ولكنها نبعت من الدروس التي وعي عليها العالم بسبب الهجمات، على الرغم من أن العالم لم يكن لحاجة لكارثة 11 سبتمبر للشروع في معالجة المسائل المتراكمة التي ساهمت في انتشار التطرف والإرهاب.
كان إطلاق الحرب العالمية ضد الإرهاب من أهم إيجابيات التداعيات التي قادت لها هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، فقد كان العالم بحاجة ماسة للتوحد في مواجهة التطرف والإرهاب المتمسحين بالدين. كان الغرب قد غض النظر عن التطرف والمتطرفين والإرهاب والإرهابيين لسنوات طويلة على الرغم من العمليات الجبانة التي قامت بها الحماعات الإرهابية في عدد من الدول العربية مثل الجزائر ومصر وأودت بحيات عشرات الألاف من الأبرياء. وبعد فترة من التردد والتذبذب من جانب الغرب في التصدي للمتطرفين بدعوى احترام حقوق الإنسان وجد الغرب نفسه في مرمى القذائف الإرهابية، بعد هجمات نيويورك ومدريد ولندن، ما دفعه للتوجه نحو إعلان الحرب على الإرهاب ومؤيديه ومصادر تمويله.
بدت الحرب على الإرهاب للبعض، في كثير من الأحيان، كما لو كانت ضلت طريقها نحو النجاح وتحقيق هدفها المقصود وبخاصة بعدما امتدت الحرب لتشمل جوانب تعارضت مع المباديء الأساسية لحقوق الإنسان، وعرضت كثير من الشرق أوسطيين، ومنهم كاتب هذه السطور شخصياً، لمواقف وأمور رأوها على أنها مجحفة بحقوقهم وتمييز ضدهم. غير أن دعم الحرب، من دون شك، يعد أمراً ضرورياً ومهماً يجب على كل الدول والحكومات والمنظمات والشعوب كل في مجاله خوضها. وربما أخطأت الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات حين جعلت من الحرب على الإرهاب عملاً عسكرياً وأمنياً بالمقام الأول والأخير. فالحرب على الإرهاب المتمسح بالدين كان يجب أن تكون مواجهةً فكريةً مع التطرف والتشدد قبل أن تكون عملاً عسكرياً أو أمنياً. كما كان يجب أن تكون الحرب على الإرهاب أيضاً حرباً على العوامل الأخرى المساعدة في انتشار التطرف والإرهاب كالفقر والتخلف والدكتاتورية والظلم.
وقد كان الاهتمام الجزئي من قبل العالم وبخاصة الإدارة الأمريكية بإحلال الديمقراطية في العالم العربي أيضاً من أهم إيجابيات تداعيات هجمات 11 سبتمبر. فلم يكن العالم يعطي الديمقراطية الغائبة عن العالم العربي أهمية تذكر، واكتفى العالم في السابق بعلاقات متينة مع الأنظمة الدكتاتورية القائمة التي تحمي مصالحه الاستراتيحية والاقتصادية والنفطية. وقد كان تغيير نظامي الحكم الطالباني في أفغانستان والبعثي في العراق من أهم مكاسب المرحلة التي تلت اعتداءات 11 سبتمبر. كما كان حديث الإدارة الأمريكية عن ربط المساعدات المالية لعدد من دول الشرق الأوسط بمدى التقدم في العملية الديمقراطية من المكاسب الجيدة التي تحققت. وفي هذا الصدد أيضاً كان انتقاد الولايات المتحدة العلني لمسيرتي الديمقراطية في دول عربية حليفة لها حدثاً غير مسبوق، حيث اكتفت الإدارات الأمريكية في الماضي بالامتناع عن توجيه أية انتقادات لحلفائها المهمين بالمنطقة.
وعلى الرغم من أهمية التحول الجزئي في الموقف الغربي والأمريكي بصفة خاصة من العملية الديمقراطية في الشرق الاوسط، إلا أن اهتمام الغرب بالعملية الديمقراطية بدا في كثير من الأوقات غير منظم وغير منتظم وغير موجه بصورة دقيقة وسليمة. وسقط الغرب كثيراً في اختبار تعلق بجديته في الاهتمام بإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، إذ اتخذ الغرب كثيراً من المواقف التي بدت متعارضة تماماً مع فكرة إحلال الديمقراطية، حتى أن العملية الديمقراطية في كثير من الأوقات بدت كما لو كانت الخيار البديل للغرب للضغط على الانظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط للحصول على تنازلات معينة. وقد كانت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى ليبيا وزيارة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي إلى سوريا في الأونة الأخيرة من أهم أمثلة المواقف التي عكست تردد الغرب تجاه العملية الديمقراطية في الشرق الأوسط.
لم تقتصر الإيجابيات التي يمكن استخلاصها من تداعيات 11 سبتمبر على الحرب على الإرهاب، والاهتمام الجزئي بالعملية الديمقراطية في الشرق الأوسط، وإنما امتدت إلى الاهتمام الغربي بإعلاء مباديء حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، والعمل بجدية على حل الصراعات القائمة بالمنطقة وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي. كما تشمل الإيجابيات ما يعتبره انصار البيئة بأنه إنجاز من إنجازات فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث اهتمت الدول الغربية في السنوات السبع الأخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة تغنيه عن الحاجة إلى العالم العربي المحتقن بالتطرف والإرهاب. وقد شهدت السنوات الاخيرة توسعاً في استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء، وازدياداً في مبيعات السيارات التي تعمل بالكهرباء أو الهيدروجين.
لقد كانت هجمات 11 سبتمبر إرهاباً وحشياً صدر عن أناس فقدوا أدميتهم وضمائرهم. ويؤسفني أن هناك بيننا من يهللون ويصفقون للهجمات، أو من ينكرون مسئولية مجموعة من المتطرفين الإسلاميين عنها. ولعل من المهم الاستفادة من الأخطاء التي قادت إلى 11 سبتمبر، وهي الاخطاء التي بدأ العالم يعيها ببطء. وإذا كانت الحرب العالمية على التطرف والإرهاب هي نقطة البداية على طريق الألف ميل، فإن إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط والقضاء على حكم الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة التي تتملق التطرف وتتسامح مع الإرهاب لضمان البقاء في مواقعها القيادية سيقطع بالمنطقة خطوات عديدة في طريق القضاء على الإرهاب في منابعه. ولكن القضاء على الإرهاب يتطلب أن يتحد العالم بحكوماته ومنظماته وهيئاته وشعوبه خلف هدفه، وأن يكف الجميع عن كل ما من شأنه أن يغذي الإرهاب ويدعم وجوده.
جوزيف بشارة
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات