مع حلول الذكرى السابعة لغزوتي نيويورك وواشنطون، والعالم أصبح أكثر خطراً ودموية وإرهاباً، ورعباً، وخوفاً بسبب وجود الإدارة الحربية المغامرة لجورج بوش وزمرته اليمينية الشوفينية المحافظة. ففي تلك الأيام المأساوية وقفنا بكل ما نملك من قوة وطاقة وإرادة، ضد هذا العمل الغادر الجبان الذي طال أبرياء، وآمنين، ونساء وأطفال، ولم يسقط فيه ولا رسمي أمريكي، أو جنرال، أو عسكري، أو جندي، أو حتى مخبر صغير من فئة quot;كاتب تقاريرquot;، ولكن أمريكي.
غير أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعاملت مع ذاك الحدث بمزيج من الحماقة، والغباء، وعمى البصر والبصيرة. وتصرفت بهذه القضية الكونية كما كان يتصرف بطل الكاوبوي في أفلام الويسترن الكلاسيكية، بأن يسحب مسدسه ويبدأ بإطلاق الرصاص عشوائياً في كل اتجاه، quot;ويا رب تجي في عينوquot;. وبدل أن تعمل الإدارة الأمريكية على تجفيف منابع الإرهاب مالياً قبل الفكري، ساهمت برفع سعر برميل النفط ليصل إلى مستوى قياسي في التاريخ بلغ المائة وخمسين دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد حتى فترة قريبة، وكله من تداعيات الحرب على الإرهاب، (بينما يتراوح سعر البرميل الآن بين الـ 100-110دولارات للبرميل الواحد).
ومازال تفريخ المزيد من القتلة والإرهابيين عبر الضخ والحشو والتحريض الطائفي الذي يأخذ طابع الدعاية الرسمية الموجهة في المنظومة الإسلامية العربية ودعم شيوخ الجهاد السلفي مستمرا عبر جعالات مجزية (بلغ دخل عمرو خالد لوحده، مثلاً، حوالي مليونين ونصف المليون دولار كعوائد على ترويج الأضاليل، وتنمية البذور التكفيرية، وكله حسب مجلة فوربس).
وبدل أن تتجه الدبابات والترسانة العسكرية الأمريكية ( رغم أننا نرفض كل أشكال العمل العسكري وندين الحروب والقتل والدمار ولا ندعو لأي نوع من أعمال القتال، ولكن الكلام من باب تحصيل الحاصل والأمر الواقع)، نحو منابع الإرهاب العالمي اتجهت نحو العراق لتطلق العفريت السلفي بتنويعاته الشيعية والوهابية من قمقمه، ولتعود بالعراق آلاف السنين إلى الوراء، عبر تمكين ودعم السلفية الشيعية بنسختها الأمريكية الأشد سوءاً وظلامية من السلفية الوهابية التي كان لها الفضل في غزوة أمريكا، ووضعتهما في مواجهة بعضهما البعض.( عجزت السي آي أيه، بكل طنطنتها، عن إثبات أية صلة بين القاعدة والرئيس المعدوم quot;الشهيدquot; صدام حسين). وطبعاً نحن لا نروج، هنا، بأي شكل من الأشكال للنظام الفاشي الدموي القومي لصدام حسين بأي حال، ولكن السؤال المشروع هنا، كم يلزم من الوقت ليعود العراق إلى ما كان عليه اجتماعياً، على الأقل، إلى عهد النظام الفاشي. (هل جاء يوم نبكي فيه الفاشية القومية الدموية؟ الجواب طبعاً نعم إذا كان البديل هو السلفية الهمجية الهوجاء بتنويعاتها الشيعية والوهابية على حد سواء).
ولم تستطع الإدارة الأمريكية وفي حربها الفاشلة على الإرهاب النيل من أي من رموز القاعدة الكبار ومشايخهم وقادتهم، وما زال بن لادن، والظواهري، وأمير المؤمنين في إمارة أفغانستان الإسلامية الملا عمر، في عهدة القبائل البشتونية وquot;أمان اللهquot;، ولم يمسسهما أحد بسوء، وما زالوا يرسلون أشرطتهم الثويرية التكفيرية إلى قناة الجزيرة، يتوعدون الدول، والحكومات والشخصيات والمنظمات بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وقاصمة الظهور، ويستمتع بإطلالتهما البهية ضحايا الإرهاب العربي في عموم العالم العربي والإسلامي، وسط مزيج من مشاعر الدهشة والإعجاب والذهول.
وزادت الولايات المتحدة وإدارتها الرعناء من تعاونها وحلفها الوثيق مع المنظومة البدوية بصفقات أسلحة خرافية ودعم سياسي واقتصادي غير محدود، تلك المنظومة التي تعتبر اليوم بؤرة الإرهاب العالمي الوحيدة، والمصدّر الأول له، وتدعم وترعى الفكر التكفيري الضال لوجيستياً، ومادياً، وتربوياً، فيما تتوجه التهديدات والعربدة الأمريكية باتجاه روسيا، وإيران، وسوريا وكوريا الشمالية والسودان المفكك ومقطع الأوصال، وإلى أي مكان آخر باستثناء مداجن الفكر التكفيري المحمي من حلفاء الولايات المتحدة. وبدل أن يتم القضاء على القاعدة واستئصال شأفة الإرهاب الدولي، أصبحت القاعدة اليوم، أقوى من أي يوم مضى، وتضرب بلا هوادة في الجزائر، والعراق، ولبنان، والمغرب وباكستان. وخلايا القاعدة النائمة تعشش في قلب أوروبا المسيحية، ودول شرق آسيا، وحتى في أمريكا البروتستانتية، وكل ذلك بفضل التغاضي الأمريكي عن منابع الإرهاب الدولي، لا بل ذهبت الإدارة إلى أبعد من ذلك إلى العمل والتحالف الأوثق مع رعاة الإرهاب الدولي، كما أقدمت إدارة بوش الحربية مؤخراً على خطوة غاية في الحماقة والغدر، زادت من المفارقات الرمزية المرّة للحرب على الإرهاب، حين تخلت وبكل صفاقة واستهتار، لا يخلو من إهانة وتحقير، عن حليفها الأهم في الحرب على الإرهاب الجنرال الباكستاني برويز مشرف الذي كان له اليد والباع الطولى في الحد من شرور القاعدة ومنع استطالاتها حيث يقبع زعماء القاعدة الكبار، وبكل ما في ذلك من دروس وعبر لمن سيتجرأ بعد اليوم على أي تعاون، ومن أي نوع، في ما يسمى بالحرب على الإرهاب. فمن سيقنعنا، بعد اليوم، بأن بوش يحارب الإرهاب؟
خطر القاعدة وفكرها التكفيري، ومن يقف خلفها ويدعمها بالمال وبالقتلة ويفرخ الإرهابيين والتكفيريين علناً وعلى عينك يا تاجر، ما يزال ماثلاً حتى اليوم وبعيداً عن أية تأثيرات واختراقات لحرب بوش على الإرهاب. وفي ظل هذا الواقع المؤرق الذي يزداد سوءاً وخطراً، ومع احتمال أن تفاجئنا القاعدة في أي صباح آخر بـ 11/ 9 أخرى جديدة أشد هولاً وفظاعة ومأساوية مما ظهر حتى الآن، نظراً للمعالجة الرعناء والخاطئة زماناً ومكاناً لما يسمى بالحرب على الإرهاب، فلا يسعنا، إزاء ذلك كله، إلا أن نقول اللهم شماتة، وسلفاً، فيما لو وقعت الواقعة والفأس بالرأس. ولن يكون موقفنا ساعتئذ، ومعذورين، إلا موقف الشامت، الساخط والصامت، ضد كل من سيكون قد مهد، وعمل على إنضاج ذلك الفعل.
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات