أظهرت الأحداث الأخيرة في العراق هشاشة الدور الكردي في السلطة والحكم، ويبدو من خلال إستقراء تلك الأحداث أن هناك نوايا مبيتة عن سابق تصميم وترصد من الحكومة العراقية ضد القيادة الكردية، وأن هناك سعيا منها لتهميش الدور الكردي في الحكم، خصوصا وأن هذه الحكومة تمكنت من إستعادة بعض قوتها العسكرية والأمنية، ونجحت في تنفيذ خططها العسكرية لتحسين الأوضاع الأمنية في بعض المحافظات المتأزمة، فأخذتها نشوة الإنتصار حتى بدت تظهر مخالبها وتكشر عن أنيابها لنهش المكتسبات التي حصل عليها الشعب الكردي في ظل الدستور الجديد في العراق الجديد..

فبعد أن كان المالكي يتوسل التعاون العسكري من القيادات الكردية وحكومته غارقة في خضم بحر من العنف الطائفي الذي كاد أن يقضي على سلطته، شاركت قوات من البيشمركة في حماية العديد من المناطق المتأزمة والساقطة أمنيا بيد القوى الإرهابية بما فيها العاصمة بغداد، وإتخذت القيادة الكردية موقف الحياد التام من إستعار الصراع الطائفي، ولعبت دورا توفيقيا بين الفرقاء المتصارعين، وقدمت قوات البيشمركة الكثير من التضحيات في ساحات المواجهة مع القوى الإرهابية في المناطق التي إنتشرت فيها بطلب من حكومة المالكي نفسها، تحول المالكي عن الأكراد بـ 180 درجة بعد أن خفت حدة العنف الطائفي وعادت جبهة التوافق السنية الى حكومته، فأدار ظهر المجن لحلفائه الأكراد الذين أنجدوه في ساعة العسر؟؟!

فنحن نعلم جيدا بأن رئيس الوزراء يملك اليوم السلطة المطلقة في العراق الجديد بموجب الدستور، ولا أعتقد أن شيئا يمكن تمريره من دون معرفته أو توجيهه، هذا إذا لم يكن هو بنفسه مخططا أو مشاركا فيه، فما يحدث هذه ألأيام من مشاكل وأزمات تعصف بالعلاقة الكردية العربية، وبالتحالف بين الكتل السياسية مع القيادات الكردية والذي حزب الدعوة وهو حزب المالكي طرف أساسي فيها، لا يخرج في مطلق الأحوال عن دائرة رضا وقبول بل وتوجيه من المالكي شخصيا، فهو بدوره يسعى بجدية قد تكون أكبر من الآخرين الى إضعاف الدور الكردي في مركز القرار السياسي بالعراق الذي يمسك به المالكي بما يشبه الدكتاتوريين الذين ولوا عن حكم العراق؟َ!.

لقد كتبت في مقال سابق حول جهود بعض القوى السياسية العراقية الساعية الى إضعاف الدور الكردي من منطلق نظرتهم الشوفينية ضد الكرد، ولكن تطورات الأحداث التي تلاحقت خلال الأيام المنصرمة أكدت لي بأن المالكي يحاول بدوره تأجيج تلك الصراعات والأزمات وإفتعال المشاكل مع الأكراد وقد يكون ذلك من منطلق نهج دكتاتوري هدفه الإستئثار بالسلطة؟..

باديء ذي بدء، وقبل أن يبث السيد مسعود بارزاني شكوكه بصراحة ووضوح في لقائه مع جريدة ( الشرق الأوسط) اللندنية حول حقيقة كون الأكراد شركاء في الحكم، كنت قد أشرت في العديد من مقالاتي الى ضعف الشعور الكردي بتلك الشراكة، ولكن شكوك بارزاني وإشارات مقالاتي تحولت الى حقائق تنعكس على أرض الواقع هذه الأيام، ففي كل يوم تتصرف الحكومة العراقية بما يقوي من شكوك بارزاني تجاه وهم الشراكة العربية الكردية في الحكم؟!..

الدور الكردي في بغداد هوبالأساس دور ضعيف جدا،ولكن المالكي بمواقفه الأخيرة يكاد يدق آخر مسمار في النعش الكردي ليعيد الأمور الى ما كانت عليه في عهد الأنظمة الدكتاتورية السابقة بحرمان الكرد من أي مشاركة فعلية وجادة في السلطة.

فلو أخذنا منصب رئيس الجمهورية الذي يشغله حاليا الرئيس طالباني، نجد أن الرئيس وبموجب الدستور لا يمتلك أية صلاحيات مهمة لإدارة شؤون الدولة، فهو بموجب الدستور، يصدر العفو الخاص ( بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء )، ويصادق على القوانين التي ( يسنها مجلس النواب)،و يمنح الاوسمة والنياشين ( بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء )، و يقوم بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة ( للاغراض التشريفية والاحتفالية ).

أما نائب رئيس مجلس الوزراء فهو أيضا لا يمتلك صلاحيات مهمة، وكذا الحال بالنسبة لنائب رئيس مجلس النواب.. ولولا هيبة وقوة شخصية الرئيس طالباني ووزنه السياسي لتجرد تماما من أي صلاحية مهمة تليق برؤساء الدول؟؟!!.
أما برهم صالح فإن كفاءته العالية وخبراته الممتازة قد فرضت نفسها فرضا على الإمساك ببعض الملفات في الحكومة خصوصا الملفات الإقتصادية.

هذا هو مجمل الدور الكردي في السلطة العراقية الذي يستكثره بعض القوى السياسية على القادة الكرد الذين يشاركون في إدارة العملية الديمقراطية في العراق الجديد. ومع ذلك هناك جهود حثيثة ومتواصلة من تلك القوى لمصادرة هذا الدور وإضعافه والعودة بالكرد الى المربع الأول حيث التهميش والحرمان من أي دور فاعل في حكم العراق كما كان في ظل الأنظمة الإستبدادية والدكتاتورية المتعاقبة في العراق.

لقد كشفت الأحداث الأخيرة بشكل لا لبس فيه أن هناك نوايا مبيتة من العديد من القوى السياسية العراقية بما فيها حزب المالكي لتهميش إن لم يكن القضاء على الدور الكردي في بغداد، فأحداث خانقين التي أشغلت الشارع العراقي منذ اسبوع، والتي كانت تنذر بوقوع كارثة محققة قد تقود الى حرب لا تبقي ولا تذر بين العرب والكرد، وما سبقها من محاولة لتمرير قانون إنتخابات مجالس المحافظات، وما سيليهما من العديد من المشاكل والخلافات الحادة والمستعصية التي سوف تظهر في المستقبل القريب،خصوصا حين النظر في التعديلات الدستورية، والمادة 140 والإستفتاء الشعبي المزمع إجراؤه في كركوك لتحديد عائديتها، وقانون النفط والغاز، وقانون الأقاليم وغيرها الكثير من مشروعات القوانين التي تثير خلافات عاصفة بين الكتل السياسية، كل هذا الأمور تنبيء بوقوع مصادمات قادمة إذا لم تتدارك حكومة المالكي والقوى السياسية تلك الأوضاع من خلال إعادة النظر في مواقفها المريبة، وذلك إما بقبول الشراكة الكردية كما ينص عليها الدستور، ليكون العراق وطنا للجميع، أو أن يطرد الشعب الكردي من الخارطة العراقية ليقرر مصيره بنفسه، فلا يمكن إستمرار الأمور على هذا المنوال، لأن ما تم تداركه لحد الآن في خانقين وغيرها من المناطق التي دخلتها قوات البيشمركة وهي في كل الأحوال قوات عراقية وليست قوات أجنبية غازية، قد يصعب تداركه بالعقل والحكمة، مادامت الأسلحة خرجت من المشاجب ووضعت الأصابع على الزناد؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]