لا يمكن لنا أبداً أن نجاري الخطاب الدعوي التحريضي في كل ما يأتي به والسبب في ذلك أنه لا يتفق مع الواقع الذي يدحضه وينسفه من جذوره. ولعل واحدة من أكبر الإزعومات التي يأتي بها هذا الخطاب هو قوله أن الغرب والعالم كله يكرهنا ويعمل على القضاء علينا. ولا حاجة بنا للإتيان بمئات الحجج والوقائع والممارسات التي تفند هذا الزعم. ولعل أهمها أن الدعم الغربي وعلى مختلف الصعد هو السبب وراء ما تشهده معظم الدول الإسلامية من بحبوحة ورغد عيش. ومن رأى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وهو يتراقص قادة عرب يعتقد أن هناك حالة عشق ووله وهيام مع هؤلاء، وهي أعلى بكثير من حالة الحب العادي، ولا يمكن أن تتم تلك الرقصات المثيرة سياسياً مع أعداء متكارهين ومتباغضين وحاقدين على بعضهم البعض.
ولو كان الغرب يكره العرب والمسلمين حقاُ لما أصبحت لندن وباريس وواشنطون ونيويورك مربط الفرس بالنسبة للعرب الرسميين وغير الرسميين ولكل أولئك الهاربين من جحيم الفقر والتجويع والإرهاب الرسمي الممنهج. ولما تمتع العربي والمسلم في قلب هذه الدول بكل تلك الامتيازات التي لا يحلموا بها في ديار العرب والمسلمين من حيث الإقامة، والعمل والتملك والزواج والعمل والتجارة والسفر والتقاضي أمام المحاكم والقضاء. وهناك من وصل لمناصب رسمية وعامة في الغرب كوزراء وأعضاء مجالس شيوخ وبرلمانات منتخبة. وهذا ما لا يحلم به العربي والمسلم مجرد الحلم في البلاد الإسلامية حيث تحتكر المناصب والوظائف الهامة والمهمات الرفيعة للأقارب، والأهل وللعائلات القدرية الحاكمة، حيث تكون الوزارة بأكملها، مثلاً، حكراً على العائلة المالكة. فيما ينافس اليوم المسلم المرتد من أصل كيني باراك أوباما على أقوى منصب ووظيفة في الكرة الأرضية وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى إمبراطورية ظهرت على مر التاريخ.
ولو كان الغرب الكافر كما يدعي الفقهاء يكره الإسلام والمسلمين، لما قبلت السي آي إيه ترشيح أوباما، ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وهي تعلم أصله وفصله ومنبته وكم شعرة برأسه. ويعتبر التسامح الديني في الغرب واحدة من الحقائق والممارسات اليومية المعاشة. وتشكل المراكز والمساجد الإسلامية واحدة من المظاهر الحياتية اليومية المتورمة بحيث بات كثير من المتوجسين الغربيين والنازيين الجدد يقرعون ناقوس الخطر خوفاًمن أسلمة أوروبا المتسامحة دينياً مع المسلمين، وكبار فقهاء التكفير والإخوان ومشايخ الدين الفارين من الحكومات الإسلامية يقبعون في الغرب تحت حماية البوليس النصراني. وقد خاض حلف الأطلسي المسيحي حرباً ضروساً شعواء ضد الصرب المسيحيين الأرثوذوكس لنصرة مسلمي البلقان الذين يتمتعون اليوم بحماية ورعاية الغرب الكافر النصراني، ولو كان زعم الفقهاء، والدعاة صحيحاً لكان الغرب قد وقف مع مسيحي البلقان ضد مسلميهم، ناهيك عن المساعدات المالية والغذائية والدوائية الضخمة التي تتلقاها الدول الإسلامية من الغرب، والمعونات التي لا تحصى للدول الإسلامية التي كانت ستتعرض لمجاعات ولأوبئة كارثية لولا تلك المساعدات. وتتلقى مصر لوحدها سنوياً ثلاثة مليارات دولارات على شكل مساعدات غذائية، يشكل القمح والغذاء والدواء القسط الأكبر منها( تصوروا ماذا سيحل بمسلمي مصر في ظل الحكومة الرشيدة الإخوانية لولا هذه المساعدات النصرانية، وبشرط ألا تنجلطوا). ولولا المساعدة الأمريكية لهلك نصف سكان مصر جوعاً ومرضاً، لاسيما إذا علمنا أن خمسة ملايين منهم هم اليوم من سكان المقابر والعشش وأحزمة البؤس تحت حكم آل مبارك الذي يتدخل في كافة مشاكل دول الإقليم لحلها وكأن مصر تعيش أزهى أيامها في عهده المبارك.
ولو رفع الغرب النصراني الكاره للمسلمين حسب زعم الفقهاء، اليوم، يده عن البترول العربي، وامتنع عن استخراجه وتصنيعه لعادت الحياة في واحات الصحراء إلى أيام التمر والبعير ولهلك سكانها ظمأ وجوعاً ومرضاً ولفتك بهم الطاعون والهواء الأصفر. وتستقبل الدول الغربية عشرات الآلاف من الطلاب للحصول على شهادات عالية في اختصاصات طبية وعلمية نادرة، يحصلون بموجبها على خيرة وزبدة ما أنتجه العقل الغربي النير من معارف وخبرات وعلوم لا يضن بها على المسلمين على الإطلاق، كما بإمكان أي عربي ومسلم الحصول على جنسية غربية فيما يجاهد بصعوبة للدخول إلى بلد عربي ومسلم. وأحمد زويل العالم المسلم المصري الذي نال جائزة نوبل برع وأبدع في الغرب الكافر، ولو كان في دولة عربية ومسلمة لكان مجرد موظف متهالك تنهشه الديون وتفتك به المشاكل والتعقيدات الحياتية، ولما كان قادراً على إعطاء جواب لمعادلة بسيطة من مثل ما هو نتيجة اجتماع ذرتين من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأوكسيجين.
ويعمل اليهود والكفار والنصارى اليوم، بجد وجهد، على تطوير العالم الإسلامي عبر تأهيل الكثير من الكوادر والعمال وتدريبهم إدارياً ووظيفياً وتقديم المنح والخبراء والمستشارين لقطاعات الصحة والبنوك والتعليم والزراعة. وتحفل الدول العربية التي تلتزم بطابع متشدد ومتزمت من الإسلام الوهابي بعشرات الألوف من أرفع الكوادر العلمية الغربية المدربة والمؤهلة والتي تقدم خدماتها وخبراتها لتطوير البنى التحتية في هذه البلدان. وكلما حلت أزمة ومشكلة في أي من هذه البلدان تلجأ حكوماتها للاستعانة بالأميريكان والإنكليز لحلها على وجه السرعة وإعادة الأمور إلى نصابها ومجاريها. وحين أشعل الرئيس المسلم القائد الملهم المفدى بطل القادسيات الكارثية الشهيد صدام حسين آل تكريت حقول النفط الكويتية قام الخبراء الإنكليز والأمريكان تحديداً بإطفاء تلك الحرائق، ولولا مساهمتهم الإنسانية ومساعدتهم ونجدتهم تلك لنزلت بالمنطقة كارثة بيئية كبيرة، فيما كانت الدول العربية المسلمة الجارة تراقب بين مذهول وشامت ومؤيد لعملية الغزو وإشعال آبار النفط، ولا يزال شائعاً حتى اليوم في الكويت مصطلح دول الضد، ليس للإشارة للنصارى واليهود والمشركين الغربين، كلا ولا وألف حاشا لله، ولكن للدول العربية والإسلامية التي ساندت العدوان كمنظمة التحرير، واليمن،، وليبيا، والأردن والسودان. وبرغم ذلك الفضل الكبير لليهود والنصارى فالسلفيون quot;الكوايتةquot; هم ألد أعداء الغرب وأمريكا ( بسيطة).
وفيما تقوم بعض الدول بقطع رؤوس العرب والمسلمين على الطالعة والنازلة، وبمناسبة وبدون مناسبة، وهو دليل حب كبير بالتأكيد ( لا تتعرض المعارضة quot;الوطنية الديمقراطية السوريةquot; لهذه الفظائع والأهوال البتة رغم أن زعماءها هم من التابعية العروبية، ولا يحلو أحدهم له عن quot;الاستبداد السوريquot; والعياذ بالله، إلا في صحف قطع الرؤوس، هذا واقع وليس سيرك، وليس من قصص ألف ليلة وليلة، وقسماً بالله)، لم تقم بقطع رأس أي غربي قام بنفس المخالفات التي يرتكها العرب والمسلمون، بل على العكس أطلقت سراحهم وكرمتهم أي تكريم واعتذرت في حالات عن اعتقالهم وما سببته لهم من أذى نفسي. فمن يحب من؟ ومن يكره من؟ ومن يصدق الدعاة والفقهاء المأجورين بعد هذا كل هذا الهم والكرب والبلاء والغم؟
نضال نعيسة
التعليقات