رسالة مفتوحة من المخرج السينمائي العراقي هادي ماهود الى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء

فخامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني الموقر
دولة السيد نوري المالكي رئيس الوزراء المحترم

تحية عراقية خالصة

أكتب لكم رسالتي المفتوحة هذه بعد أن بعثت لكم رسائل عبر مستشاريكم السيد جلال الماشطة والسيد سامي العسكري وأشك بأنهم أوصلوا رسائلي لكم، أخبرني السيد الماشطة أن فخامة السيد رئيس الجمهورية ليس من صلاحياته دعم الثقافة لكنه يدعم الحالات الطارئة مثل المرضى فأبلغته أن السينما العراقية مريضة وهي لم تنجب أفلاماً منذ سنوات وهي بحاجة لرعاية فخامة الرئيس. أما السيد سامي العسكري فقد حمل رسالتي في إحدى زياراته للناصرية وتعبت من الاتصال به عبر مدير مكتبه الذي كان يبرر لي دائماً أن الحاج مسافر وأن الحاج مهتم بالرسالة وسيقدمها للسيد رئيس الوزراء قريباً وعندما تضاعفت التبريرات تسرب لي شعور أنني سأتحول الى متسول فتوقفت عن الاتصال بهم. وبعد أشهر من الانتظار قررت أن أكتب لكم رسالتي المفتوحة هذه وما شجعني على ذلك الكلمة الهامة التي ألقاها دولة رئيس الوزراء في لقاءه بالمثقفين والفنانين حيث أكد على دور الدولة في الدعم اللامشروط للثقافة،.

أنا يا سادتي ومنذ أن تركت إستراليا بعد سقوط النظام عدت لأتمترس في مدينتي السماوة التي من خلالها إنطلقت لتوثيق العراق في هذا الزمن الإستثنائي وقد أسفر جهدي عن عدد من الأفلام التي حصدت جوائز في مهرجانات دولية كان آخرها الصقر الفضي في مهرجان روتردام وتنويه خاص من مهرجان الخليج السينمائي.

حين شاهدت دولة رئيس الوزراء وهو يزور الجناح العراقي في متحف برلين تمنيته وقد زار إحدى قاعات الجناح التي تعرض لي عشرين فيلما في وقت واحد عن بابل.. ما أريد قوله أننا كسينمائيين عراقيين تبنينا مسؤولية صناعة أفلام عراقية فرادى ومن دون رعاية ولا دعم من الحكومة وشاركنا في مهرجانات دولية عديدة رفعنا بها إسم العراق عالياً وحصدنا جوائز للعراق الذي لم يكن يدري بنا فأنا غالباً ما أتلقى دعوات من مهرجانات شتى في دول عديدة وأغادر السماوة عبر الكويت وأعود محفوفاً بأخبار تتناقلها وكالات أنباء وصحف عربية وعالمية وأمارس دوري بتربية أطفالي الصغار وأعود لولعي باصطياد ما أراه مثيراً في واقعنا الملتهب لأصنع منه شئ ما.

في دول ليست نائية ولنأخذ إيران على سبيل المثال باعتبارها دولة جاره، هناك سينما شقت طريقها وأثبتت حضورها العالمي وحصدت أرفع الجوائز في مهرجانات دولية مهمة. أما نحن فقد دخلنا القرن الحادي والعشرين ويا للبؤس ب 99 فيلم فقط وما حصل أن حفر الشباب في الصخر واستطاع عدي رشيد أن يحقق الفيلم رقم 100 وسط فوضى الحرب والحواسم في شوارع بغداد بأفلام تالفة كان قد حوسمها وأصدقاؤه من بناية دائرة السينما والمسرح المنهارة لكن الفيلم في النهاية رفع رؤوسنا عالياً وكذلك فيلم( أحلام) لمخرجه محمد الدراجي ولا أتحدث عن أفلامي فتستطيعون يا سادتي أن تعرفوا تفاصيلها ببحث بسيط عبر الإنترنيت.

منذ ( أحلام) حتى الساعة لم تحقق السينما العراقية أي فيلم روائي وبعد انتظار طويل لشئ ما ربما سيحدث فأني اتخذت قراراً قد يكون مليئاً بالتحدي وهي عادة لا أستطيع الكف عنها بالإصرار على إنتاج فيلم عراقي هذا العام وقد انتهيت مع فريق خاص من كتابة السيناريو وبدعم من السيد أحمد الصلال محافظ المثنى حصلنا على مقر لإدارة الإنتاج وشرعنا عملياً في التحضير للتصوير، وفي ذات الوقت فأني طرقت أبوابكم عبر مستشاريكم للحصول على دعم ورعاية لهذا لمشروع، وبعد هذا التجاهل الذي واجهته فأني بدأت التفكير بسلوك ذات الطريق الذي اختطه المجانين من المولعين بصناعة سينما عراقية في أربعينات خمسينات وستينات القرن الماضي يوم باعوا بيوتهم لإنتاج أفلام ضيعها الزمن أو أتلفتها الحواسم. نعم قد أضطر الى بيع بيتي، سأفعلها لأني في النهاية سأحقق فيلما عراقياً سيعمر طويلاً أنتصر به للإنسان الريفي العراقي الذي طالما استهان به التلفزيون والمسرح عبر أعمال هزيلة، سأتعامل مع جماليات الريف العراقي التي لم يتعاطى معها الفنانون كثيراً عبر فيلمي الجديد الذي أسعى إلى انجازه( في أقاصي الجنوب) وأنا إذ أتطلع لدعمكم مشروعي الفني الوطني أرى أن صورة العراق الجديد سوف لن تكتمل بلا ثقافة وبلا سينما على وجه الخصوص. وفي النهاية فأني أعزي نفسي والعراق بفقدان المثقف النبيل كامل شياع الذي كان سنداً لنا حيث سعى وبحرقة للحصول على دعم من وزارة الثقافة لفيلمنا لكن رصاصات الغدر ضيعت هذا المسعى فالرحمة والجنة والسلام لفقيدنا الغالي.

ولكم فائق الشكر والاحترام

هادي ماهود

مخرج سينمائي

السماوة
[email protected]
www.inthesouthofiraq.com