لا اريد استباق الحوادث وأكيل التهم لجهة أو جهات معينة، ولكن كل الدلائل تشير الى (القاعدة) الارهابية وأتباعها من القتلة السفاحين فى العراق. ان التفجير الذى وقع فى مدينة الكاظمية شمالى بغداد بعد ظهر اليوم (الأحد 4 كانون الثاني/يناير)، استهدف زوار الكاظمية، كان تفجيرا ازدواجيا، وهو طابع تفجيرات قاعدة الاجرام، لأيقاع أكبر عدد ممكن من الاصابات، فاختاروا الوقت والمكان المناسب ليقوم أحد عملائهم (أو عميلاتهم) بتفجير نفسه الآثمة، وتسبب فى مقتل 37 شهيدا وجرح ما يقرب من الستين، ومعظمهم من النساء والأطفال، فى شهر محرم الحرام.

ترى أي دين هذا يخول معتنقه قتل الناس بمثل هذه الخسة والبشاعة؟ قالوا أنهم يستهدفون الأمريكيين، فهل كان القتلى والمصابون من الأمريكيين يتبركون بزيارة ضريح الامامين؟ ويقولون أنهم يجاهدون فى سبيل الله، فأي جهاد هذا وهم يقتلون النساء والأطفال؟
ويقولون انهم يجاهدون الكفار كما أمرهم الله، فهل أن من قتلوهم من الكفار؟ انهم يعرفون جيدا ان مراقد الأئمة من كل المذاهب فى العراق محرمة على غير المسلمين.

منذ أكثر من أسبوع والصهاينة يقتلون الفلسطينيين المحصورين فى قطاع غزة وقد نفد أو كاد كل ما كان عندهم من ماء وطعام. أما كان من الأجدر بهم ارسال (أبطالهم) للدفاع عن أخوتهم فى الدين
(ليستشهدوا) هناك ويتعشون مع النبي (ص)؟

من الواضح البين أن المستهدفين بهذا العمل الجبان هم الشيعة، والواضح البين أيضا أنهم يعتبرونهم كفارا يحل قتلهم، ترى هل سيعلو مقام المسلمين من غير الشيعة اذا ما قتلوا نحو ثلاثمائة مليون شيعي وهم يشكلون طائفة منهم؟ هل أن قتل الشيعة سيعيد اليهم فلسطين؟ هل أن قتل الشيعة سيرفع من المستوى المعاشي المتدني لمعظم المسلمين فى العالم؟ يقولون ان الشيعة فى العراق هم ايرانيون ورافضة وصفويون وان ايران تريد فرض المذهب الشيعي على السنة، فان كان ذاك صحيحا فماذا لا تهاجمون ايران نفسها؟

ان القاعدة الارهابية بدأت توسس قاعدة لها فى العراق اثناء سنين الحصار على العراق بعد غزو الكويت، مستفيدة من سوء الوضع الاقتصادي المتردي فى البلد، فخصصت مبلغ مائة دولار شهريا لكل عائلة تنضم اليهم. وابتدأوا بتنظيمهم فى الرمادي والفلوجة وبغداد الغربية والأعظمية، حتى شعر صدام بخطورتهم فطاردهم واضطرهم الى الاختفاء. وعادوا الى الظهور بعد سقوط حكم البعثيين فى عام 2003 وصوروا للسنة بأن الحكم قد أفلت من أيديهم وان الشيعة سيضطهدوهم، فصدقوهم وانضموا اليهم. واخذوا منذ ذلك الوقت يبثون الشقاق والفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وقاموا بتفجير أنفسهم فى مناطق تجمع الشيعة، وقتلوا منهم الآلاف المؤلفة، ولكن المراجع الدينية الشيعية رفضت الرد عليهم بالمثل وطالبت الجميع بتغليب العقل على العاطفة وانه لا يجوز للمسلم قتل أخيه المسلم.

ولكن الطرفين ابتليا بزعماء طائفيين أصروا على الاثم والعدوان، من أمثال مقتدى الصدر وحارث الضاري وعدنان الدليمي. وكان ذلك الشقاق يصب فى مصلحة الأيرانيين والقاعديين الوهابيين الذين زادوا النار اشتعالا، وتساقط الضحايا من جميع الأطراف وشمل ذلك المسيحيين والصابئة وغيرهم.

ثم عادت العقول الى الرؤوس وشعر الجميع أن ما يفعلونه قد أصاب العراق وكافة سكانه بالأذى الشديد، فندموا على ما فعلوه. وانتشرت الدعوة الى مقاومة الغرباء الذين فرقوا بين الأخوة، وقام رجال الصحوة بمطاردتهم فى كل مكان تتقدمهم عشائر أبو ريشة الشجعان، وكادوا أن يقضوا عليهم جميعا فى الأنبار. وشاركهم الشعب العراقي كله فى هذه المطاردة واضطروا معظمهم على الهروب الى خارج البلد. وبقيت منهم جيوب متفرقة هنا وهناك، يغتنمون كل فرصة ليعيثوا فى الأرض فسادا كما فعلوا اليوم فى الكاظمية وأمس فى الزعفرانية وغيرها.

الدين والسياسة لا يجتمعان واذا اجتمعا افسد أحدهما الآخر، فدعونا ننتخب لحكمنا من ذوى العلم والمعرفة والخبرة والاخلاص، دون النظر الى دينهم أو مذهبهم أو قوميتهم. هذه أمريكا، أقوى دولة فى العالم اختارت رئيسا لها من السود الذين لا تزيد نسبتهم فى أمريكا على خمسة عشر بالمائة من نسبة السكان، دون النظر الى أنه من أصول اسلامية أفريقية. وكان الأمريكان حتى الستينات من القرن الماضي متعصبين لجنسهم الأبيض ويحتقرون السود، ولكنهم شعروا بخطئهم فقوموه، وهكذا تفعل الشعوب المتحضرة. فدعونا نحاول اللحاق بهم لعلنا نصل الى بر الأمان.

عاطف العزي