القوميون العراقيون وعبد الناصر

أراد القوميون العراقيون وبضمنهم البعثيون الوحدة مع مصر وسورية، فمدهم ناصر بالمال والسلاح، وأقام محطة اذاعية فى سورية قرب الحدود العراقية، وساند العصيان الذى قام به العقيد عبد الوهاب الشواف فى الموصل. ولكن سرعان ما فشل الشواف وهرب من العراق الى سوريا جريحا ومات هناك.

الجزء الثاني

ولم تنقطع محاولات ناصر فى القضاء على ثورة تموز وقادتها، وأصبحت السفارة المصرية فى بغداد مركزا جاسوسيا لناصر، فقامت فى وقتها العديد من المظاهرات أمام السفارة شعارها (شيلو سفارتكم منريد وحدتكم)، كما اتصل بزعماء الأكراد فى الشمال وحرضهم على العصيان مما أضعف الحكومة العراقية كثيرا. ولم تنقطع المحاولات حتى بعد انفصال سوريا عن مصر فى عام 1961.

البعثيون فى العراق

كان حزب البعث قد تأسس فى سوريا عام 1947 برئاسة ميشيل عفلق (أبو محمد!!!)، وامتد الى العراق والاردن ولبنان وفلسطين. تشكل حزب البعث فى العراق سنة 1949 من ثلاثة سوريين يدرسون فى بغداد، ولما وصل عددهم الى مائة عضو اعترفت بهم قيادة البعث فى سورية.

ولم يكن أحد قد سمع بإسم البعث فى العراق قبل ثورة تموز، وفور قيامها اتفق البعثيون مع القوميون على السعي للانضمام الى الجمهورية العربية المتحدة، وأخذوا يتآمرون على الزعيم وكادوا أن يقتلوه غدرا فى سنة 1959. وبعد فشلهم فرعدد منهم الى سوريا منهم صدام حسين الذى جرح فى ساقه، ثم غادر الى القاهرة وأصبح فى رعاية الحكومة المصرية، وكان قد حكم عليه غيابيا بالاعدام فى 25 حزيران/يونيو 1960.

ثورة 14 تموز/يوليو 1958 والمؤامرات ضدها

كان قيام دولة اسرائيل سنة 1948 وفشل العرب فى التصدى لها، وكذلك قيام الثورة المصرية سنة 1952 بقيادة عبد الناصر ودعوته الى الوحدة العربية والقضاء على اسرائيل من العوامل الكبرى فى قيام ثورة تموز. فقد قام الضباط بتشكيل خلايا سرية هدفها القضاء على الحكم الملكي الممالىء للغرب الذى ساعد فى قيام اسرائيل. كان معظم ضباط الجيش يجهلون السياسة وألاعيبها ومناوراتها وتؤثر فيهم الخطب الحماسية والمواعيد الكاذبة. فكان غالبية الضباط الأحرار يريدون الوحدة الفورية مع مصر، حتى اتيحت الفرصة لقيام الثورة صباح 14 تموز بقيادة عبد الكريم قاسم، وقضت على الحكم الملكي فى العراق. رفض الزعيم طلب عبد الناصر بالوحدة الفورية ورفض طلب أكثر الضباط الأحرار بالانضمام الفوري الى مصر وسورية، ما جعلهم يحقدون عليه.

يقول الدكتور عقيل الناصري أن عدد محاولات الانقلاب فى العهد الملكي خلال 37 سنة لم تزد على 7 بينما فى عهد الزعيم، أي أقل من خمس سنوات، حصلت 39 محاولة، أولها قام بها عبد السلام عارف بعد أقل من شهرين على قيام الثورة عندما حاول اغتيال الزعيم.

يضاف الى ذلك قيام الأكراد بمعاودة عصيانهم المسلح فى الشمال مطالبين بالحكم الذاتى أو الاستقلال التام، ومحاربة كبارالاقطاعيين الذين فقدوا الكثير من سلطتهم بعد اعلان قانون الاصلاح الزراعي، وقيام بعض علماء الدين وعلى رأسهم السيد محسن الحكيم (والد السيد عبد العزيز الحكيم) بمعارضة قانون الأحوال المدنية الذى يمنع تعدد الأزواج ومساواة المرأة بالرجل فى الميراث، ومحاولات البعثيين المستميتة للحصول على الحكم، كل ذلك وغيره من الأسباب، أصاب الوهن الحكومة وضعفت، ولم تستطع الأغلبية من أفراد الشعب العزل عمل شيء عندما انقض المجرمون على الحكم على حين غرة.

فى صباح 8 شباط/فبراير الأسود من عام 1963، قام البعثيون والقوميون بالاتفاق مع بعض الضباط الخونة بانقلابهم على الزعيم عبد الكريم قاسم وقتلوه فى اليوم التالى بعد 30 دقيقة من محاكمة صورية، ووقع على اعدامه عبد السلام عارف الذى كان قد عفا عنه الزعيم بعد أن حكمت عليه المحكمة بالاعدام لمحاولته قتله، ثم أشاع بأن البعثيين أرغموه على التوقيع ليمتص نقمة الشعب عليه. وفى ذلك الصباح أيضا دمر البعثيون 20 طائرة ميغ عراقية جاثمة على أرض المطار فى معسكر الرشيد، وقتلوا قائد القوة الجوية العراقية.

وقام البعثيون بذبح معارضيهم من أبناء الشعب العراقي، وسالت الدماء مدرارا، وخيل للناس أن هولاكو قد عاد من جديد لشدة الأهوال التى أصابتهم من البعثيين.

وفى 18 تشرين الثاني/نوفمبرمن نفس السنة، غدرعبد السلام عارف بأصحابه البعثيين الذين نصبوه رئيسا للجمهورية فقتل بعضهم وسجن البعض الآخر، وفر من تمكن من الفرار. والقي القبض على صدام فى 14 تشرين الأول/اكتوبر 1964، ولكنه استطاع الهرب من السجن عام 1967.

عبد السلام عارف الذى كان متحمسا للوحدة مع مصر، فترت حماسته بعد أن ذاق حلاوة الحكم الحقيقي بعدما انفرد بالحكم وحده وقضى على خصومه. كان عبد السلام عارف على درجة كبيرة من التهور والاندفاع الى حد الحماقة، وقام بتأجيج الطائفية واثارة المشاكل بين السنة والشيعة، بينما المفروض برئيس الدولة أن يتعامل مع أفراد شعبه على قدم المساواة.
و(دبر) له البعثيون حادث طائرة، اذ سقطت طائرة الهيليكوبتر التى كانت تقله يوم 13 نيسان 1966 بين القرنة والبصرة.

خلفه فى الحكم أخوه عبد الرحمن عارف بعد أن أجبر عبدالرحمن البزاز على التنازل عن حقه بضغط من العسكريين وكان قد فاز بنقطة واحدة على عارف فى الاقتراع.

كان عبد الرحمن عارف ضعيف الشخصية وديعا مسالما فأصبح لعبة بيد العسكريين المحيطين به والذين قاموا بالانقلاب بمؤازرة البعثيين عليه سنة 1968.

عاطف العزي