بات موضوع تخلي أميركا عن العراق يتصدر أخبار الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما الذي يبدوا انه بدا بتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه قبل الانتخابات الأميركية والتي ساهمت بشكل كبير في فوزه التاريخي فالرئيس اوباما يعلم قبل غيره انه لن يستطيع المحافظة على شعبيته دون قيامه بذلك لان أهم عامل تسبب في انخفاض شعبية بوش لدى الأميركيين جاء من خلال التورط الأميركي في العراق ورغم أن الرئيس اوباما قد أوضح أن انسحاب قواته من العراق سيكون انسحابا متدرجا ومسئولا إلا انه لن يتخلى عن وعده بهذا الانسحاب الذي ربما سيترتب عليه نتائج وخيمة بالنظر إلى هشاشة الوضع العراقي الذي سيكون قابلا للانفجار في أي لحظة ولذلك من الضروري بمكان أن نشير إلى أن أي تخلي أميركي عن العراق سينظر له من جانب العراقيين على انه عمل عدائي لا أكثر لان أميركا عندما شنت الحرب على العراق أعلنت أنها تقوم بذلك لمصلحة الشعب العراقي وإنها تريد إنشاء ديمقراطية عراقية متطورة وترسي رباطا قويما مع العراق لكن المعطيات على الأرض لاتبشر بذلك إذ تحول العمل الأميركي من عملية تحرير إلى احتلال وقوضت معظم مؤسسات الدولة العراقية وعصفت بالبلد موجة من النهب والإرهاب امتدت لشهور عدة وكون نظام سياسي على درجة عالية من الهشاشة حيث تركت الأطراف العراقية تمارس جشعها على الأرض بدون تدخل من الراعي الأميركي ولم تلتزم أميركا ببناء العراق بالطريقة التي تصورها المواطن العراقي ولم تتدخل أميركا لمنع وصول الإرهاب إلى البلد ودعم الأجهزة الأمنية بطريقة تجعلها قادرة على ممارسة دورها الأمني بشكل ناجح بما في ذلك تزويدها بالمعدات والأسلحة المتطورة ولم تضغط على دول الجوار لتكف يدها عن العراق ولا أن تطلب من بعضها إلغاء الديون عنه تاركة الدولة العراقية تتوسل هذه الدول بنفسها دون جدوى ولم تدعم العراق في إلغاء القرارات الدولية الصادرة ضده لاسيما خلال حرب الكويت ولا ولا ... وحتى الاتفاقية العراقية الأميركية جاءت خالية من أي التزام أميركي بدعم العراق الأمر الذي يندر حصوله في اتفاقيات مماثلة ولذا فان قرار اوباما في الانسحاب من العراق سيكون تتويجا لهذه السياسة الأميركية التي تحتاج إلى توضيح لان هذه السياسة يمكن أن تفسر في حينها أي قبل قرار اوباما على أنها نتاج للوضع على الأرض وإنها جزءا من متطلبات التعاطي مع الحال العراقي المعقد لكن أن يصدر قرار بهذه العجالة فهذا ما يدعم وجهة النظر التي تقول أن أميركا جاءت إلى العراق من اجل تدميره أو إنهاء وجوده كدولة قوية أي أن الإرهاب وضغط الجوار وتدمير المؤسسات الأمنية العراقية هي من تجليات هذه السياسة وإنها أي أميركا بعد أن حققت هدفها هذا باتت على وشك تركه وبالطبع أنني لا أؤمن بذلك لكن مسار الأحداث سوف يشير إلى ذلك بقوة والتاريخ أحداث حيث يبني معطياته على ضوءها ولايمكن لأحد أن يتجاهل التاريخ فالتخلي عن العراق إذا ما حصل وفقا لتوجهات اوباما لن يعرض العراق لخطر التفتيت و ما يترتب على ذلك من صراعات قومية وطائفية ودينية وسياسية وحسب بل ربما سيعرض الأمن القومي الأميركي للخطر لان أميركا سوف تفقد ثقة حلفائها في المنطقة والعالم من أنها دولة ذات مصداقية وسوف ينهار حلم العراقيين في بناء بلد ناجح ومتطور ولن يكون بمقدور أميركا ضمان أي انجاز قامت به في العراق ولا أن تتكل على صداقته ومعونته لها في محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وسوف تضيع دماء أبنائها هباءا منثورا وسوف يتشجع المتطرفون على النزول للساحة أكثر ليس في العراق المؤهل لحصول ذلك وحسب بل وفي أماكن أخرى من العالم بما في ذلك أميركا نفسها و ربما ستكون أحداث 11 أيلول رحمة إذا ما قورنت بما سوف يعده هؤلاء من عمليات جديدة وقد تندم أميركا لأنها لم تواصل حربها على الإرهاب بذات التصميم والقوة بل ستجعل هؤلاء يفلتون بجرائمهم فلا تطالهم أي عقوبة أو عدالة . أن من حق العراقيين إذا ما تخلت أميركا عنهم وامتنعت عن إصلاح الأوضاع في العراق أن يتساءلوا عن عدالة الحرب الأميركية على العراق ومن حقهم أن يطالبوا أميركا بتعويضات عما تسببت به هذه الحرب من أضرار لان العراقيين حينها لن ينظروا إلى للنكران الأميركي ولتملص الأميركيين من مساعدتهم وتجاهلهم لمصلحة العراق في إصدار قراراتهم ما يجعلهم يعدون أي جهود قامت بها أميركا في العراق على أنها تعبير عن أهداف أميركية محضة فالالتزام الأميركي في العراق وصداقة شعبه هو الكفيل بضمان المصالح الأميركية وإنجاح مساعيها في تحقيق الأمن والسلام وليس أي شيء أخر .
باسم محمد حبيب
التعليقات