-1-
كم من الطاقات تتفجر حين يتحرر المرء من نوازع الخوف والتوتر، كم منها.. حين يتحرر المرء من لواعج الثأر وإستحقاقات المظلومية ويسمو على الجرح بدل أن يظل ماكثا تحته مقلّبا فيه لاعقا له كيما يظل حيا ويظل الشغل الشاغل والهم القابع.. القائم والقاعد..!
كم من القوى الجبارة الرائعة النبيلة تتفجر من اعماق الروح، حين يسمو المرء على خوفه ووجعه وشكّه.. حين يؤمن أنه اكبر وأسمى من الجرح وان لديه رسالة أنبل تمنحه الخلود والذكر الحسن ابد الدهر.
ذلك هو الإنسان العراقي حين خرج للإنتخابات هذه المرّة.. ذلك هو العراقي حين أختار من لا نشك البتة في صلاحهم وصدقهم وواقعيتهم وبراجماتيتهم ونبل برامجهم.
ذلك هو العراقي حين تنكّر للطائفية السياسية بعد بضع سنين حسب من الغرق في مستنقعها بتأثير الخوف من الماضي وذكريات الماضي و.. أوجاع الماضي.
وبتأثير المحرضين.. المحرضين من ذوي النفوس المريضة سامحهم الله وكفا العراقيين شرورهم حتى نهاية العام على الأقل لينتخب الناس ثانية الأصلح والأنسب والأكثر عراقية، لرئاسة الدولة والبرلمان والوزارة.
بوركتم ايها الأهل على حسن الإختيار.. بوركتم إذ ازحتم التسنن والتشيع السياسي جانبا والتقطتم الوطنيين الأحرار المتحررين من هواجس الطائفة وأوهام الماضي وخزعبلات النواح واللطم والتكفير والإرهاب التي اغرقت مدننا الطيبة بالدماء لحساب حفنة من (الحرامية) المتلفعين بعباءة الدين جورا وإغتصابا.
-2-
رغم الخلفية الثقافية الدينية لحزبه المناضل الذي ضحى بعشرات الآلاف من اعضاءه على مذبح الحرية.. رغم هذا يفاجئنا المالكي الطيب بثورة على ذاته وحزبه ونهجه، ليخرج إلى الناس بشعارات وممارسات يستحيل توقعها أو إنتظارها من اي حزب ديني.
عبر تلك الفترة القصيرة المريرة من حكمه، كان يوصل الليل بالنهار في صراع مرير مع الداخل كما الخارج، مع حلفاء وأعداء الداخل، وبذات الآن مع اعداء وأنصار الخارج.
وأنتصرت فيه وله عراقيته..!
وكان له قصب السبق في إنتخابات مجالس المحافظات.. وستكون له الولاية الثانية في رئاسة الوزارة، إذا ما استمر على ذات النهج الذي مارسه خلال العامين الأخيرين.
لقد أختار العراقيون دولة القانون بإختيارهم للمالكي..!
إختاروا الدولة العادلة القوية التي تشدّ كل اطراف الثوب إلى لحمة واحدة في القلب.. في القلب الجغرافي والوطني للعراق.. بغداد.. بغداد العتيقة الجميلة المباركة.
لا زالت المعركة مستمرة ايها الرجل.. وستزداد ضراوة في الأيام القادمة، وستواجهك سهام الحلفاء بتواتر غير مسبوق، وسيحاولون إسقاطك بكل السبل، لكن لا تبالي فالصوت الإنتخابي معك، الناس معك والقانون معك والدستور معك، ومعركة اصلاح الدستور وتغييره ستكون اليوم اسهل بعد أن سقط بوش ورحل هو ومحافظيه الجدد إلى مزبلة التاريخ، وقريبا سينسحب الجيش الأمريكي وسيلتف حولك كل الوطنيين العراقيين وفي المقدمة منهم اولئك الذين قاوموا الأمريكان وطردوا القاعدة ولجموا نوازع تمزيق اللحمة العراقية من قبل زعماء الإقطاع السياسي الكردي الذين فقدوا ثقة حتى قومهم ذاتهم لفرط ما افسدوا، ولحجم الجرائم التي ارتكبوا بحق اهلنا الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين والأيزديين والشبك.
-3-
من الظواهر المباركة لدى جلّ ساسة العراق الجديد، أنهم نزلوا إلى الإنتخابات بعناوين وأسماء جديدة جميلة مثيرة للثقة، إذ هي مغايرة للعناوين المتخلفة المريضة السابقة التي لا تعنى بالواقع بقدر ما تعنى بالماضي أو الخارج العروبي والثورجي الزائف (مع الإحترام للثورية الحقة والثوريون الصادقون).
رأينا ولمسنا وسمعنا عناوين تذكرنا بعراقيتنا، بوطنيتنا، بوحدتنا الوطنية، بحاجاتنا إلى العدل والنزاهة والإعمار والبناء...!
إصلاح وطني، مؤتمر وطني، كفاءات عراقية، تنمية وتقدم، تجمع جمهوري، حدباء، عشتار، رافدين، نزاهة وتطور ووووو الخ الخ.
وإذ تغيرت الأسماء.. تغيرت الهموم والبرامج والشعارات.. ولمسنا وللمرة الأولى همومنا المنسية منذ ما يفوق النصف قرن، لمسناها تغدو على رأس اجندة السياسي العراقي..!
ورأينا ممارسات تبشر بالصدق في هذا التوجه، لمسنا تقريب ذوي الكفاءات.. المستقلين.. الآخر المختلف طائفيا وعرقيا ومناطقيا..!
ظاهرة طيبة ولا شك تشير إلى إنقلاب جذري عميق على الماضي ومحمولاته الكئيبة القميئة الكريهة السابقة التي تبطن الفرقة والشقاق بين العراقيين، وتذكر بأوجاع الماضي ومآسيه وأخطائه وترهاته.
لكن ارفعها وأرقاها وأجملها وأكثرها قربا إلى الروح والضمير والخلق ( برأيي )، تسمية دولة القانون...!
ايها الطيب المالكي.. ماذا لو دخلت الإنتخابات المركزية القادمة بحزب باسم حزب دولة القانون..!
لقد عشنا لألف عام بلا قوانين.. عشنا لألف او اكثر محرومين من نعمة القانون... ماذا لو رفعت مطرقة القضاء شعارا وعنوانا لحزبك، بدلا من الدعوة والإرشاد ومعاملة الناس كرعايا مارقين يفترض الحزبي أنهم بحاجة إلى توعية روحية توصلهم إلى الجنّة..!
مع التقدير للقيم الدينية والروحية والعناوين الدينية الكريمة.. مع التقدير.. جنّتنا هنا ايها الطيب.. جنّتنا هنا في هذا العراق العليل الذي يحتاج لمطرقة القانون ليعيد للمواطن هيبته وكرامته وإحترامه وأمانه وسمعته.
العراقيون بحاجة ايها الرئيس لسلطة قانون.. قانون حازم صارم أمين عادل يحفظ لحمة الوطن ويدرأ عنه الشرور..!
الناس بحاجة إلى دولة القانون لتأمن على اطفالها ومستقبل اجيالها.. على رزقهم وأمانهم في شوارعهم وبيوتهم وأعمالهم ومدارسهم ومقاهيهم..!
القانون ايها الطيب.. دولة القانون هو ما نحتاجه يا رجل... لا صلاة ولا صوم ولا نواح..!
جميع هذا نحسن إداءه في بيوتنا ومساجدنا وكنائسنا، لكنه لا يحمينا في شوارعنا، بل ولا حتى ونحن على الأسرّة في بيوتنا.
اقسم لو فعلتها يا مالكي، لكسبت كل العراقيين إلى صفّك ولوجدتهم امامك وخلفك وبين يديك في معركة تحرير العراق من الفساد والطائفية والإبتزاز العرقي وتدخلات دول الجوار، عربها وعجمها.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.