في كلمة ألقاها الدكتور سيف الاسلام القذافي في الملتقى الثالث للشباب يوم الشباب الليبي في 20 أغسطس آب 2008 قال quot;نحن نعيش في غابة هنا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا بد ان تعرفوها. نحن نعيش في غابة يعني في منطقتنا العربية هذه كلها تحكمها الدكتاتورية وانظمة وراثية والتعدي على حقوق الانسان وهذه حقيقة تعرفونها جميعكمquot;
quot; وقال ليبيا الغد مسؤولية الليبين جميعاquot;.
هذا كلام هام جدا يحتاج الى دراسة وتأمل وتفكير.

أي متابع للملف الليبي يلاحظ باهتمام ظهور سيف لاسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي على الساحة السياسية والاعلامية كناشط وناقد لا يتردد في توجيه اشد الانتقادات لنظام والده الذي حكم ليبيا لمدة 40 عاما عجاف. لا أحد يختلف مع سيف الاسلام ان ليبيا بحاجة الى الاصلاح والتغيير ولكن السؤال المطروح هل يستطيع سيف الاسلام التصدي لاصحاب المصالح والاجندات والذين يعارضوا الاصلاح والتغيير. وليس سرا ان كل من يستفيد ويترعرع في البيئة الحاكمة سوف يتضرر من اي عملية اصلاحية جادة لذا ليس من الغريب ان تقوم الفئات المتطفلة والمنتفعة من معارضة سيف الاسلام واحباط جهوده الاصلاحية.
سيف الاسلام رئيس مؤسسة القذافي العالمية للتنمية والجمعيات الخيرية التي شاركت في عدد كبير من المشاريع الخيرية أعلن عن رغبته في اعتزال السياسة والعمل في الخارج. هذا القرار اثار استغرابات وتساؤلات كثيرة لأن عملية الاصلاح تتطلب وجود سيف الاسلام في الساحة الليبية لكي ينفذ الاصلاحات ويواجه ويتحدى من يعارض الاصلاح. الاصلاح الحقيقي لا يمكن تنفيذه بالريموت بل بالحضور والمتابعة واثبات الوجود في الحلبة.

من يرفض الاصلاح؟
لذا لا عجب أن يتعرض سيف الاسلام الى حملة منظمة لافشال برنامجه الاصلاحي وقد ينجح هؤلاء الا اذا تصدى لهم الشعب الليبي وطالب بالاصلاح بصوت مرتفع واصر على انهاء ظاهرة ما يسمى الحرس القديم او المنتفعين والمستفيدين من الحالة القائمة (The Status Quo) وتفيد معلومات من ليبيا ان الغالبية العظمى من الشعب الليبي تؤيد عملية الاصلاح والتغيير التي يقودها سيف الاسلام. ونفس الغالبية لا تريد سيف الاسلام التخلي عن دوره السياسي حيث نشرت ايلاف بتاريخ 17 يناير كانون الثاني 2009 نتائج استطلاع للرأي اجرته صحيفة quot;اوياquot; الليبية يتعلق بقرار انسحاب سيف الاسلام من الساحة السياسية. نتائج التصويت الذي شارك فيه 5230 شخصا جاءت كالآتي: 76% عارضوا قرار التخلي عن دوره السياسي و8% وافقوا عليه في حين ان 7% من المشاركين عبروا عن عدم اكتراثهم بالموضوع اصلا و9% احالوا القضية للشباب للنظر في الموضوع. وحتى لو سمحنا لهامش من الخطأ بنسبة 5% تبقى الغالبية التي تريد دورا سياسيا لسيف الاسلام في الشؤون الليبية أكثر من 70%.

الرغبة في الاصلاح والتغيير ليس مسرحية
وصف بعض الساخرون حملة سيف الاسلام الاصلاحية بالمسرحية لكي يرث عرش ابيه. واتهام من هذا النوع هو تبسيط للأمور والسبب الرئيسي هو اذا اقتصر الأمر على التوريث لبقي سيف الاسلام ساكتا او اعلن الولاء والتأييد لوالده وانتظر الفرصة المواتية كتنحي الأب لاسباب صحية او التقاعد والاستراحة من عناء الحكم أو لأي سبب قاهر آخر. ولكنه رفض ذلك واعلن في أكثر من مناسبة عن رغبته في اعتزال العمل السياسي والسفر للخارج. والأهم من كل هذا هو شجاعته النادرة في فضح الفساد والبيروقراطية والاهمال وتردي احوال الناس وتدهور مستوى الخدمات الحكومية في ليبيا. هذا كلام مهم وكلام يأتي من النجل البارز للزعيم الليبي وليس من معارض في النرويج او الولايات المتحدة أو كاتب في لندن. والآن يأتي سيف الاسلام وبشجاعة وبوضوح يوجه انتقادات لاذعة لنظام طرابلس وبالعلن وعلى وسائل الاعلام العربية والعالمية. وهذه الجرأة تستدعي الثناء والتشجيع وليس السخرية والتشكيك كما يحلو لبعض الاطراف. واعترف انني كتبت عددا من المقالات انتقدت فيها النظام الليبي وانتقدت فيها فشل النظام القائم في تقديم اي اصلاحات وانتقدت ادائه البائس في السياسة الخارجية التي جلبت الكوارث للاقتصاد الليبي.

ولكن هذا لا يعني ان نتجاهل دعوات الاصلاح والتغيير فقط لأن مصدرها نجل العقيد وهذا ما ينادي به الشعب الليبي والمعارضون. الموضوعية تتطلب فضح السلبيات والترحيب بالايجابيات وتشجيع برامج الاصلاح.

من يهتم لمصلحة ليبيا ومستقبل ليبيا يرحب بما يقوله سيف الاسلام. ولكن السؤال الذي طرحه بعض الليبيون من معارضين وغير معارضين quot;هل سيف الاسلام قادر على التنفيذ.؟quot; حسب قراءتنا نقول نعم الرغبة موجودة والنوايا موجودة ولكن المعارضة للاصلاح سوف لا تأتي من الشعب الليبي بل من أعمدة النظام واجهزته الأمنية والذين سيشعروا ان ما يقوله سيف الاسلام يهدد مصالحهم.

برنامج سياسي متكامل
في كلمة القاها سيف الاسلام في اغسطس آب 2006 في بلدة سرت امام 15 الف نشط من الشباب وجه انتقادات علنية لنظام طرابلس تناولت الاخطاء الادارية والفساد وجشع القطط السمينة وتردي الحالة في القطاعات الصحية والتعليم وطالب بلاصلاح والتغيير. وانتقد غياب حرية الصحافة والاعلام. وهذا الكلام تكرره المعارضة الليبية في الخارج. (موقع العربية 10 نوفمبر 2006)

وقرأنا في موقع ايلاف في شهر يناير كانون الثاني 2009 ان سيف الاسلام يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الشباب والمثقفين. ويرى بعض المهتمين والمتابعين للملف الليبي ان سيف الاسلام يطرح برنامجا سياسية متكاملا عبر تصريحاته ويولي سيف لاسلام موضوع حقوق الانسان والحريات العامة والتحول الى نظام ديمقراطي اهمية خاصة. كما أنه يطالب بصياغة دستور عصري يكفل حماية حقوق الانسان وسيادة القانون.

هذا الطرح من سيف الاسلام وجد ترحيبا كبيرا حتى من المعارضين والناقدين وانا منهم ولكننا جميعا نريد ترجمة هذه الافكار الايجابية الى تغيير فعلي على واقع الأرض. لذا نتساءل اليس من العدل ان نطالب من العقيد معمر القذافي ان يسمح لابنه باستلام زمام الأمور وينفذ برامج الاصلاح والتغيير.
فشل لنظام الحالي خلال 40 عاما من تلبية طموحات الشعب الليبي. هل يستطيع سيف الاسلام قلب الطاولة على النظام ونقل ليبيا بسرعة الى دولة عصرية حديثة.
هل سيستطيع ان يقاوم الحرس القديم والاجهزة الامنية التي ستتضرر من اي تغيير جذري في تركيبة النظام.

نشاطات على مستوى دولي ونجاحات ديبلوماسية
تم استقبال سيف الاسلام في جامعة هارفرد وهي من أعرق معاقل العلم والثقافة في الولايات المتحدة وهو على علاقة ممتازة مع بعض رؤساء الجامعة وجاء تقرير بهذا الموضوع في صحيفة بوسطون غلوب في 22 يناير كانون الثاني 2009 وفي 26 يناير كانون الثاني 2009 نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية مقالا اشاد بمهارة سيف الاسلام الديبلوماسية.
ومن نجاحات سيف الاسلام هو اقناع والده بالتخلي عن اسلحة الدمار الشامل وتعويض ضحايا لوكربي من اجل فتح صفحة جديدة مع الغرب.


واجتمع سيف الاسلام مع وزيرة الخارجية الاميركية في شهر يناير الماضي لبحث تعزيز العلاقات الليبية الأميركية.
وذكرت شبكة سي ان ان الاخبارية CNN الأميركية ان مسؤول اميركي رفيع المستوى وصف سيف الاسلام بأنه وجه سياسي مهم وان علاقة ليبيا مع الغرب في تحسن مستمر.
لعب سيف الاسلام دورا كبيرا في فتح ابواب ليبيا للعالم الخارجي. ليبيا كانت بلدا محاصرا ومنبوذا نتيجة لسياسات مواجهة خاطئة.

مقابلة مع الشرق الأوسط
وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط نشرتها الصحيفة في الرابع من شباط فبراير 2009 تحدث سيف الاسلام بصراحة وشجاعة ووضوح. تحدث عن وجود نواقص ومشاكل وخلل في النظام واعترف بتواجد اشخاص وجماعات تقاوم الاصلاح وتعرقله واعترف سيف الاسلام بوجود حالة متفشية من الفساد والفاسدين وابدى ستعداده لمعالجة ومواجهة هذه الظاهرة الخبيثة. وشدد على اهمية صياغة دستور حديث وخلق آليات لسيادة القانون وهذه معركة لكل الشعب الليبي وليس معركة لسيف الاسلام لوحده.

مستقبل أفضل للشعب الليبي
هل حان الوقت للتغيير وهل حان الوقت للتحديث وهل حان الوقت لخلق دولة عصرية حديثة تحترم حقوق الانسان وتنقل الشعب الليبي من الدكتاتورية الى الديمقراطية. الشعب الليبي يقول بصوت عالي ومدوي نعم. وكمراقب اتابع الملف الليبي اقول ايضا نعم. لا أحد يريد انقلابا داميا او صراع مع فئات تطرف ديني لا يهمها سوى تحويل ليبيا الى دولة طالبانية.
سيف الاسلام شاب متعلم ومعاصر ومن خلال نشاطاته الديبلوماسية والاكاديمية لامس عن قرب الديمقراطية الاوروبية والاميركية واحتك بنشطاء ومثقفين وساسة واكاديميين عرب وغربيين واكتسب فكرة واضحة عن ايجابيات الديمقراطية وسلبيات الانظمة الدكتاتورية التي تجلب الويلات للشعوب.
دعنا نعطي هذا الشاب التقدمي ذو الأفكار النيرة فرصة لاثبات وجوده لكي يطبق مباديء الحرية وحقوق الانسان التي حرم منها الشعب الليبي.


حان الوقت للشعب الليبي ان يطالب بعودة سيف الاسلام ليلعب دوره من الداخل كقوة للتغيير والاصلاح. من اجل الشعب الليبي ومستقبل ليبيا يطالب الجميع سيف الاسلام بالتراجع عن قراره في اعتزال السياسية والعودة والعمل من الداخل على قيادة العملية الاصلاحية. توقعاتي انه نزولا عند رغبة الجماهير سيغير د سيف الاسلام رأيه وسيعود الى ليبيا ويبقى في ليبيا لينفذ بنود خارطة المستقبل.


نهاد اسماعيل
اعلامي عربي
Feb 2009