مايدور هذه الايام في كواليس السياسة العراقية تحديدا في مطبخ مجلس الرئاسة وتحركات بعض البرلمانيين وتحديد وجهات الكتل وتوجهاتها مضافا الى ذلك دور المرجعية الشيعية في القضية، كل ذلك يؤكّد ان هنالك quot;طبخةquot; يُراد لها ان تتلمّس الطريق لتصبح أمرا واقعا في الايام القادمة!

زيارة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي الى السيد السيستاني والتي افردنا لها مقالا خاصا كانت أول الغيث وقد ركّزنا الحديث فيها حول علاقة قائمة quot;ائتلاف القانونquot; مع المجلس الاعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم ونية المالكي لفتح ملف الفساد. تحركات المجلس الاعلى واضحة بأتجاه quot;طبخة أقالة المالكيquot; فيما لو مضى الاخير قدما في فتح ملف الفساد وذلك عبر تحالف خماسي ضم اضافة الى المجلس الاعلى المعني بالامر الحزب الاسلامي والحزبين الكرديين مضافا اليهم اياد علاوي الذي دخل على الخط مؤخرا وذلك على اثر الوعد الذي قدمته له تلك الاطراف لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية فيما لو تمت اقالة المالكي وتنصيب عادل عبد المهدي بدلا عنه! هذا الوعد الذي لن يُكتب له النجاح الا عبر مباركة السيستاني الامر الذي سارع معه علاوي الى النجف بالامس لاظهار الولاء وتحصيل المباركة لاكمال quot;الطبخةquot;!

تخوّف التحالف الخماسي من نجاح المالكي في ادارة مجالس المحافظات ومن ثم تقديم قائمته لانتخابات مجلس النواب في نهاية العام يعني حصوله على الاغلبية المريحة في ادارة المحافظات وأغلبية في مجلس النواب الامر الذي يجعل خصومه في موقف الضعيف وبالتالي سيكون ازاحته عن رئاسة الوزراء لفترة ثانية امرا مستحيلا. بيد ان أئتلاف المالكي مع التيار الصدري وحزب الفضيلة من جهة والحوار الوطني بزعامة خلف العليان من جهة ثانية يعني ارباك quot;الخصوم الاصدقاءquot; على درجة عالية لايستطيعون معها التحرك بحرية كما كانوا! لذلك سارعت تلك الاطراف استباق اعلان المفوضية النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات واعطاء طبخة أقالة المالكي quot;نكهة المرجعيةquot; مستفيدين من تحرّك المالكي باتجاه الفضيلة والصدر من جهة والعليان من جهة اخرى لتخويف مرجعية السيستاني تحديدا من القادم من هذا التحالف.

طبعا التحالف الخماسي quot;المجلس مع الحزب الاسلامي واياد علاوي مع الحزبين الكرديينquot; لايمكن ان يشكّلوا أغلبية لاقالة المالكي وبالتالي فهم بحاجة الى اصوات برلمانية اخرى ليس من السهولة بمكان اقناعها خصوصا في هذا الظرف الذي بدا فيه المالكي قويا اكثر من ذي قبل. الاطراف الاخرى التي تتخذ من الحياد مكانا غير مرتاحة للطريقة التي تتم بها quot;الطبخةquot; فضلا عن الاوراق التي يمكن ان يحسن استخدامها المالكي ومناصروه والتي يمكن ان تقلب الطاولة على الجميع وبالتالي يخرج منها منتصرا لاخاسرا! أيضا أطراف الحياد هذه ليس لديها الاطمئنان للتوجهات الكردية القومية وخصوصا في مناطق عربية سنية من قبيل كركوك والموصل وديالى من جهة وتوجهات الحزب الاسلامي الذي يحاول جاهدا الاستئثار بحصة العرب السنة من المناصب العليا من جهة اخرى.

في الجانب الاخر كل الاطراف السياسية عدا الاكراد ليس من مصلحتها تقوية المجلس الاعلى على المالكي لاسباب عديدة يأتي في مقدمتها مشروع quot;فيدرالية الوسط والجنوبquot; الذي نادى به المجلس والذي تحطّم على صخرة التغيير في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة. مشروع المجلس الاعلى ومن وجهة نظر مجاميع الحياد مقدمة لتقسيم للعراق والحاق عشرة محافظات عراقية عربية بحكم ولاية الفقيه الايراني! كذلك مطالبة المالكي بتغيير الدستور لصالح تقوية المركز وحصر السلاح بيد الدولة يعارضه الاكراد بشدة وينظرون اليه quot;انقلاب على مبدأ التوافقquot; بينما يلاقي ترحيبا واسنادا من كتل برلمانية لايمكن تجاهلها في حال التصويت! فيما تتجسد مشكلة الحزب الاسلامي العراقي بقيادة طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية في رفض المالكي التصويت لصالح اياد السامرائي مرشح الحزب لشغل منصب رئيس البرلمان نيابة عن العرب السنّة وهو ماترفضه فعاليات سنّية كبيرة وعديدة أيضا.

هذه الاسباب وغيرها من شأنها ان تجعل من مهمة اقالة المالكي امرا ليس بالهين عبر التصويت عليها في البرلمان لذلك لجأ هؤلاء الى quot;نكهة المرجعيةquot; لاقالة المالكي بنفس الطريقة التي تمت اقالة الجعفري بها من قبل متبعين سبيل الاحراج من جهة والتلويح بالاقالة القسرية من جهة اخرى!

من خلال القراءة الميدانية التي لايختلف عليها المراقبون والمحللون ان نوري المالكي قد صار زعيما عربيا وليس رئيسا للوزراء فقط ورجل بمواصفاته له مريدون كثيرون وقد اثبت انه رجل يحسن اللعب بالاوراق والمناورة ليحصل على مايريد في النهاية خصوصا وانه قد نجح في ملفات عديدة يأتي الأمن في مقدمتها. كاريزما المالكي جعلت العراقيين يلتفون حوله ويعطوه اصواتهم ويقفون وراءه بكل قوة فهو الامل الوحيد لهم للتخلص من الفاسدين واعادة بناء الدولة العراقية وفقا للمواطنة لاوفق المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية كما يريدها البعض. لذلك فان الوقوف علنا ضد خطط المالكي لاعادة بناء الدولة العراقية يعني زيادة شعبيته وبالتالي سيتعرّى التحالف الخماسي امام الشعب الامر الذي يعني زيادة في عدد الاصوات في صندوق المالكي في انتخابات المجلس الوطني القادم لذلك تحرّك هؤلاء على عجل لرمي الكرة في ساحة المرجعية ليبدو الخلاف على غير حقيقته. بينما الواقع يقول ان المالكي لايمكن ان يقبل هزيمة بتلك السهولة كما انه لن يقبل بغير فتح جميع الملفات على الملأ طالما انه متسلّح بالقوى الشعبية ومن وراءه فعاليات سياسية وعشائرية ومنظمات مدنية قادرة على الوقوف بوجه اي تغيير لرئاسة الوزراء في الفترة الحالية. ترى هل باستطاعة مطبخ الرئاسة أكمال الطبخة فيما لو رفضت المرجعية التدخل ام سيكون هناك خيار اخر يؤمن لجميع الاطراف السلامة؟! الجواب في رحم القادم من الايام!

رياض الحسيني

كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل

www.zaqorah.com