أربيل، أو quot;هوليرquot; في النسخة الكردية، هي المكان/المدينة التي أراد لها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، حين لقاءه في أنقرة نظيره التركي علي باباجان، أن تكون مقر quot; مركز التنسيق المشتركquot; للعمل ضد حزب العمال الكردستاني. التنسيق هذا، سيكون بين الأطراف الثلاثة المعنية بالقضية، وهي، هنا، quot;العراق الجديدquot; والجمهورية التركية و...الولايات المتحدة الأميركية!.

إقتراح زيباري هذا جاء مكملاً للإتفاق الإستراتيجي الذي وقعّه كل من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في بغداد في تموز 2008. هذا الإتفاق الذي اعتبره أردوغان نصراً مؤزراً على quot;الإرهابquot; تباهى به كثيراً امام العسكر في بلاده، نصّ على ترسيخ الطرفين لquot; شراكة استراتيجية طويلة المدىquot; وإنشاء quot;مجلس تعاون إستراتيجي رفيع المستوىquot;، كما أوصى بان يجتمع quot;المجلس مرة في السنة برئاسة مشتركة بين كل من رئيسي الوزراء في البلدين، وثلاث مرات في السنة على مستوى وزاري، ومرة كل ثلاثة شهور برئاسة مسؤولين رفيعي المستوىquot;.

النقطة المهمة التي خلصّ إليها زيباري في مباحثاته مع باباجان، والتي كانت مفاجئة في ضوء المعلن الكردستاني العراقي الرسمي، كانت تشكيل quot;مركز التنسيق المشتركquot; للعمل ضد حزب العمال الكردستاني في أربيل( عاصمة اقليم كردستان العراق، لمن لايعلم)، وحشر إسم الولايات المتحدة الأميركية مع كل من quot;الطرفين المعنييّنquot; وهما العراق و...تركيا!. والمركز سيكون مختصاً بجمع المعلومات عن الكردستاني( وهي المعلومات التي ستكون قطعاً إستخباراتية ولوجستية وعسكرية)، يلتزم الطرف العراقي، أي حكومة اقليم كردستان هنا، بتجميعها وتقديمها ومنحها للجهات التركية بغية تحليلها والإستفادة منها في توجيه ضربات لحزب العمال الكردستاني. وبعد هذه الفعلة quot;الزيباريةquot; يصعب على المرء أن يصدق كل الإدعاءات الكردية التي تقول بان quot;الإقليم لن يتدخل في أي صيغة حل عسكرية ضد العمال الكردستانيquot;، وانه فقط quot;مستعد للتعاون في حال توافر مشروع للحل الديمقراطي لدى الحكومة التركية فيما يخص القضية الكردية في تركياquot;. توقيع هوشيار زيباري على quot;مذكرة التفاهمquot; مع باباجان، وكلام هذا الأخير الصريح والواضح حول ربط تركيا لكل أشكال تعاونها مع العراق( وليس اقليم كردستان، إذ ان أنقرة لاتعترف بالإقليم الكردي رسمياً الى هذه اللحظة) بمدى تعاونه في أمر محاربة الكردستاني، يوضح بأن الطبخة التركية، التي وضعتها أنقرة على نار هادئة منذ التدخل الأميركي في العراق، استوت، ولم يبق مزيد من quot;هامش المناورةquot; أمام القيادات الكردية في كردستان لكي تداري مواقفها وتتلاعب بالكلام وتنشر العموميات على الشعب الكردي. الآن، أما ان تعلن أربيل على رؤوس الأشهاد موافقتها على اتفاق زيباري ـ باباجان الجديد واحتضانها لمركز التجسس وجمع المعلومات هذا، او ان ترفض هذا الكلام وتعلن انها في حلّ من إتفاق كان أحد اقطاب السياسة الكردية العراقية، احد طرفيه الموقعيّن!.

السياسي الكردي المخضرم وquot; ترمومتر المصلحة الكرديةquot; الدكتور محمود عثمان ادان ما حصل بين زيباري وباباجان في أنقرة واعتبره quot;لعبة من المالكي لتوريط حكومة الإقليم في حرب طويلة مع حزب العمال الكردستانيquot;. وصرح عثمان للفضائية الكردية(Roj tv) بان quot;حكومة المالكي تتقصد توقيع الإتفاقيات التعجيزية الخطرة مع تركيا والزام الإقليم بتطبيقهاquot;، موضحاً بان quot;الإتفاق الإستراتيجي مع انقرة حدث دون استشارة القيادة الكرديةquot;، وquot;ان الوزراء الأمنيين الذين نسقوا مع الأتراك لم يكونوا من كتلة التحالف الكردستاني ولم يطلعّوا الكرد على مضامين محادثاتهم مع الجانب التركيquot;. ولكن quot;المالكي يأتي الآن ليدفع بوزير الخارجية الكردي ليوقع هذا الإتفاق ويلزم الجانب الكردي بالإشتراك في الحرب التركية ضد العمال الكردستانيquot;. وتابع عثمان بان quot;الأمة الكردية لن تتقاتل واصحاب القرار في كردستان لن يقبلوا بفرض اتفاقيات عليهم تكون نتائجها حروباً ومواجهات لاطائل من ورائها سوى خدمة سياسة اللاحل التركية وحملات الحرب التي تشنها انقرة ضد الحقوق والهوية الكرديتينquot;.

الكرة الآن في ملعب حكومة اقليم كردستان العراق. على المسؤولين هناك أن يعلنوا موقفهم بشكل واضح. أما مع اتفاقية زيباري ـ باباجان وأما نفي ذلك ورفض التورط في حرب كردية ـ كردية مدمرة تٌخاض بالنيابة عن تركيا وبتحريض ودفع خبيثين من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وبعض الأوساط العاملة معه من التي تستعد الآن لإعادة النظر في مواد الدستور وquot;انتزاع الصلاحيات الإستقلالية من الأكراد في الشمالquot;...

المالكي يريد توريط اقليم كردستان في حرب طويلة المدى مع حزب العمال الكردستاني لإضعاف الإقليم واشغاله عن خطط بغداد الرامية لتقويض السلطة الكردية الفيدرالية وتقويّة المركز. ثمّة برنامج طويل أمام المالكي لquot;تأديب الأكرادquot;: ابقاء كركوك خارج خارطة كردستان، تغييّر الدستور، تشكيل الصحوات( أو: أفواج الجحوش، كما وصفها رئيس الإقليم مسعود البارازاني ) للتصدي لقوات البيشمركة في مناطق خانقين، مندلي، جلولاء، شنكال. وأخيراً، احكام السيطرة على مداخيل النفط ومنع أربيل من استثماره والتوسع في اخراجه. ومفتاح كل هذه الملفات السحري هو: ضرب الإقليم بالعمال الكردستاني بمساعدة من أنقرة وصمت وتواطؤ واضحين من الولايات المتحدة الأميركية...

حكومة المالكي لم تقدم حتى الآن أي احتجاج للأمم المتحدة على الهجمات الجوية التركية والإيرانية اليومية على المناطق الحدودية في اقليم كردستان( الذي يفترض انه جزء من دولة العراق) وكأنها موافقة على هذه الهجمات ولاتعتبرها اعتداءاً على الأراضي العراقية. الهجمات التي اسفرت حتى الان عن تشريد أكثر من خمسة آلاف عائلة كردية.والهدف هو خلق المزيد من الضغوط على الاقليم ودفعه للرضوخ لإبتزازات الحكومة في بغداد...

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لم يعترف هو وحزبه بالإقليم الكردي حتى الآن، ومجلس الإمن القومي( MGK) يعتبر الإقليم للآن quot;الخطر الإستراتيجي الأكبر على تركياquot;. كما تواصل أنقرة دعم وتحريك المجموعات التركمانية العميلة لها بغية خلق العوائق والمشاكل في وجه عملية ضم كركوك لإدارية اقليم كردستان. فإين الحكمة في مساعدة أردوغان على ضرب العمال الكردستاني وتقويّة شوكته وهو الرافض المعادي للحق الكردي في كل مكان؟.

الحكومة العراقية لاتملك أية سلطة فعلية على اقليم كردستان، والمناطق الجبلية التي تنتشر فيها قوات حزب العمال الكردستاني تقع تحت ادارة أربيل وهي بعيدة كل البعد عن بغداد وقبضة جيشها. كما أن الجيش التركي حاول بداية العام الماضي عسكرياً لضرب هذه القوات والتأثير فيها، ولكنه فشل وتكبد خسائراً فادحة، فأيقن بان الحل العسكري لن ينجح، وراح يفكر بكيفية ضرب قوات البيشمركة بقوات الكردستاني من الداخل ويدفع حكومة اردوغان وديبلوماسيتها في هذا الإتجاه.

والحال، ان الأوراق بكاملها في يد حكومة أربيل، وهي اذما احسنت التصرف بها، فسوف تحقق مكاسباً كبيرة للشعب الكردي.

أولاً: يجب رفض أي عمل عسكري ضد العمال الكردستاني والتأكيد على الموقف السابق الذي كرّره رئيس الإقليم مسعود البارازاني في الإستعداد للتدخل والوساطة فقط في حال اعلان انقرة رغبتها في الحل السلمي العادل والتفاوض.

ثانياًً: رفض الإتفاق الإستراتيجي الذي وقعّه المالكي مع أردوغان من دون علم الكرد والإعلان الرسمي عن حل الحكومة الكردية من الإلتزام به.

ثالثاُ: الإعلان عن التمسك بالدستور وبصيغة الفيدرالية وبكردستانية كركوك وبقية المناطق المستقطعة من الإقليم، من التي يريد المالكي الإستحواذ عليها بالقوة.

رابعاً: افهام الأميركان بأن هذه الأمور تدخل ضمن الخطوط الكردية الحمراء ولن تتراجع عنها قيادة الإقليم مهما كلفها الأمر.

يفهم المرء خفايا بعض الأمور في كردستان، ومنها المصالح التجارية الضخمة لبعض المسؤولين المتنفذين هناك مع انقرة والشركات التركية التابعة لمقربين من هرم حزب العدالة والتنمية. لكن ان تتحول هذه المصالح والتجارة الى ورقة في يد أردوغان وحزبه لإبتزاز الإقليم ودفعه لخوض حرب دموية ضد قوة كردية جبارة وجماهيرية كالعمال الكردستاني، فإن هذا أمر غير مقبول ويدخل في المحظور الكردي. وحتى الآن، لايفهم المرء كيف تسمح حكومة الإقليم لجماعة رجل الدين التركي الإصولي فتح الله غولان بالتغلغل في المدن الكردية وافتتاح الجامعات والمدارس باللغة التركية، بل وحتى تنظيم المؤتمرات الثقافية والسياسية الكردية، علماً بان هذه الجماعة منبوذة بين أوساط الشعب الكردي في تركيا، وهي، للتذكير هنا، لم تتمكن من عقد quot; كونفرانسquot; صغير لها في مدينة دياربكر، بسبب رفض الفعاليات الجماهيرية الكردية لها...

القادة الكرد في اقليم كردستان لم يحسنوا استغلال الفرص والظروف التي مرت منذ 2003 وحتى الآن. بدت مساعدتهم للولايات المتحدة الأميركية مجانية وبدون مقابل. ففي الحين الذي رأينا فيه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش يهرع لطلب النجدة من الزعيم القبلي السني الشيخ عبدالستار أبو ريشة لمقاتلة تنظيم quot;القاعدةquot; الإرهابي( وهو الذي لم يكن يملك سوى بضعة آلاف رجل مسلح) لم يستثمر الكرد مساعدة مائتي ألف بيشمركة للجيش الأميركي في عملية اسقاط نظام حسين. فكركوك وبقية المناطق المستقطعة بقت خارج الاقليم، وquot; الفيدراليةquot; مازالت على كف عفريت، في الحين الذي يدور المالكي فيه حول الدستور لنسفه الأساس التوافقي فيه والرجوع بالعراق الى المربع الأول. لقد ظل الكرد يتغنون بالصداقة الكردية ـ الأميركية والتحالف الوهمي مع واشنطن إلى ان استفاقوا على صدمة تقرير بيكر ـ هاملتون الذي هدد بإعادة العراق الى عصر الدولة المركزية القويّة وتقويض كل منجزات الشعب الكردي التي تحققت في الإقليم...

ننتظر موقفاً قوياً من حكومة أربيل( كذاك الذي أعلنه مسعود البارازاني مراراً) برفض محاولات المالكي خلق صراع كردي ـ كردي مدمر، والتشبث بالحوار والتفاوض كأساس للحل. فليس من المعقول ولامن المنطقي أن يطالب المالكي اقليم كردستان بمحاربة حزب العمال الكردستاني بدلاً عن الجيش التركي، وهو الذي رفض، ومايزال، وصف كل من quot;الحرس الثوري الإيرانيquot; ومنظمة quot;حزب اللهquot; اللبنانية بالإرهاب، كما انه عدلّ هندامه ورضى بمنع رفع العلم العراقي، وهو يدخل في حضرة الولي الفقيه، المرجع الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله العظمى، السيد علي الخامنئي؟!.

طارق حمو
[email protected]