كان العام المنصرم 2008، بكل المعايير، عاماً لأعتداءآت أقليمية كثيرة على الخط الشمالي للحدود الدولية العراقية التي هي حدود أقليم كردستان العراق، ويمكننا القول، بصراحة أكثر، أنه طوال السنة الماضية، لم يكن هناك ملف ما عُمِلَ معه كملف ثانوي ومٌهَمَش مثلما عُومَل مع هذا الملف الأمني والسياسي في الوقت الذي نعلم أنه هو من بين الملفات التي يمكن أن تُخضِع الأسس التي تقوم عليها العلاقات الإقليمية للعراق للمساءلة، أو جدوى المعاني والقيم التي تحملها هذه العلاقات.

إن القصف الإيراني و الغارات الجوية التركية المتواصلة على العشرات من القرى الواقعة على طول الحدود الدولية لبلدنا بذريعة أن المناطق الحدودية تلك هي مناطق لنشاط القوى المعارضة لهاتين الدولتين، هو المشهد الذي تقع في ظله، كوارث إنسانية ومجازر كبيرة دون أن تأخذها الجهات الرسمية المسؤولة عنها بعين الإعتبار. ففي تلك المناطق الحدودية تتعرض يومياً وأسبوعياً العشرات من القرى والآلاف من القرويين لخسائر بشرية ومادية ولشضايا هذه الإعتداءآت المرهبة، فضلاً عن حرق البساتين وتُدمير المزارع والثروات الحيوانية لسكانها التي تُعتبر رسمياً وبالمعايير الدولية سكان بلد يطلق عليه العراق ولكن من دون أن يُحسب، من أية جهة، حساباً لحياة أهالي المنطقة وأمنهم ومصيرهم: لا من الجهة المعتدية ولا من قبل الجهة المعتدى عليها.


نحن نستطيع القول أن العام الماضي كان بإمتياز عاماً لتشرد وخراب البيت واللاأستقرار للعشرات من القرى العراقية الحدودية دون أن ينتهي حتى اليوم مسلسل هذه المآسي والكوارث، وكل هذه الأوضاع المتردية باتت اليوم لا تحمل معنى آخر سوى معنين وهما إما إننا نعتبر حياة مواطنينا رخيصة لهذه الدرجة بحيث يُقتلون و يُشَرَدون أمام أعيننا، وإما ثمة صمت سياسي قاتل ومُساوم ينبغي أن يقف وينتهي.


أنا شاهد على أن كل ما أتخذته، طوال العام الماضي، حكومة أقليم كردستان و الحكومة العراقية أو برلمان الأقليم ومجلس النواب، من مواقف، إزاء كل هذه الأحداث والمآسي التي يتعرض لها العراقيون على الحدود الشمالية، لم تتعدى سوى إصدار البيانات الأحتجاجية أو التصريحات المُدينة أو إرسال بعثة واحدة أو بعثتين الى هذه المناطق العراقية - التي تعاني من الإهمال وإنعدام الأمن -، أو ربما تقديم بعض المساعدات الإنسانية وإغاثة بعض من العوائل المشردة، وحتى إذا لُمسَت مواقف أخرى سرية وعلنية أتخذت إزاء هذه الإعتداءآت الأقليمية فأنها، في الحقيقة، كأنها لم تؤخذ، ذلك لأنها لم تأت بنتيجة ما على أرض الواقع ولم توقف مجرى الأمور، والدليل هو أننا مع مطلع العام الجديد 2009 نجد أنفسنا مرة أخرى أمام مرحلة أخرى من القصف والغارات الجوية الإيرانية والتركية على سكان المناطق الحدودية العراقية هي أشد قسوة من السابق، مما تسببت، في هذا الشتاء القارص، الى غياب الأمن ثانية وتشرد المئات من العراقيين الساكنين في هذه المناطق، وربما الأسوأ من ذلك هو أنه حتى المشاهد التراجيدية لهذه المآسي الإنسانية لاتحضى بالإهتمام أو التغطية المطلوبة من قبل الأجهزة الإعلامية: لا من القنوات الأجنبية ولا حتى في القنوات الوطنية العراقية.


وعلى الصعيد السياسي، فبالرغم من زيارة العديد من الوفود الدبلوماسية الكردستانية والعراقية للدول الأقليمية لاسيما لكل من طهران وأنقرة إلا أننا لا نلتمس ولو لمرة أن تُشَكّل هذه القضية محوراً في أجندة هذه الزيارات، أو تكون موضع البحث والتداول في الحوارات الثنائية وإنما كل ما في الأمر، في هذا الشأن، هو ليس سوى بحث السبل الخاصة بالتدبير المشترك لأزمة نشاطات القوى المعارضة لهاتين الدولتين وتواجدها على الآراضي العراقية وخاصة مشكلة مجاهدي خلق والحزب العمال الكردستاني والجناح الإيراني لهذا الحزب (بزاك) وجماعات أخرى.


إذا ثمة إرادة حقيقية لإيجاد حل لهذه المشكلة الإنسانية و الأمنية، فينبغي التحرك في هذا العام في أكثر من جبهة، وربما أحدى المسؤوليات الوطنية للقيادة الكردستانية في العراق تجاه هذا الملف، هو أن تثير في الأوساط السياسية مشكلة الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي لحقت و ماتزال بأهالي المناطق الحدودية العراقية وذلك من خلال المؤسسات الرسمية للأقليم مثل المجلس الوطني ورئاسة الأقليم والحكومة، كما تولي ثانيةً من خلال ممثليها في الحكومة العراقية ومجلس النواب الأهتمام المطلوب بهذه القضية و تعمل على وقف هذه الإعتداءآت الأقليمية وأن لا تكون الآراضي العراقية ساحة مفتوحة أمام تصفية حسابات الآخرين ولا أن تكون هذه الحروب والصراعات على حساب حياة وأمن ومصير العراقيين الأبرياء الساكنين في هذه المناطق الحدودية، كما لاتدفع المدنين القاطنين فيها ثمن عواقب نشاطات هذه الجماعات المُعارضة. بمعنى آخر، يجب أن ينتهي صُم المالكي رئيس حكومتنا!! في بغداد و بُكم القيادة الكُردستانية، فالغيرة العراقية تطلب موقفاً حازماً من هذه التراجيديا المنسية التي تعبر عن هشاشة سيادتنا و ضعف مواقفنا إزاء أنفسنا و كبرياءنا الوطني، فالمطلوب اليوم من الحكومة العراقية ليس تسليم معارضي إيران للإيرانيين و إنما قبل ذلك، منع المدافع الإيرانية من حرق الأراضي العراقية وتشريد المواطنيين العراقيين، كما ليس المطلوب منها التنسيق مع الأمركيين و الأتراك لمحاربة الحزب العمال الكُردستاني و أنما قبل ذلك، تبليغ أنقرة بعدم مواصلة قتل المدنيين في القرى الحدودية العراقية بذريعة مكافحة معارضيها، هذا هو المطوب و ليس شيء آخر..

عدالت عبدالله