قبل ثلاثة أيام أعلن محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي بأن عدد المصابين بمرض السرطان في ازدياد ملحوظ،، خصوصاً في محافظة البصرة. وكشف الوائلي عن دراسات وتقارير تلقتها محافظة البصرة من مديرية بيئة المحافظة تؤكد جميعها تفاقم ظاهرة الإصابة بهذا المرض الخبيث،وهي ناجمة عن التعرض إلى إشعاعات اليورانيوم المنضب.
وناشد محافظ البصرة الحكومة المركزية ومنظمة الصحة العالمية الإسراع في توفير العلاجات الكيماوية لمرضى السرطان في المحافظات الجنوبية، والتي لا يكفي المتوفر منها في المؤسسات الصحية لمعالجة 10% من هؤلاء المرضى، واصفاً الوضع الصحي والإنساني للمئات منهم حاليا بـالمأساوي. وأضاف إن المركز الطبي الوحيد المتخصص بمعالجة أمراض السرطان في المنطقة الجنوبية يقع في محافظة البصرة، ويشهد شحة حادة من ناحية توفر العلاجات الكيماوية والأدوية، الأمر الذي يتسبب بمأساة للمرضى وأسرهم.
وأوضح الوائلي بأن المركز يرتاده شهرياً مئات المصابين بالسرطان من المحافظات الجنوبية، فضلا عن المئات من المرضى الذين يحتضرون حالياً، مؤكدا أن الحكومة المحلية قدمت لهم مساعدات مالية، لكنها محدودة ولا تمكنهم من شراء الأدوية الضرورية من السوق السوداء، لأن أسعارها مرتفعة جداً، بالرغم من كونها من مناشيء غير مرغوب بها. ودعا محافظ البصرة الحكومة المركزية ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية إلى المسارعة لإنقاذ مرضى السرطان الذين يقدرون حالياً بنحو 1600 مريضاً، لافتا إلى أن ما لا يقل عن 50% منهم في وضع صحي حرج للغاية.وأكد المحافظ أن هناك حاجة ملحة لأن تقوم الحكومة المركزية بتخصيص نحو مليوني دولار، كل 6 أشهر، من أجل شراء علاجات كيماوية من مناشئ عالمية، وبكميات مناسبة، مذكرا بأن quot;المنطقة الجنوبية وبالأخص محافظة البصرة تعاني من تلوث بيئتها بمخلفات الحروب السابقة والمواد الإشعاعية (quot;نيوزماتيكquot;-البصرة،30/7/2008).
بهذا التصريح وجه محافظ البصرة، بإرادته او دون إرادته، ضربة موجعة لأولئك الذين كذبوا،قبل نحو إسبوعين، التقارير العلمية والدراسات الطبية، التي تشير الى تزايد الأمراض السرطانية في جنوب العراق،مقدمين أنفسهم لوكالة أجنبية للأنباء، بأنهم quot; أطباء مختصون في الامراض السرطانية ويعملون في مستشفيات البصرةquot;،زاعمين بأن التقارير الإعلامية التي تركز على زيادة إنتشار الأمراض السرطانية جنوب العراق، ولاسيما البصرة،quot; تفتقر الى الدقةquot;، بينما تبين لهم quot; أن الزيادة في معدلاتها الحالية طبيعية quot;، معلنين: quot; ثمة إشاعات وأقاويل كثيرة عن إنتشار أمراض سرطانية سببها الأسلحة، ولكن حقيقة لم نجد لها شيئا على أرض الواقع quot;، مختتمين تصريحهم بان quot; كل ما نشر في وسائل الأعلام عن زيادة إنتشار الأمراض السرطانية في العراق هو جزء من الحرب الأعلامية ضد العراقquot;(وكالة quot;شينخواquot; للأنباء، 12/7/2008)...التشديد من عندي.
لاحظ عزيزي القارئ أن quot; بيت القصيدquot; هو: الأسلحة التي أستخدمت ضد العراق quot;لا علاقة لهاquot; بإنتشارالأمراض السرطانية !!!..
وقبل ان نعري كم هي quot; طبيعيةquot;!! الأصابات السرطانية في العراق، نود ان نبين ما يلي:
أولاً- لم يتجرأ أحد من هؤلاء quot; الأخصائيينquot; البوح بإسمه.. لماذا؟!!.. أكيد كي لا نعرفه من هو وتنكشف حقيقته !.. بالنسبة لمن دفعهم للتصريح المذكور لا يهمه ذكر الأسم، وإنما المهم خلق البلبلة بمثل هذه التصريحات.. ذلكم ما درج عليه البنتاغون،ولذلك يدفع بسخاء لأبواقه التي تخدم مواصلة حملته في التعتيم على أسلحته المشعة والفتاكة، ومستعد ان يدفع الملايين، مثلما دفع لحد الآن عشرات الملايين من الدولارات لأشباه العلماء وquot;الباحثينquot; من ذوي الضمائر الميتة، لقاء تكرار فتاوى: quot; لا وجود quot; لتأكيدات علمية على أضرار ذخائر اليورانيوم المنضب على الصحة والبيئة!!، وما شابه من الأكاذيب التي سهلت لحد الآن مهمة تنصله، ومن ثم عدم ملاحقته من قبل محاكم القضاء الدولية، عن جريمة إستخدامه للأسلحة المشعة، وما يترتب عليها من إدانة كجريمة حرب دولية، إضافة الى إجباره على دفع مئات مليارات الدولارات- كتعويضات لعوائل الضحايا، ولتنظيف المناطق الملوثة، وغير ذلك..
ثانياً- لم يتجرأ أحد من الأبواق المذكورة،من الظهور في المؤتمرات والندوات العلمية التي عقدت في مدنهم وناقشت وبائية السرطان في العراق وصلتها بالتلوث الإشعاعي،ليعلنوا ما تبين لهم،أو على الأقل ليناقشوا ويحاججوا و يفندوا، إن إستطاعوا، نتائج الأبحاث والدراسات العلمية،التي طرحت خلالها،وكشفت الصلة المذكورة.
علماً بأن مدينة البصرة وحدها شهدت في العام الجاري ولحد الآن حدثين علميين تناولا التلوث الإشعاعي والأصابات السرطانية، شارك فيها علماء وباحثون بصراويون معروفين، مثل:الدكتور جواد العلي- أخصائي الأورام والأمراض السرطانية، الرئيس السابق لقسم أمراض السرطان في المستشفى التعليمي،ومدير مركز ابحاث السرطان في البصرة (لغاية نهاية العام الماضي).المهندس الفيزيائي خاجاك وارتانيان- الباحث المتخصص بالتلوث الإشعاعي لليورانيوم المنضب.والمهندس مسطر عبدالله، الباحث المتخصص بالتلوث الإشعاعي في حقول النفط،.الدكتور فارس الأمارة، الدكتور سعد متي، الدكتور قصي عبد اللطيف، والدكتور عمران سكر- أستاذ الوبائيات والرعاية الصحية في كلية الطب بجامعة البصرة، وغيرهم.
وقد حضر الفعاليتين العلميتين أكثر من 250 مهتماً من مختلف المؤسسات الطبية والتعليمية والبحثية.ونشرت تقارير مفصلة عن الفعاليتين العلميتين،وبضمنها ريبورتاجات مصورة في وسائل الأعلام الأجنبية والعراقية والعربية..
فأين كان هؤلاء quot;الأخصائيينquot; يومها؟!!
سلاح مدمر وفتاك
لم يعد سراً بأن الذخيرة الحربية التي إستخدمت ضد العراق عامي 1991 و 2003،وضد دول أخرى، مصنعة من نفايات نووية مشعة، ناتجة عن عملية تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية- صنع القنابل النووية، وللإغراض السلمية- وقود للطاقة الذرية، ولبعض الإستخدامات الأخرى..
وقد أثبتت الأسلحة المذكورة ليس فقط قدرتها الحربية التدميرية الفائقة، مخترقة ومحطمة أمتن الدبابات والمدرعات،بخاصة، وإنما هي أسلحة فتاكة، لا يقتصر فتكها على العسكريين لحظة إنفجارها،حيث تحول جنود العدو الى هياكل عظمية متفحمة، فحسب، بل وكذلك لما سببته، وتسببه لليوم، من أمراض سرطانية، وأورام خبيثة، وولادات ميتة ومشوهة،وعلل مرضية خطيرة أخرى غير قابلة للإصلاح،وستنتقل للأجيال القادمة، وسط العسكريين والمدنيين، الذين تعرضوا لإشعاعاتها.. وحتى الحيوانات والنباتات، في تلك المناطق، لم تسلم من أضرارها..
لمن يشككون بأضرار أسلحة اليورانيوم،والمنطلقين من ان إشعاعات اليورانيوم المنضب واطئة، نشير هنا الى بضعة حقائق أكدها العلم الحديث:
أولها- أثبت العلم ان لا وجود لحد أدنى من الإشعاع يمكن الجزم بأنه اَمن.
ثانيها- أثبت العلماء ان لأشعة (ألفا) المنبعثة من اليورانيوم المنضب تأثيرات جديدة، غير معروفة سابقاً وهي خطيرة، تسمى quot;تأثيرات الجيرةquot; Bystander Effects، إكتشفتها عالمة البايولوجيا الإشعاعية radiobiologist ألكسندرا مايلر Alexandra Miller - من معهد أبحاث البايولوجيا الإشعاعية للقوات المسلحة The Armed Forces Radiobiology Research Institute في في بثيسدا بميريلاند Bethesda، Maryland. بالولايات المتحدة الأمريكية.وأثبتت الدراسات الدور الكبير في تدمير أشعة الفا للبصمة الوراثية DNA وفي حدوث الطفرات والسرطانات في الخلايا التي تتعرض لها مباشرة، وهذه الخلايا تعرض جاراتها وجاراتها لجاراتها،وهكذا دواليك.
ثالثها- تكللت الأبحاث العلمية المستقلة بالكشف عن المزيد بشأن أضرار اليورانيوم المنضب، خصوصاً عقب الإنتقال الى مرحلة البحث العلمي على الخلايا البشرية، بدلاً من الحيوانات.وأحدث الأبحاث العلمية في هذا المضمار ما توصل إليه قبل أشهر عالم السموم جون وايز وزملاؤه في جامعة ساوثرن ماين في بورتلاند، ونشرته المجلة العلمية المرموقة The NewScientist، فبعد ان عرّضوا سليفات خلايا ليفية fibroblasts مأخوذة من قصبات هوائية بشرية مستنبتة الى جزيئات اوكسيد اليورانيوم، كالموجودة فى غبار اليورانيوم المنضب عند إنفجار قذيفته،فسببت طفرات في كروموسومات الخلايا، وأفنت الخلايا نفسها، وإزداد أثر السمية الجينية Genotoxic طردياًً مع زيادة تركيز الجسيمات التي تعرضت لها الخلايا البشرية،وكذلك خطر إصابة الإنسان بسرطان الرئة.
إنتشار الإشعاعات
في عام 1994،أنجز فريق بحثي عراقي متخصص، بإشراف الأستاذ الدكتور بهاء الدين حسين معروف، دراسة موسعة،شملت قاطع العمليات الجنوبي، حقلي نفط الرميلة الشمالي والجنوبي، منطقة مطار ارطاوي، المنطقة منزوعة السلاح والمناطق الحدودية الأخرى، وجبل سنام، أظهرت قياسات معدلات التعرض داخل الدروع المدمرة وحولها،والتي قيست في مختبرات هيئة الطاقة الذرية العراقية، حصول زيادة كبيرة فيها مقارنة بالقيم الممثلة للمنطقة الخالية من التلوث الإشعاعي. وبلغت الزيادة في بعض المناطق الملوثة 14 ضعفاً.وبينت نتائج التحليل باستخدام منظومة تحليل أطياف غاما، وجود تراكيز عالية جدا من النويدات المشعة التابعة لسلسلة اليورانيوم - 238 التي تنبعث منها أشعة غاما، وعلى الأخص الثوريوم - 234، البروتكتونيوم - 234، والراديوم - 226. وأثبتت الدراسة أن التلوث يعود إلى اليورانيوم المنضب.
وفي عام 1996 زار البصرة العالم الكندي هاري شارما وأجرى مسحاً،وأخذ عينات من بول ودم مرضى مدنيين وعسكريين، ووجد اليورانيوم المنضب في العينات، وتوقع ان يموت بالسرطان 100 ألف نسمة في السنوات التالية.
وفي عام 2000 زار البصرة العالم البريطاني كريس باسبي وقام بنفسه وعدته الخاصة وأمام ملايين الناس في العالم( عبر فضائية quot;الجزيرةquot;) بقياس التلوث الإشعاعي حول ركام الحرب من الدبابات والعربات، ووجده بنسب خطيرة رغم مرور 10 أعوام على إنتهاء الحرب.ليس هذا فحسب وإكتشف حصول تغيرات كيميائية غريبة تحصل في المنطقة المضروبة.
أما الباحث الدكتور جواد العلي- رئيس قسم السرطان في المستشفى التعليمي، ومدير مركز السرطان والأورام في البصرة، وعضو مجلس السرطان في العراق، فقد وضع منذ عام 1997 خريطة للمناطق التي يكثر فيها إنتشار السرطان في البصرة، وهي مناطق تعرضت للقصف،أو أن أرباب الأسر قد شاركوا في حرب عام 1991،أو أن ركام الحرب المضروب بالصواريخ الأمريكية موجود فيها. وهو يتابع منذ عقد ونيف الحالات السرطانية في البصرة وتطوراتها.وإكتشف ظواهر جديدة غير معروفة في الطب سابقاً- سنأتي عليها في القسم الثاني.
وفي أيلول/ سبتمبر-تشرين الأول/أكتوبر 2003 أجرى خبراء المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم UMRC، وهو مركز بحثي دولي مستقل،مركزه في نيوورك وله فروع في كندا ودول أوربية عديدة،أوسع مسح إشعاعي، شمل كافة مناطق وسط وجنوب العراق- من بغداد وضواحيها الى أبي الخصيب جنوباً، ووجد الخبراء، وبينهم عالم عراقي مرموق، تلوثاً إشعاعياً خطيراً في كل مكان، فاقت معدلاته، في العديد من المناطق العراقية، 10- 30 ألف مرة الحد المسموح به..
وفي عام 2004،كشف الباحث في التلوث الإشعاعي المهندس الفيزياوي خاجاك وارتانيان- من دائرة بيئة محافظة البصرة- النقاب عن إنتشار التلوث الإشعاعي باليورانيوم لبيئة البصرة،محدداً المناطق الملوثة، والتي زادت عن 100 موقع.وعرض قياسات إشعاعية أجراها هناك وتدل بما لايقبل الشك على التلوث باليورانيوم المنضب.وقد شمل المسح،الذي أجراه، مواقع تعرضت إلى التلوث الإشعاعي، وأثبت تلوثها باليورانيوم المنضب، جراء العمليات العسكرية عامي 1991 و2003.
وعن أكثر المناطق في البصرة تأثرا بمثل هذا النوع من التلوث أعلن وارتانيان بان الدراسات التي أجراها هناك أظهرت أن اغلب المصابين بالأمراض الناجمة عن التلوث الإشعاعي يسكنون مناطق قريبة من مواقع التلوث لاسيما في قضاء الزبير وأبي الخصيب والقرنة والأحياء الشعبية بالمحافظة، مشيراً إلى أن هذه المناطق كانت قد تعرضت لقصف بذخائر مصنعة من اليورانيوم، أو نقلت إليها أجزاء ملوثة من الآليات العسكرية للمتاجرة فيها دون معرفة مدى خطورتها.
وفي أيلول/سبتمبر 2005 أكد خبير بيئي دولي بأن ذخيرة اليورانيوم المنضب لعبت دوراً كبيراً في إرتفاع نسب السرطان في العراق. وأعلن الدكتور وجدي هيلو- رئيس قسم البيئة والصحة المهنية في جامعة ستوني بروك الاميركية، بأن البيئة في العراق ملوثة بدرجة كبيرة مما ادى الى ظهور العديد من امراض السرطان.
- يتبع -
الدكتوركاظم المقدادي
* د.كاظم المقدادي باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
التعليقات