نشرت (ايلاف) يوم 21 تشرين الأول/اكتوبرالجاري فتوى للسيد فضل الله جاء فيها: أفتى المرجع الشيعي اللبناني آية الله السيد محمد حسين فضل الله بعدم شرعية أي سلطة أو مؤسسة أو هيئة رسمية أو غير رسمية عراقية تسلط الاحتلال على شعبها أو تعمل لشرعنة وجوده أو إطالة أمد بقائه على أرض العراق.

فى هذه الأيام خاصة، كثرت الفتاوى من رجال الدين ودارت حول كل المواضيع الخاصة منها والعامة ابتداء من كيفية الدخول الى المرافق الصحية وليس انتهاء بالبسملة عند اختلاء الزوجين. المعروف فى عالم التجارة أن البضاعة التى تتكدس فى الأسواق يعرض عنها الناس ويصيبها الكساد ولا يعود أحد يلتفت اليها. وهذا ما يحصل للفتاوي الشرعية التى تنهمر علينا من كل جانب ومكان، فنحتار من نصدق ومن نكذب.

ومع احترامي واجلالي الكبير للسيد فضل الله، فانى أجده قد تدخل فى أمور بلدى العراق وتدخل فى شؤون سياسية ليست من اختصاصه. وحتى اذا كان من أصل عراقي، كما ذكر أحد المعلقين على الخبر، فان ذلك لا يخوله أن يحرض العراقيين بعضهم على البعض الآخر باتهام الحكومة العراقية بانها تسلط الاحتلال على شعبها، وهو يعرف جيدا ما كان يفعله الحاكم الطاغية صدام بالعراق والعراقيين، وكيف انه و بتصرفاته الهوجاء فسح الطريق أمام القوات الأجنبية لدخول العراق واحتلاله. ولا شك فى أن السيد الجليل يتذكر جيدا كيف أنه هو وأتباعه هاجموا الحكومة العراقية المؤقتة فور قيامها وقاموا بتأجيج الفتنة بينها وبين الشعب يعاونه فى ذلك السيد حسن نصر الله، حتى وصل به الأمرفى حينه الى الاتفاق مع هيئة العلماء المسلمين التى هى أول من أدخل الانتحاريين المجرمين الى العراق ليخربوه ويقتلوا شعبه.

ومما جاء فى هذه الفتوى قول السيد الجليل: أرى أن أي اتفاقية أو وثيقة أو معاهدة أو مذكرة تُعقد بين الحكومة العراقية أو أية جهة تمثّل الدولة العراقية مع قوات الاحتلال الأميركي يجب أن تأخذ في الاعتبار ما يلي:
أولاً: أن تنص على خروج قوات الاحتلال من العراق دون أي قيد أو شرط.

وهذا ذكرنى بما حدث عندما خسر أحد قواد نابليون بونابارت أحد المعارك وسأله نابليون عن سبب هزيمة جيشه، فأجابه: سيدي هناك عدة أسباب، السبب الأول هو نفاد البارود. رفع نابليون يده لقطع حديث القائد وقال: لا حاجة لذكر بقية الأسباب.

ولا أجد ان السيد كان بحاجة الى ذكربقية (الاعتبارات) اذ لا حاجة اليها، لأنه يدرك جيدا أنه لا يمكن للجيش العراقي ولا حتى لجيوش الدول العربية كلها مجتمعة أن تخرج (قوات الاحتلال) بالقوة ورغم ارادتها، وانه لا سبيل الا المفاوضات والتنازلات من قبل جميع الأطراف.

لقد شبعنا واتخمنا بالخطب العنترية والتهديدات الفارغة من وراء (المايكروفونات)، وآن لنا أن نكون واقعيين، وكما قال أحد الحكماء: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.

لا يوجد لدي أدنى شك فى ان المفاوضين العراقيين يبذلون قصارى جهدهم فى الحصول على أقصى ما يستطيعونه من حقوق من الجهة المقابلة، ويتنازلون عن أقل ما يمكن من حقوق العراق، وهذه هى الطريقة المثلى للمفاوضات.

لنسأل أنفسنا هذا السؤال: اذا استطعنا اخراج القوات الأجنبية، فمن ذا الذى يستطيع منع عودتها اذا شاءت ذلك ؟ الجواب الواضح: لا أحد.

والسؤال الآخر: مالذى سيحصل اذا ما قررت تلك القوات مغادرة البلد على حين غرة ؟ والجواب جلي وواضح أيضا: فوضى عارمة، اقتتال طائفي يذهب بأرواح مئات الألوف من العراقيين، تدخل الجيران وعصابات القاعدة، تدمير العراق كليا، وعودة الجيوش الأجنبية لاحتلال العراق ثانية.

أغلب الظن أن المحرض الأول على عدم توقيع الاتفاقية هى حكومة ايران التى تتصور أنها ستكون الرابحة، وهى بذلك على خطأ مبين. ان سياسة أحمدى نجاد الخرقاء تعرض ايران والمنطقة للتدمير الشامل. واذا كان أحمدى نجاد يظن أن حفنة من عملائه فى العراق سيستقبلون جيشه بالورود والرياحين اذا ما تجرأ ودخل العراق، فهو مخطىء، واذا ظن البعث السوري أن انسحاب القوات الأجنبية من العراق سيعيد أمجاد حليفه البعث العراقي، فهو مخطىء أيضا، واذا ظن الأكراد أن تركيا ستتركهم وشأنهم بعد الانسحاب، فهم مخطئون أيضا.

ان العراقيين خبروا الجميع، وتعلموا ان فى اتحادهم قوة وفى تفرقهم ضعف، وعرفوا من هو الصديق ومن هو العدو، ولن يفرط شيعي بسني ولا سني بشيعي، فالعراق للعراقيين وحدهم على اختلاف أديانهم وطوائفهم وقومياتهم، ولن يفرطوا ببلدهم لأي كان. وعرفوا أيضا أن ما حصل بينهم من اقتتال كان بتحريض من الغرباء، وتعلموا منه درسا لن ينسوه أبدا.

عاطف العزي

كندا