هناك كثير من الحقائق والمعطيات التي بدأت تتوضح عن قرب حسم الحالات الشاذة التي تحكم العلاقة بين ما يسمى سلطة الأقليم في شمال العراق وأنتزاع الكويت من العراق وما رافقه من تدمير شامل لكل نواحي الحياة في العراق، فمنذ أحتلال العراق في 2003 عاشت الأحزاب الكردية القومية فترة تمدد ونفوذ شملت مناطق شاسعة من ارض العراق اسموها بالمناطق المتنازع عليها زورآ، مستندين على وجود أقلية كردية فيها كما هو الحال في اغلب مناطق العراق، لكن الملاحظة الجديرة بالأهتمام بأن أغلب هذه المناطق هي مناطق غنية بالنفط أو مكامن للغاز والنفط، وهذا دليل على النوايا المبيته والأجندات لتمزيق الوطن العراقي.
أن هذه العلاقة التي تحكم المركز بالأقليم الآن،، هذا المركز الذي يراد له أن يكون ضعيفآ لدرجة لا يستطيع القائد العام للقوات المسلحة أن ينقل أحد قادة الألوية إلا باستشارة (رئيس أقليم كردستان ) ولا يستطيع المركز أن يتفاوض مع بعض الدول لتسليح الجيش العراقي لحماية البلاد إلا بأخذ موافقة( رئيس الأقليم)، ولا يستطيع المركز أن يمنع انتشار الميليشيات الكردية خارج المحافظات الثلاث التي يهيمن عليها أتباع (رئيس الأقليم) وحاشيته، فهذه العلاقة شاذة بكل المقاييس ولا يمكن لشعب العراق القبول بها حتى لو ارتضى بعض السياسيين السكوت عنها وتمريرها لمصالح ذاتيه نفعية من هذه العلاقة نستنتج بأن رئيس الأقليم هو الحاكم الفعلي في العراق وهو الآمر الناهي وهذه العلاقة الغير متوازنة تبتعد حتى عن مفهوم التوافق الضبابي الذي به يحكمون ويتقاسمون العراق بكل ما فيه،، فالحكومة المركزية لا تستطيع التدخل أو أبداء الرأي أو الأعتراض على أي خطوة تتخذها ما تسمى بحكومة الأقليم بالمقابل نرى تحكم الأقليم بالمركز واضح وضوح الشمس وكما بينا اعلاه.
هناك ظروف ومتغيرات يجب على حكومة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي أستغلالها وعدم تفويتها،، منها هذه الصحوة الكبيرة لكثير من اعضاء البرلمان العراقي بتصويتهم على قانون مجالس المحافظات المثير للجدل وما تعلق منها بقضية كركوك المحورية تحديدآ، وأستثمار العلاقة الجيدة التي تربط تركيا بايران والتنسيق معهم وتبيان خطورة الأوضاع في شمال العراق وشرح ابعاد ومخاطر الدعوات القومية الصادرة من السيد مسعود البرزاني لأثارة المشاكل في تركيا وايران وطموحه في أن يكون الزعيم الأوحد للأكراد ومحاولته المستمره لبسط نفوذه على مدينة السليمانية ومحاولة تحجيم نفوذ خصمه السيد جلال الطلباني والمزايدة على مواقفه للتربع على عرش الزعامة الكردية، أما المسالة الأخرى المهمة في عملية تحجيم الدور المتنامي هو تقليل نسبة ال 17 % والتي تقدر بأكثر من عشرة مليارات دولار، فهذه الأموال تستخدم لشراء السلاح تحضيرآ لمقاتلة الدولة العراقية، وزيادة الولاءات، وقلما يستفاد منها المواطن الكردي البسيط في مناطق الحكم الذاتي الذي اصبح يئن من وطأة العوز والفقر وقلة الخدمات مع هوة شاسعة اصبحت تفصله عن طبقة الموالين والحاشية فالفساد في الأقليم اصبح ظاهرة واضحة تناولتها كثير من صحف العالم لكن العجيب بأن السيد البرزاني في حديثه الى الصحف والقنوات الفضائية في الأقليم صرح بأنه لا يرى وجود للفساد وهذا من حقه لأنه يرى مظاهر الرفاهية على وجوه الذين يراهم فقط.
أما المسالة المهمة الأخرى التي توجب على الحكومة العراقية توظيفها فهي مسألة الصحوات فهذه التشكيلات التي حاربت القاعدة هي بديل جيد للأستعاضة عن الذين لا ولاء لهم للعراق فإحتضانهم وتأهيلهم وزجهم في بعض المؤسسات الأمنية هو قوة مضاعفة للعراق، فقد كثرت الأقاويل المغرضة بهذه القضية ومحاولة البعض لزرع فتيل أزمة أو فتنه جديدة لأستغلالهم لموضوع الصحوات وتحريفه، فهذا عضو البرلمان السيد محمود عثمان عن التحالف الكردستاني وفي محاولة مكشوفة للفتنة يصرح بأن الحكومة تنظر للصحوات على أنهم كانوا من عناصر القاعدة فيجب تصفيتهم، أضافة لكل ما تقدم هناك تململ أمريكي وأنزعاج أصبح واضحآ من محاولات الأكراد التوسع والهيمنة على مناطق كثيرة من ارض العراق وجعلهم الجيب المقام في شمال العراق ملاذآ آمنآ لحزب العمال الكردستاني الذي يقوم بعمليات ارهابية كبيرة ضد الجاره تركيا الحليف السيتراتيجي للولايات المتحدة في هذه المنطقة من العالم، في محاولة لزعزعة أستقرارها وتقسيمها وهو يحظى بالرعاية والدعم وجزء من الميزانية المخصصة للأقليم تذهب أيضآ لمقاتلي هذا الحزب وتسليحهم، كل هذه الظروف تجعل من الحكومة العراقية في موقف جيد في نزاعها المشروع مع الأحزاب القومية الكردية التي تمثل خطر فعلي آني ومستقبلي على العراق عامة وحتى على المنطقة الكردية في شمال العراق التي تنعم بنوع من الهدوء النسبي بصورة خاصة، فتركيا لا تستطيع السكوت الى ما لا نهاية وهي تتلقى الضربات الموجعة من حزب العمال الكردستاني الذي يهاجمها من شمال العراق.
أن الاجتماع الذي حدث في دوكان مؤخرآ والذي ضم الحزبين الكرديين أضافة الى المجلس الأعلى والحزب السلامي للضغط على رئيس الوزراء لتخفيف شروطه والموافقة على تقسيم الكعكة العراقية على طريقتهم هو اجتماع لا يقدم ولا يؤخر وهو محاولة للهروب من الضغوط التي يتعرض لها السيد مسعود البرزاني والتي أشرنا الى بعض منها اعلاه، لكن يجب أن نلفت النظر الى أن الذين حضروا الأجتماع هم لا يمثلون إلا نسبة بسيطة من الشارع العراقي فالحزب الأسلامي أصبح لديه منافسون كثر على الساحه السياسية العراقية فالصحوات اصبحت تنظيم سياسي تتقاطع مع طروحات الحزب الاسلامي وخير مثال صحوة الأنبار التي تتهم هذا الحزب ليل نهار بالتعاون مع القاعدة وتقاسم النفوذ معها قبل سنتين، اضافة لظهور كثير من من الشخصيات العلمانية والتي أصبح لها حضور على الساحة العراقية، علاوة على أن المشروع الاسلامي الطائفي نفسه قد أنتحر وأصبح لا يحظى بنفس التأييد والشعبية على المستوى العراقي عامة والسني خاصة الذي ضاق ذرعآ بالتوجهات الطائفية والجرائم التي لصقت به وهذا الشارع يعرف أيضآ بأن العراق لا يمكن قيادته بعد الآن بهكذا نوع من الأفكار المتزمتة وفيه كل هذا التنوع، فعلى الحزب الأسلامي وغيره أن يبتعد عن التحالفات المشبهوة التي تستهدف وحدة العراق فزواج المنافع والمصالح الشخصية لا يدوم ومحكوم عليه بالفشل لأن الأسس التي يقوم عليها غير صحيحة،، وهذا الحزب سوف يكون اول من يصطدم بالتحالف الكردي بالنسبة للمناطق المتنازع عليها والتي يدعي بأنها مناطق نفوذ له وفي اي احتكاك بسيط، أما المجلس الأعلى ونتيجة لتحالفاته التي نسجها مع قوى تعمل على فدرلة العراق تمهيدآ لتقسيمه وأرتباطاته بالأجنبي جعله بدون اي غطاء شعبي وقادته يعلمون جيدآ بان أي انتخابات نزيهة تجري مستقبلآ في العراق سوف لا يحصل إلا على خمس مقاعد او يزيد قليلا وهي اصوات الإيرانيين الذين عمل على تجنيسهم عندما كان يمسك بوزارة الداخلية وليس لهذا الحزب اي قاعدة شعبية سوى أنه يملك ميليشيات تبطش وتغتال الطبقة المثقفة ويجزل العطاء لأنه يهيمن على وزارة المالية والنفط.
أن على العراقيين من كافة الأتجاهات والمشارب السياسية مؤازرة التوجه في تقوية المركز والسلطة المركزية وبسط سلطة الدولة على كافة أرجاء العراق فهو الضمانة للمحافظة على العراق واحدآ موحدآ ورفض كل المسميات الأخرى تحت يافطة الفيدرالية واللامركزية ونظام الأقاليم فهذه المسميات ظاهرها براق يوحي للمتلقي البسيط بأنه طفرة نوعية في شكل وطريقة نظام الحكم تتيح مزيدآ من الديمقراطية والقضاء على البيروقراطية والروتين وتجلب الرفاهية، لكن باطنها شر مستطير يستهدف العراق ووحدته وتماسك نسيجه الأجتماعي، لأن القائمين على هذه العملية مشكوك بنواياهم وولاءهم واخلاصهم للعراق.
حيدر مفتن الساعدي
[email protected]
التعليقات