يمكن للوفود الكردستانية التي تذهب الى بغداد للحوار حول التوترات و التشنجات التي تحصل بين أقليم كردستان وبغداد، أن يكون لها أكثر من حجة للتنديد بالتحشدات العسكرية للجيش الإتحادي، في مناطق كركوك أو خانقين، على الطريقة التي تريدها الحكومة الإتحادية. والحجة الأساسية هي أن لا يُهضم، من البداية، المطلب الذي يتمثل في ترجيع حدود أقليم كردستان الى قالب عبارة الخط الأزرق، أي إرجاعها الى المساحة الجغرافية-السياسية لما قبل عملية تحرير العراق 9/4/2003. ففي هذا المضمار يمكن أن تُفهَم الحكومة العراقية من بعض المعاني الخطيرة لمطاليبها وقراراتها لكي لايضطر الطرف الكردي أن يأخذ هذه المطالب والقوانين بمحمل الحساسية والتوتر، أو يقرأ بعض منها بـ( نظرية الموآمرة).


ويمكن أن يقول الوفد للحكومة العراقية بصراحة أن هدف مشاركة الشعب الكُردي في عملية تحرير العراق لم يكن وحسب إنهاء الأستبداد في البلاد. وأن تُفهِم الحكومة الإتحادية من أنه إذا كان من يعتقد أن صراع هذا الشعب في العقود الأربعة الماضية لنظام صدام كان نتيجة لأحقاد مُسبقة تجاه ذلك النظام أو تجاه الدولة، فأنه مخطئ. فالكرد رغم فاجعة حلبجه وحملات الأنفال المشؤومة وعشرات الآلآف من الشهداء، كانوا على أستعداد أن يدخلوا وبجروح عميقة في عام 1991 في التفاوض، وذلك مع نظام، كان يعيش، حتى ذلك الوقت، جزءاً كبيراً من أبناء شعب كردستان العراق تحت رحمة مخيمات اللاجئين داخل الحدود الإيرانية والتركية خوفاً من أستبداده وقمعه. وجلس الكرد مع سلطة كانوا يعلمون مُسبقاً بأنها بمثابة جلسة الضحية مع الجلاد، ولكن الأمر الذي حكم عليهم أن يؤمنوا بهذا التفاوض والحوار هو المبدأ الذي كان يفيد أن الصراعات الدموية للكُرد كانت لأجل الحصول على حقوقهم القومية والسياسية وهذه الحقوق لا تمنع حركتهم السياسية من أن تحتكم بأساليب وأنماط مختلفة من النضال. كما أن إيمان الشعب الكُردي بالحوار والتفاوض كان من أجل إثبات أمر آخر هو أن صراعهم مع النظام ليس مرهوناً بشيء آخر سوى إعترافه بهذه الحقوق المشروعة، عدا ذلك، ليس هناك أي سبب لأن يضطر الكُرد للمقاومة والقتال الدموي مع الدولة.


وكذلك يمكن للوفد الُكردي أن يُذكر الحكومة الإتحادية أن مشاركة الُكرد في عملية تحرير العراق من نظام صدام، كانت، بالدرجة الأولى، لأسترداد الأراضي المحتلة لكردستان مثلما يناضل الفلسطينيون لأستراد أراضيهم المحتلة من الصهاينة و وقفوا الكرد مع نضالهم هذا، وأن الإطاحة بالنظام البائد، بالنسبة للكُرد، كان الهدف منها هدفاً أخلاقياً أكثر من أن يكون هدفاً سياسياً. فالكُرد ليس لهم أصلاً أية مشكلة مع السلطات السياسية في العراق إذا ما أعترفت بحقوقهم ولا داع لأن يُنظّر أحد لذلك، والعكس الصحيح، بمعنى أن أية سلطة في البلد تروم النظر لحقوقهم ومكانتهم وكيانهم بعين ما كان سائداً قبل عملية تحرير العراق، يعني لهم ذلك وكأنه لم تحدث عملية التحرير أساساً، ذلك لأن النظام السابق، رغم جبروته و إستبداده و فاشيته التي أقر بها مبكراً - و تحديداً في أواسط الثمانينات - حتى إدوارد سعيد ( 1935- 2003)، أحد أبرز المفكرين الناقدين لحرب أمريكا على العراق، لم يكن لديه مشكلة معينة مع ديفاكتو حدود أقليم كردستان لمابعد الإنتفاتضة 1991، بل كان يعترف حتى بكوردستانية خانقين، مما يعني أن السبب في قتال الكُرد ضد نظام صدام كان راجعا فقط الى النزاع بشأن هذه الحدود، أي إعتبارها حدوداً مصطنعة ووليدة عنف الدولة، فرضها قدر سياسي تاريخي وأنها ما قامت طوال العقود الماضية بحراسة هذا القدر كانت ndash; للأسف - سياسات التطهير العرقي ولغة القوة والأستبداد والعنف لا الوثائق والأرقام والأحصائيات والوقائع الديمغرافية.


عندما تعلن الحكومة العراقية أن حدود أقليم كردستان هي حدود ما قبل 9/4/2003، لاتفهم، على ما يبدو، خطورة معاني عباراتها هذه و وقعها السلبي على سايكولوجية المواطن في الأقليم، ورغم أنها لاتفهم ذلك وتَجرَح شعور مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي، لاتُظهر أيضاً أن في نيتها تطبيق المادة الدستورية المعنية (140) التي ستقرر مصير جزءاً كبيراً من حدود كردستان العراق الجيو-سياسية والديمغرافية و تُخَلّص الحكومة الإتحادية من مشاكلها لتتفرغ هذه الأخيرة لحل المشاكل الحيوية التي تتهرب منها سيما المشاكل الخاصة بتقديم الخدمات و المشاريع و مشكلات البطالة و الفقر و البؤس الإجتماعي و المعيشي و الوجه المتخلف للمدن العراقية و حالها الحضري المتردي فضلاً عن توفير المياه الصالحة للشرب و إحتواء الأوبئة و الأمراض الخبيثة المتفشية في المحافظات العراقية الجنوبية و الوسطية لا أن تنفق حكومتنا الإتحادية المليارات الدولارات على الترسانة العسكرية و الجيش و بالتالي تُحشده على أبناء الوطن الواحد في كركوك و خانقين، أي تنتهج ما كان ينتهجه النظام السابق.


بإمكان القيادة الكردستانية أن تخبر بصراحة حكومة بغداد أن الكُرد لايمكنهم الرضوخ لمنطق إعادة التاريخ لنفسه، وأنهم ليسوا بمعارضين للدولة ولايمكنهم أن يقبلوا أيضاً بالتعاطي معه بلغة العنف والقوة، وإذا كان الإعتقاد هو أن حدود كردستان العراق السياسية هي فقط ما وضعها وفرضها قسراً النظام السابق، فعندئذٍ على الحكومة العراقية، في الوقت نفسه، أن لاتتعصب!من أن يوهب الكُرد، إحتياطاً منه، كل وسائلهم وإجراءآتهم اللازمة حتى لاتُفرَض عليهم ثانيةً السياسيات التي يعتبرونها مجحفة، عنينا الإحجاف الذي يشهد تاريخ العراق المعاصر نفسه على أنه كان مصدراً كبيراً للصراعات والتوترات التأريخية للكرد مع الدولة العراقية.

عدالت عبدالله

* كاتب و باحث كردي عراقي