لسنا بصدد الترويج أو التمجيد لرغبات شخص أو مجموعة من الشخوص للمغامرة بمستقبل العراق والعراقيين ولن نكون يومآ ما من هؤلاء المروجين، لكننا أمام مرحلة تتطلب منا جميعآ دعم ومؤازرة كل جهد أو موقف وطني يصب في مصلحة العراق وشعبه،ولا نعتقد بأن الدعوات لتغيير الدستور وشكل الدولة هي لأغراض أنتخابية من أجل الظفر بأكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين فيما يسمى بأنتخاب مجالس المحافظات كما يروج البعض.


أننا أمام واقع يحتم علينا جميعآ الشعور بالمسؤولية المضاعفة تجاه العراق الذي يسير كالسفينة في بحر هائج متلاطم فأما الوصول الى بر الآمان أو تغرق هذه السفينة بمن فيها وقتها لا ينفع معها ندم،ورغم التشكيك، والظنون، والأتهامات والهجمة الأعلامية الشرسة التي نالت من تصريحات رئيس الوزراء من الجهات التي تتعارض مصالحها الضيقة مع وجود عراق قوي مستقر ومزدهر، وهذه الأطراف ترى بأن بقاء العراق في حالة عدم الأستقرار وهشاشة الأوضاع الأمنية هي فرصة ذهبية لتنفيذ مآربها وتحقيق طموحاتها الغير شرعية، وعلى العكس من توجه هؤلاء فقد نالت هذه الدعوات رضى وأستحسان الشارع العراقي برمته، فحكومة مركزية قوية وتغيير الدستور هي مطلب شعبي عراقي، وتشكيل صحوات أو مجالس أسناد في كل محافظات العراق وتسليح العشائر العراقية والأعتماد عليها في أسناد المركز هي ضرورة وطنية ذات أولوية قصوى في هذه المرحلة التي يمر بها العراق، فلا حل للأزمة العراقية المتفاقمة إلا بسلطة مركزية قوية تفرض هيبتها ووجودها على كامل التراب العراقي مع أعطاء هامش من الحريات للمحافظات، فبعد سقوط بغداد عام 2003 وما رافقها من أحداث دموية سوف تبقى محفورة في ذاكرة العراقيين لأجيال قادمة ضاعت مع هذا السقوط ملامح الدولة العراقية وأصبح الوضع عبارة عن فوضى عارمة وتدهور أمتد ليشمل معظم نواحي الحياة، وتخبط حقيقي بين الأطراف التي تدير العملية السياسية هؤلاء الذين فقدوا الرؤيا على تحديد مفهوم وشكل الدولة المراد تشكيلها بعد الأحتلال يتحركون حسب مصالحهم أن كانت شخصية أو طائفية أو عرقية، والبعض ينفذ أجندة بعض دول الجوار في العراق كما يحدث في البصرة وتدخل الكويت ودولة أيران السافر في شؤون هذه المدينة العراقية خاصة التي تستصرخ الآن كل العراقيين الشرفاء للذود عنها فلا عراق بدون بصرة وهذا ما يحاول هؤلاء العمل على تحقيقه أي سلخ البصره لينتهي العراق كدولة لا سامح الله.


لا مانع من أن نستفيد من تجارب الآخرين فيما يخص شكل الدولة والطريقة المثلى لبناءها وقيادتها لكن لا يمكن أن نسقط تجاربهم بالكامل على الواقع العراقي مرة واحدة،وقد أثبتت تجربة ما يسمى بالأقاليم والحكومات المحلية طيلة الخمس سنوات الماضية فشلآ ذريعآ حيث شهدت هذه الأقاليم عمليات فساد وأستيلاء على المال العام أضافة لأستعمال الأموال المخصصة لما يسمى بمصطلح تنمية الأقاليم للترويج وترسيخ الأنفصال عن العراق وشراء الأسلحة لمقاتلة السلطة المركزية والتي طالبناها وطالبنا برلمانها مرارآ بخفض نسبة الأموال التي ترصد لما يسمى بالأقاليم وهم ماضون في بناء جيوش لهذه الأقاليم لا يربطها بالمركز أي رابط سوى التمويل وتسليح هذه الجيوش تسليحآ حديثآ ليس لمقاتلة دول الجوار أو الدفاع عن الأقاليم المزعومة بل لأستعمالها ضد المركز وضد الشعب العراقي عامة.


أن دعوات المالكي ومطالبته بحكومة مركزية قوية ولو جاءت متأخرة لكنها خطوة في الأتجاه الصحيح وأعتراف بفشل العملية السياسية المشوهة التي بنيت على المحاصصة والتوافقات وبعيدة حتى عن مفهوم الديمقراطية الذي يتشدق به البعض ويرفعه شعارآ وينتهكه مرارآ عندما يتقاطع مع مصالحه الفئوية الضيقة وقد حدث هذا جليآ عند التصويت على المادة 24 الخاصة بأنتخاب ما يسمى بمجالس المحافظات وخاصة في ما يتعلق بمحافظة كركوك التي يحاول البعض الأستيلاء عليها بشتى الوسائل، عدا عن سلسلة طويلة من الأنتهاكات لدستور ضبابي هم كتبوه.


لم تكن مكاشفة المالكي للشعب العراقي ومصارحته بالصعاب التي تواجهها الحكومة في عملها من قبل بعض الأطراف الطامعة والمعرقلة مجرد حدث عابر أو خلاف سياسي بين هذا الطرف أو ذاك بل ليضع الجميع أمام مسؤولياتهم وليقل للأنتهازيين وقناصي الفرص الذين يرفعون شعارات الوطنية بأن الوضع في العراق وصل الى هذه المرحلة من السوء ومحافظات مثل كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين والتي يدعي البعض تمثيلها تنتهك يوميآ وأن لم تنتخوا لها وتتركوا المزايدات سوف تضيع، ويعلم المالكي أيضآ بأن لجوءه الى الشعب هو الخيار الناجح لتعرية كل الذين يزايدون بالشعارات نهارآ ويملئون الفضائيات ضجيجآ ويعقدون الصفقات في الليل لجني المكاسب والأرباح على حساب الوطن، ونتيجة التجربة فقد أدرك المالكي طبيعة الشعب العراقي ومزاجه الرافض لأي محاولات للنيل من الوحدة الوطنية عن طريق بعض المفاهيم التي يحاول البعض أدخالها على العقل العراقي لتطبيعه عليها مثل الفيدرالية ونظام الأقاليم تمهيدآ لتقسيم العراق، ولا يمكن أن يبقى الوضع هكذا هشآ محكوم بتوازنات دقيقة أن أنفرطت أنفرط كل شئ وأصبح العراق في مهب الريح.


نعم هنالك الكثير من الوطنيين العراقيين لا زالت تساوره الشكوك برغم تأييدهم ما جاء على لسان رئيس الوزراء من دعوات وتصريحات بخصوص التعديات التي تمارسها بعض الجهات وتجاوزها لكل الخطوط الحمراء، وتهديدها لوحدة العراق، وأستقراره، وسلامة أراضيه، ويعتبر هؤلاء بأن هذه التصريحات ربما تكون مجرد بالونات أنتخابية لرفع رصيد شعبية حزبه في أنتخابات مجالس المحافظات،ما لم تقترن بالأفعال وأولها العمل الجاد والدؤوب على رفض ما يسمى بالدستور وتحشيد الرأي العام العراقي ضده وضد أغلب بنوده فلا فيدرالية ولا أقاليم في بلد موحد ولا مصطلح الحكومات المحلية والأستعانة عنه بمصطلح المجلس البلدي، ولا عراق أتحادي وهو أصلآ عراق موحد، فمزيدآ من المواقف الوطنية الواضحة والملموسة والصلبة حتى تستمر جذوة هذا التأييد والتلاحم الشعبي الرائع الذي نتج عن هذه التصريحات، والرافض لأي مساس بوحدة العراق.


حيدر مفتن جارالله الساعدي