يتحفنا بعض السلفيين في بقاع الأرض، وخصوصاً في أستراليا، بين فينة وأخرى، ما يجلب عاراً كبيراً على الإسلام والمسلمين المقيمين بالبلد.
هذه الفئة المنعزلة شعورياً ونفسياً عن عالم الواقع، والمرتبطة بجفاف حرفي قاتم بنصوص غير قابلة للتأويل والنقاش، على صحتها ووضوحها عندهم، يطرحون باستمرار أفعالاً شنيعة، غاية في الشناعة، بسم الإسلام!
وفي نهاية كل مهزلة يخترعونها هم، يعود وبال الشناعة، وثقل العار على المسلمين بشكل عام، ناهيك عن تصوير الإسلام للآخرين غير المسلمين أنه دين القتل والذبح والتفجير!
ومعرفة هؤلاء سهلة لدى أول نظرة. والنظرة الأولى كافية لإدراك كينونة هذه الفئة وجوهرها الملئ بالفضاوة.
الشعر القصير جداً أغلب الأحيان، لحية طويلة كلّ شعرة بإتجاه، دشداشة بيضاء قصيرة، أو لون آخر، تعلو الكعبين، أحذية/ نعال مفتوحة الأطراف تنبئك أن الرجل المحشور في هذه الهيئة سلفي/ أو وهابي بتعريف آخر. وحين تجد خلفه إمرأة متشحة بالسواد، يختفي وجهها خلف نقاب أسود، فمعنى ذلك أن الرجل يعتبر نفسه على صراطٍ مستقيم مائة في المائة، ومن السهل أن يكفّرك لمجرد أن تبدي رأياً يخالف هواه!
هذه الهيئة تشرح لك كيف أن هكذا فئة مرتبطة بالمظهركليّاً، وغافلة عن الجوهر الكامن في رسالة الإسلام، ومقاصد الأشياء في وجودها، تنهش الإسلام والمسلمين بجهل ثقيل الحمل ومزمن.
المشهد لا يبدو ترجماناً للواقع الحيّ المعاصر. فقد يأخذك الخيال في المشهد المذكور بعيداً بعيداً إلى حيث عمق تأريخي سحيق، وكأنك أمام ممثلين يؤدون أدوار تمثيلية تأريخية، فاقتضت الحال هذه الهيئة والديكور الّذين يتمتع بهما السلفييون الأنقياء!
وفي العالم السلفي يصبح الحديث عن إعمال الفكر، وإستعمال العقل أموراً تافهة، مادامت هناك نصوص صحيحة السند وثابتة، لا مجال معها للإجتهاد والعقل سوى الخضوع دون نقاش أو إختبار.
يُلاحظ عند هؤلاء، أن الحديث النبوي، الأكثر حضوراً والأعلى شأناً في اليومي من الحياة، وفي الشؤون العامة والخاصة. أي أن القرآن ضمناً لمن يلاحظ بدقة، يفتقد إلى الأولوية في المستوى المرجعي للقرار والتحديد. وهناك تفرّد كامل لتغليب المذهب الحنبلي (أحمد بن محمد بن حنبل 164هـ ـ 241هـ) الذي يقف على أقصى درجات التشدد في الإلتزام بحرفية النصوص. ويعد صحيح البخاري (194هـ ـ 256هـ) صحيحاً كاملاً لا ضعف فيه ولا إختلاق، بالرغم من تدوين الحديث بعد وفاة الرسول (ص) بقرنين من الزمان!
وفي العموم يغلب التفسير البدوي على رؤية هؤلاء. والحياة البدوية بسيطة لا تعقيدات فيها. الأمور عند البدوي واضحة وسهلة لا تحتاج إلى جهد فكري. المشاكل تحدث بسرعة وببساطة، وحلها بسيط وسريع في آن. لذلك فليس من الغريب أن تخلو بلدان مثل التي تسود فيها الوهابية، من أي فيلسوف عبر التأريخ. والسبب ببساطة لأن نمط الحياة لم تستدع وجود فيلسوف، فضلاً عن كون الفلسفة في هكذا مساحات بمثابة خزعبلات، تماماً كما يسميها علماء البدو!
لكن مواجهة هذا العالم المترامي الأطراف والمعقد والمتطور بهكذا عقلية ساذجة، ستخلق أزمات ومشاكل عظيمة، من النوع الذي نعاينه ونعيشه في واقعنا المعاصر!
هؤلاء السلفييون يسمون مكاناً مثل أستراليا دار حرب، لكنهم وعلى خلاف أحكام دار الحرب أي دار الكفر، يقيمون فيها ويتنعمون برفاهها، ويذوقون حلاوتها. وفي مقابل ذلك لا تمنع أستراليا هذا الحق في التفكير والتصور لدى القوم نحوها (لأن ذلك يعد من باب حرية الرأي). وأستراليا لم تألو جهداً في منح هؤلاء حق المواطنة والحقوق المترتبة على ذلك من رواتب سخية من دائرة الضمان الإجتماعي (centrelink or social security)، وجواز سفر محترم لا يحتاج إلى تأشيرة دخول في أغلب بلدان العالم.
وبدل أن يستثمر هؤلاء هذه الفرصة الذهبية لتطوير القدرات العلمية والثقافية، لإعطاء صورة جميلة عن أنفسهم ودينهم، والإستفادة من التطور الحضاري في أستراليا ونقل تجربتها ما أمكن إلى بلدانهم التعيسة، إن كانوا مخلصين لديار الإسلام، التي يُكوى في بعضها الرجل الذي يحضر صلاة الفجر في المسجد، أو يطلق لحية الإلتزام بالدين، نجدهم هكذا في رخاء ومرح النعيم، يجلسون في الجوامع وخلف أجهزة كومبيوتراتهم، يملئون بيانات التهديد الفارغة ويبعثونها إلى الإعلام بهدف خلق الذعر في أوساط الشعب الأسترالي، وخلق الضغوطات النفسية على المسلمين المهاجرين إلى أستراليا، وخلق الأحقاد والضغينة تجاههم من قبل الملل الأخرى!
هذا ما حدث مع مجموعةٍ حكمَ القضاء الأسترالي بالسجن على أفرادها لبضع سنين، لأنهم كانوا يخططون لتفجير التجمعات المدنية في ملاعب التنس، والكريكيت، وكرة القدم، ومحطات القطار والحفلات والمهرجانات، quot;ثأراً لإخوانهم المسلمين في العراق وأفغانستانquot; حسب زعم هؤلاء!
كما وأن بيانات متضاربة، بدأت تخلق الشكوك لدى الناس، أن الحرائق التي ضربت ولاية (فيكتوريا) الأسترالية في الآونة الأخيرة، قام بها إسلامييون منخرطون أو موالون للقاعدة وتعاليمها!
ولو لم نر أمثال هؤلاء يطلقون تصريحات فارغة وجوفاء ومخجلة على شاشات التلفزيون، دون أي خجل حضاري، لآمننا أن هذا الصخب الإعلامي ليس سوى مؤامرة على الإسلام والمسلمين!
هؤلاء كذابون، بكل ما في الكلمة من معنى، في ما يدّعون من القيام بهذه المهرجانات الكلامية غيرة على الإسلام والمسلمين!
فأبسط قواعد إلتزامهم الحرفي بالإسلام يُلزمهم إن كانوا صادقين، أن يذهبوا إلى حيث تستقر مجتمعات إسلامية في بلاد الله الواسعة، ليشاركوها عيشها الإسلامي وأجر مقاسمتهم المحنة والآلام!
وإن كان بعضهم يدعي أنه ملاحَق في دولته (حجّة عليه لا له)، فإن دولة أخرى مسلمة تفتح الأبواب له حتماً ودون مشكلة. فالتونسي الذي لا يقدر على العيش في تونس يقدر العيش بأمان في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو أي مكان آخر. واللبناني والعراقي والسوري والجزائري على المنوال نفسه.
وعلى الأقل يقدرون على البقاء في دول مسلمة غير عربية، مثل أندونيسيا، باكستان أو غيرها في أسوأ الأحوال.
وبالطبع هناك الجوامع، والآذان، والمجتمع المسلم الذي يحتاج إلى العلوم الشرعية من قبل quot;هؤلاء الفطاحلquot; إن آثروهم على أنفسهم في سبيل الله!
ولكن شتان بين العيش في الفاقة والفقر، وبين العيش الرغيد الطيب السهل في أستراليا!
إن الحديث في هذا الشأن بالنسبة لي وقد قضيت أعواماً طويلة في هكذا فضاء، يُعد مملاً إلى درجة كبيرة في البحث عما يدحض هؤلاء الذين يجلبون للمسلمين والمهاجرين الشرقيين في بلاد الغرب، العار بعد العار والثقال بعد الثقال!
ولكن ليطمئن قلبك، حول مدى الإنحطاط الحضاري للمسلمين عموماً وهذه الفئة على الخصوص، يكفيك تجوال سريع في مناطقهم وأسواقهم وحتى جوامعهم حيث الفوضى والوساخة والإهمال، ومن ثم مقارنتها بمناطق الغربيين، الجميلة والنظيفة، من الّذين يُعدون كفّاراً أنجاساً في نظر هؤلاء!
إن مقارنة بسيطة بين نظافة دورات المياه في مقاهي وبارات الأستراليين، وبين وساخة دورات المياه في جوامع ومساجد المسلمين تشرح لك الفاصل الحضاري بين الفئتين!
في كارثة حريق الغابات في أستراليا، ضرب الأسترالييون أروع مثال في الوقوف بوجه هذه المحنة. فرئيس الوزراء (كيفن راد) وكبار مسئولي الدولة، ذهبوا وسط النيران وبقوا مع الضحايا أياماً وليالي ليشاركوا معاناتهم، ويخففوا عنهم ثقل الكارثة. وتجمعت على الفور الملايين من الدولارات لمد يد العون للضحايا. والآلاف من المتبرعين هرعوا لإنقاذ ومساعدة المصابين الهلعين والمشردين. والأسترالييون أنفسهم فتحوا بيوتهم لإستقبال العوائل، التي فقدت بيوتها ومنازلها بسبب الحريق.
وحاز مقطع فيديو لرجل متبرع ذهب لإنقاذ الضحايا، وهو يسقي ماء القناني لحيوان صغير (كوالا) على إنتشار كبير بين الناس لسموه ورفعته الأخلاقية.
كنت أكتب هذا المقال وبين فينة وأخرى أعود إلى الإنترنيت لمتابعة الأخبار، وإذا بي أقرأ هنا وهناك من جهلاء أبتلينا بهم في عصرنا، يطلقون التهديدات والصيحات ضد quot;ديار الكفرquot; في أرجاء المعمورة، فيما هم يخفون مؤخرتهم قبل مقدمتهم في ملاجئ الأرض وجحورها!
علي سيريني
لمشاهدة فيديو الرجل الأسترالي وهو يروي quot;كوالاquot; الماء إضغط إن شئت على الرابط الآتي:ـ
http://www.youtube.com/watch?v=do9AoKyjjQgamp;eurl=http://video.google.com.au/?hl=enamp;tab=wv
التعليقات