الأستاذ فؤاد الهاشم استلم سورية quot;عشرة بلديquot;، وما عاد quot;يحل عنهاquot; أبداً ويتركها في شأنها، كما نتركه نحن، وشأنه، ولا نلتفت له، ورغم أن هذا quot;الاستلامquot; قد طلع كله quot;فافوشquot; وعلى quot;الفاضيquot; وقبض ريح، والاختلاق والتجني بلغا حدوداً يجب فيها التصحيح والتوضيح احتراماً للحقيقة ولعملنا المهني، ولعقل قارئنا الكريم. ففي آخر مقال له في صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 15/2/2009، بعنوان رسالة من الطيار السوري، يخبرنا الأستاذ الهاشم بأنه تلقاها ndash; الرسالة- عبر quot;مصدر أوروبي موثوقquot;، من الطيار السوري بسام العدل الذي فرّ ذات يوم من عام 1989 بطائرته الميغ 29 وحط بها في إسرائيل، ينقل لنا ما يلي:

quot;قلنا - في المقال السابق - إنه عاش في اسرائيل لمدة سبع سنوات، ثم سافر الى الولايات المتحدة الامريكية وبحوزته المليون دولار، لكنه - بشطارته وجهده ونشاطه - استطاع ان يجعلها تصل - اليوم - الى ثلاثة عشر مليوناً وسبعمائة الف دولار بعد ان افتتح سلسلة مطاعم شهيرة تعمل عبر المحيط ما بين الارض الجديدة laquo;امريكاraquo; والقارة العجوز laquo;اوروباraquo; والطريف في الموضوع ان العديد من السفارات العربية - في كلا الجانبين - تستعين به لتجهيز حفلاتها الدبلوماسية نظرا لما تميزت به سلسلته الشهيرة من طعام مميز، وقد تزوج واصبح لديه اولاد وهو الان في الرابعة والاربعين من عمره ويقول: laquo;لو عاد بي الزمن الى الوراء لما ترددت لحظة واحدة في تكرار ما فعلته، بل انني نادم لكوني قد تأخرquot;. (انتهى الاقتباس الحرفي وكما ورد في النص الأصلي).

وقد تبدو القصة بهذا الشكل المنقول والمنحول رومانسية وجذابة، وذات قفلة quot;طيبةquot; وإغوائية إغرائية على غرار معظم الأفلام الهندية والمصرية والأمريكية، ومحبوكة بطريقة ما لتحدث الأثر الإيحائي المطلوب لدى من يتلقفها، ألا وهو تمجيد ما فعله الطيار السوري، والترويج له ليستهوي ذلك آخرين، عبر تصوير ما قام به كفعل بطولي يثاب عليه ببحبوحة ورفاه ونجاه في واقع يحفل بشتى الضغوطات والصعوبات الحياتية، في هذا الوقت وبعد تصاعد روح المقاومة وتحدي الاحتلال والطغيان والهزيمة الساحقة النكراء لإسرائيل في كل من جنوب لبنان وغزة، على حد سواء.


غير أن المعلومات، والمعطيات التي بحوزتنا، هي، وبكل أسف، ومع الاعتذار الشديد من الأستاذ الهاشم، مناقضة كلياً لما جاء في مقاله المبني على رسالة quot;المصدر الأوروبي الموثوقquot;، وتختلف عنه بالمطلق( ومن هنا ونصيحة أخوية له، وليس للمصدر، بأن يكف عن الاعتماد على المصادر الأوروبية بعد اليوم، وخاصة إذا كانت موثوقة جداً كهذا المصدر)، إذ يقول تقرير خلف خلف من رام الله والمنشور في إيلاف يوم الثلاثاء 21يونيو 2005 الساعة GMT 14:00:00 : (أصدرت محكمة إسرائيلية، اليوم، حكماً بالسجن الفعلي لمدة ستة عشر شهراً على طيّار سوري فرّ إلى إسرائيل على متن طائرته الحربية من طراز quot;ميج 23quot; في العام 1989 بعد إدانته بالتورّط في مخالفات جنائية. وكانت المحكمة المركزية في حيفا قد مددت منذ العشرين من إبريل/ نيسان الماضي، اعتقال الطيّار السوري بسام العدل، الهارب عدة مرات بعد اتهامه بمحاولة إضرام النيران في سيارة مواطن من مدينة باقة الغربية داخل أراضي الـquot;48quot; مقابل حصوله على ألف دولار من طرف ثالث. وأشارت لائحة الاتهام إلى أن الطيّار تورّط أكثر من مرة في مخالفاتٍ أمنيةٍ خلال السنوات الماضية، وهذا ما دفع المحكمة للاستجابة لطلب النيابة بإصدار أمر منع نشر عن ملابسات هذه المخالفات.

وكان محامٍ إسرائيلي يدعى آفي فايغ تطوّع للدفاع عنه، وقد استجابت المحكمة مرتين لطلبه باستبدال الحبس بالإقامة الجبرية في منزل أحد المواطنين العرب من فلسطينيي الـquot;48quot; الذين لم يقبل أحد منهم بذلك. ويتضح من لائحة الاتهام المقدمة أن العدل اضطر للبحث عن طعامه في مجمّعات القمامة وفي أعمال السرقة والاحتيال بعد أن استخدمته المخابرات الإسرائيلية ومن ثمّ استغنت عن خدماته وأوقفت راتبه قبل نحو العامين. وكان العدل قضى مدة ستة أعوام في السجون عميلاً للمخابرات الإسرائيلية حيث تطوّع وبمحض إرادته لاستدراج المعتقلين الفلسطينيين وتسجيل اعترافاتهم. ونقلت وكالة وفا أن محامي الدفاع آفي فايغ هاجم إسرائيل، التي تنكّرت لما سمّاه quot;الخدمة الكبيرةquot; التي قدّمها الطيّار السوري بإحضاره طائرة الميج، لافتاً إلى أن الطيّار العدل وصل إلى هذا الوضع بعد أن تخلّت عنه إسرائيل. وأضاف أنه منذ عامين يعيش العدل في العراء وينام في الشوارع ومحطّات الباص فوصل إلى وضع اضطر فيه للبحث عن الطعام في النفايات، وهذه الظروف المأساوية التي يعيشها أجبرته على الاتصال بعناصر جنائية ليتسنّى له العيش. وجاء في ملفّات المحكمة، أن الطيّار السوري الهارب لا يوجد له عنوان ومسكن محدّد وقبل اعتقاله سكن في حاوية وفّرها له أحد سكّان مدينة باقة الغربية والذي استأجر خدماته لإضرام النيران في السيارةquot;.( انتهى اقتباس إيلاف، حرفياً، وعذراً للإطالة).


والكلام المذكور أعلاه ليس من quot;عندياتناquot;، ولا هو منشور في الصحف السورية، أو أي من تلك quot;المحسوبةquot; على سوريا، التي تحاشينا عمداً الإشارة إليها رغم أنها جميعاً نقلت الخبر في حينه، ونحن لعلم السيد الهاشم لا نثق عادة بالمصادر الأوروبية والغربية، عموماً، والتي يبدو أنها تروق كثيراً له. وأعتقد أن خبر إيلاف، بشكله وصيغته الحالية، ومن أرض الواقع، فيه من الحيادية والموضوعية والمهنية والتوثيق، ما يجعله أكثر قابلية للتصديق من تلك quot;المصادر الأوروبية الموثوقةquot;، إياها، التي يعتمد عليها الأستاذ الهاشم، عادة، في كتابة مقالاته. ومن مآثر الهاشم الأخرى المعروفة، أنه، وهو بالمناسبة، أحد أبرز كتاب صحيفة quot;الوطنquot; الكويتية اليومية، قد تعهد في مقال نشرته الصحيفة في عددها الذي صدر صباح الأربعاء 21 /5/ 2008 بحلق نصف شاربه، قائلاً وبالحرف الواحد: quot;اليوم أعلن عن استعدادي لحلق نصف شاربي وترك النصف الآخر لمدة شهر كامل، إن نجحت قطر في إيجاد حل للأزمة اللبنانية!quot;.(هكذا)!!! غير أن الأستاذ الهاشم quot;لحس كلامهquot;، وتراجع عن هذا التعهد بحلق نصف شاربه الذي وعد به سابقاً، وبتحد باد، فيما لو اتفق اللبنانيون فيما بينهم في اجتماع الدوحة. وأرجو ألا يكون قد نشر أي تعهد، على سبيل حلق النصف الآخر، مثلاً، مع خبره الأخيرquot;القنبلةquot; ذي المصدر الأوروبي الموثق. وكم كنت أتمنى أن يكون مصدره الأوروبي موثوقاً فعلاً، لا لشيء، كلا وحاشا لله، ولكن فقط لكي لا quot;يتفشلquot; الأستاذ الهاشم كل مرة، والذي يعلم، تماماً، مضامين هذه الكلمة بلهجة quot;الخلايجةquot;.


غير أنني أتفق مع الأستاذ الهاشم، في جزئية واحدة، وهي أن وضع الطيار الهارب، ومن زاوية أخرى، هو جيد فعلاً، ويحسد عليه، لأننا نعتقد أن مكانه الحالي في العراء حسب مصادرنا غير الأوروبية الموثوقةquot;، ما زال مكاناً لائقاً ومحترماً جداً، بالنسبة له-الطيار- على الأقل، قياساً على ما كان عليه مآل ومصير كل quot;زملائهquot; المشابهين عبر التاريخ. فهنيئاً، له على هذا المآل، والمصير، وquot;النجاحquot;، اللافت، والمنقطع النظير.


نضال نعيسة
[email protected]