توقفت طويلا أمام استطلاع الرأي الذي أجراه معهد جالوب الأمريكي وأكد فيه فوز مصر بالمركز الأول في قائمة الدول الأكثر تدينا، فالنتيجة لا تعبر من قريب أو بعيد عن الواقع، ولولا أن الاستطلاع أجراه معهد جالوب لشككت في الدوافع!


بالتأكيد الدين مهم في حياتنا جميعا كمصريين بدليل مظاهر التدين الموجودة حولنا في كل مكان، لكنه التدين السطحي الذي لا علاقة له بالسلوك، ويكفي ما نعانيه جميعا في حياتنا من أشخاص يتظاهرون بالتدين لندرك أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن الدين بمعناه الصحيح!


ولو كان للدين هذا التأثير الكبير كما قال استطلاع معهد جالوب فلماذا تدهورت أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفكرية بهذا الشكل..ولماذا انتشر بيننا الكذب والدجل والنفاق والازدواجية والإهمال والتراخي واختلال الأخلاق؟!


نتيجة الاستطلاع لا تعبر في رأيي إلا عن المظهر الخارجي، ويكفي أن الدول الأكثر تدينا في العالم هي من عينة بنجلاديش وسريلانكا والكونغو وسيرياليون ومالاوي والسنغال وجيبوتي، مما يعني أن الفهم المغلوط للدين كان واحدا من الأسباب التي أدت إلى تخلفها جميعا!


بالطبع لا يمكن اعتبار الدين سببا في التخلف بدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية احتلت المركز الأول في قائمة الدول الغنية الأكثر تدينا (65% من الأمريكيين متدينون)، لكن الدين وحده أيضا لا يضمن التقدم بدليل أن قائمة الدول الأقل تدينا في استطلاع جالوب ضمت اليابان وفرنسا والسويد والنرويج وهونج كونج، وفيها تراوحت نسبة المتدينين ما بين 14 و25% من مجموع السكان. بل إن إسرائيل التي نتعامل معها طوال الوقت باعتبارها دولة دينية أكد الاستطلاع أن نصف سكانها فقط متدينون!


ما أريد الوصول إليه أن فوز مصر بالمركز الأول في قائمة الدول الأكثر تدينا، لا يعبر بالضرورة عن الواقع، صحيح أن في مصر متدينين صادقين ومخلصين لكن الأغلبية - وكما في مجتمعات أخرى- تمارس التدين بشكل مظهري مما أوجد فجوة كبيرة بين التدين والسلوك!


ولو كان صحيحا ما عبر عنه الاستطلاع من أن 100% من المصريين يعتبرون الدين شيئا مهما في حياتهم، إذن لكانت مصر هي التطبيق العملي الصحيح والوحيد لأسطورة quot;المدينة الفاضلةquot;، وهذا بالطبع غير صحيح، لأن المدينة الفاضلة غير موجودة إلا في مخيلة الحالمين والشعراء!


كنت أتمنى أن نفوز بالمركز الأول في قائمة الدول الأكثر فهما للدين بمعناه الصحيح، والأكثر اعتناء بالجوهر قبل المظهر، لكن يبدو والله أعلم أن خبراء معهد جالوب الأمريكي خدعتهم المظاهر الكذابة؟!

عبد العزيز محمود