شيرزاد شيخاني

حثتني قصة صديقة عزيزة على قلبي تقيم في إحدى البلدان الأوروبية على التطرق لموضوع شائك طالما سمعته من الكثيرين ممن يقيمون في المجتمعات الغربية، وهو موضوع إنهيار معظم زيجات العراقيين في الخارج!..

باديء ذي بدء أود أن أعترف بأن للظاهرة أسباب وعوامل كثيرة تحتاج الى دراسات وبحوث متعددة الأطراف، إجتماعية وإقنصادية وسيكولوجية، ولكن مع ذلك فأنا أعتقد بأنه في الظاهر،فإن معظم هذه الحالات تنتج عن تغير المناخ الإجتماعي بما يشكل نقطة تحول فاصلة في حياة أفراد الأسر اللاجئة الى تلك المجتمعات الغربية.


ولو أخذنا بنظر الإعتبار أن نسبة 90% من الحياة الزوجية في المجتمع العراقي عموما وعلى وجه الخصوص المجتمع الكردي فاشلة وفقا للمقاييس المعهودة، من عدم التوفق في إختيار شريك الحياة وتفاوت المستوى الإجتماعي والثقافي والإقتصادي وغيرها، فإن إنهيار الحياة الزوجية بمجرد حدوث تغير في المناخ الإجتماعي أو الإقتصادي سيكون أمرا حتميا..

فالمرأة في مجتمعاتنا الشرقية المتخلفة مازال ينظر إليها كأنها مجرد آلة للإستمتاع الجنسي وتفريخ الأطفال، وتعتبر كائنا مسلوب الإرادة ومستعبد إقتصاديا،وهذا يعود الى إنعدام فرص التعليم والتوظيف والإستقلال المادي أمام المرأة وهي عماد البناء الأسري، فالبنت في المجتمع الكردي على سبيل المثال والى حد ما في المجتمع العراقي تهيأ بعد إكمالها التعليم الإبتدائي البسيط للزواج وهي لم تتخط بعد سن الطفولة، وتحرم من فرصة إكمال التعليم وبناء كيانها الإقتصادي المستقل، مما سيعرضها في المستقبل الى إضطهاد الرجل والإعتماد عليه من الناحية الإقتصادية مما يجر معها التبعية المطلقة له بقية حياتها.


هذا التفاوت الإقتصادي والى حد ما التفاوت الإجتماعي والثقافي لدى الكثير من الأزواج يلعب بإعتقادي دورا كبيرا في إنهيار الحياة الزوجية لمعظم الحالات مع توفر أول فرصة للإستقلال المادي لدى المرأة، كما يحصل الآن وسط العوائل اللاجئة الى أوروبا على سبيل المثال، فهذه الدول تقدم إعانات مادية مستديمة لمواطنيها والمقيمين لديها، الى جانب توفير فرصر التوظيف لمن تملك القدرة أو الشهادة الدراسية المؤهلة مما يسهم في تأمين الحياة الحرة الكريمة للمرأة العراقية بعيدا عن تسلط زوجها وإستخدام قدرته على الإنفاق لإستعبادها..

ولا نستطيع تعميم هذا الطرح على جميع حالات الزواج المنهارة، فقصة صديقتي التي أشرت إليها في صدر المقال والتي تقترب من حد المأساة، توحي بوجود حالات عديدة تتسبب في إنهيار العلاقة الزوجية، فأنا أعتقد أن في كل زاوية وخلف جدران كل بيت هناك قصة ومأساة تستحق أن تروى، ولكن للأسف فإن القيود الإجتماعية تحول دون ذلك، كما في قصة صديقتي.

ورغم أن صديقتي هذه مازالت تناضل من أجل الحفاظ على زواجها من الإنهيار، وتتجرع يوميا كؤوسا من السم بسبب تعامل زوجها الفظ معها، ولكنها تتحدث أيضا عن حالات العديد من صديقاتها وقريباتها من المقيمات معها في بلد اللجوء ممن تطلقن أو إنفصلن عن أزواجهن، كما تتحدث عن زيجات ثالثة ورابعة لعدد منهن، وهذا يعني وجود مشكلة عامة لدى اللاجئين العراقيين في الخارج بهذا الشأن.

حالة صديقتي التي تزوجت منذ أكثر من عشرين سنة هي في مقاييس الدراسة والتحليل حالة خاصة، لكنها تصلح للتعميم،خصوصا وأن مأساتها اليومية مع هذا الزواج هي نتاج الظروف السياسية والإجتماعية التي مرت بالعراق.

فقد تزوجت شابا متخرجا من الكلية إختطفته الخدمة العسكرية الإلزامية في الأيام الأولى من زواجه، فأصبح بعيدا عنها لعدة سنوات، وما أن إستعاد أنفاسه بتسرحه من الخدمة بعد إنتهاء الحروب العراقية المتتالية حتى فكر بالهروب الى إحدى البلدان الأوروبية ليبتعد عنها لسنوات أخرى، وما أن إلتئم شمل الزوجين بعد نجاح الزوج في سحب زوجته الى ذلك البلد حتى إكتشفت الزوجة عقم الرجل وعدم قدرته على الإنجاب.

حرمت هذه المرأة من الأمومة ونعمة إنجاب الأطفال دون رغبة منها، ولكن الطامة الكبرى بالنسبة لها كانت في المرض الجنسي الذي أصاب زوجها والذي منعها من الإستمتاع بحياة زوجية طبيعية، خصوصا وهي تقيم في مجتمع غربي فيه الكثير من المغريات والمثيرات التي تدفع بالإنسان الى حد إقتراف الخيانة والخطيئة، ولكن هذه المرأة ناضلت ومازالت تناضل بعناد للحفاظ على حياتها الزوجية التي لم يبق منها ما يغري أية إمرأة أخرى.

إن الحالة التي تعيشها هذه المرأة هي جزء من المأساة التي جرتها الحروب الكارثية على العراق، والتي فككت الأواصر الأسرية والإجتماعية للملايين من العراقيين ودفعتهم الى الهروب لما كانوا يعتبرونها جنة النعيم الأوروبي، وإذا بها تتحول لدى الكثيرين الى منهم الى جحيم لا يختلف عن جحيم العراق المستعر..


العراقي المقيم في البلدان الأوروبية يقع بين مطرقة الإندماج مع المجتمعات الغربية الجديدة عليه، وسندان العادات والتقاليد المتجذرة في كوامن نفسه، ولذلك فإن معظم اللاجئين العراقيين في الخارج يعانون من حالة أزدواجية في السلوك تصل الى حد الحالة المرضية التي تسمى بإنفصام الشخصية، فهذا الضغط النفسي أضف إليها تغير المناخ الإجتماعي إضافة الى الإستقلال المادي للمرأة تدفع بمجملها بإعتقادي الى إزدياد حالات التفكك الأسري لدى معظم العراقيين اللاجئين الى أوروبا.


أعتقد بأن مسألة صعوبة أو إستحالة إندماج الفرد الشرقي في المجتمعات الأوروبية المتقدمة تلعب دورا كبيرا في إزدياد حالات الطلاق والإنفصال والتفكك الأسري، فاللجوء غير الهجرة التي تكون في العادة لحاجة إقتصادية،فالهجرة لا تتطلب بالضرورة إندماج الفرد في المجتمع الجديد بقدر ما تفرضه حياة اللجوء الدائمة، فالقوانين الأوروبية على سبيل المثال تتيح للآجيء أن يحصل بعد سنوات عدة على جنسية البلد المضيف، مما يحتم عليه الإندماج بشكل أو بآخر في المجتمع الجديد، بعكس المهاجر الباحث عن فرصة محدودة الأجل لتحسين حالته الإقتصادية، واللاجيء في العادة يحمل معه جميع أفراد أسرته الى بلد اللجوء، في حين أن المهاجر يهاجر لوحده، فهناك الملايين من المهاجرين المنتشرين في أنحاء مختلفة من العالم يذهبون الى دول معينة بحثا عن فرص عمل ويتركون عوائلهم في بلدهم الأصلي ليعودوا إليها بعد أن يجنوا بعض المال يكفي لبناء مستقبلهم، أما اللاجيء فإن مستقبله سيكون في البلد الذي يقيم فيه أو يحصل على جنسيته، وبالتالي يتحتم عليه الإندماج في المجتمع الجديد الذي يختلف عن مجتمعه الأصلي بنسبة 180 درجة، وبذلك فإن ثقافة تلك المجتمعات الجديدة ستفرض نفسها على سلوك الشخص، وهذا ما أعنيه بوجود حالات كثيرة من إنفصام الشخصية لدى اللاجيء الشرقي الى البلدان الأوروبية، وهذه الحالة المرضية تحديدا تلعب دورا كبيرا في إزدياد حالات التفكك الأسري لدى العراقيين في الخارج.


ولايمكن أن نغفل عن حالات أخرى أعتبرها إستثنائية في تمسك البعض بعادات وتقاليد وموروثات إجتماعية تتناقض تماما مع عادات وتقاليد مجتمعات تقدس الحريات الفردية، فقد حدثني صديق عن حالة وقعت لقريب له، وهي مشاجرة وقعت بينه وبين زوجته أدى الى أن يضرب زوجته الى حد الإدماء، ولكن الزوجة أفادت لدى قسم الشرطة التي وصلت بنداء الجيران الى المنزل أنها سقطت من السلم فأدمت نفسها، مبررة ذلك بأن لها أطفال من زوجها وأنها لن تخذله وهما في بلاد الغربة!!.وقد تكون دوافع صديقتي المذكورة بالحرص على حياتها الزوجية شبيهة بهذه الحالة من التمسك بالقيم والتقاليد الإجتماعيبة الموروثة.

نعم هناك من تحرص على زواجها وبنيان عائلتها على رغم كل الحريات والمغريات المتوفرة أمامها، ولكن في غالب الأحيان فإن هذه الحالات تعتبر إٍستثنائية ومحدودة الى حد كبير، فالحرية الفردية والإستقلال المادي في المجتمعات الغربية تتيح أمام المرأة فرص كبيرة للنجاة من علاقات زوجية فاشلة وتقويم حياتها الخاصة والتحرر من العبودية التي فرضتها عليها التقاليد الإجتماعية في المجتمعات الشرقية.

وفي الختام ومع كل تلك المبررات التي أشرت إليها والتي تتيح للمرأة أن تختار حياتها ومستقبلها، أود أن أقول بأن الرجل يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية التفكك الأسري في بلدان اللجوء التي إزدادت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، فعلى الرجل الذي يعيش في مجتمعات تقدس الحريات الفردية عليه أن يدرك بأن بناء الأسرة وإدامة علاقات زوجية سليمة خصوصا في المجتمعات الغربية الجديدة يتطلب إشعار المرأة بالحب والحنان وبدفء الحياة الزوجية المستقرة، وأن المرأة ليست كائنة دونية مستعبدة كما في المجتمعات الشرقية، وأن يشعرها بحقها في المساواة وبالتعبير عن ذاتها،وأن يترك خلفه كل القيم والتقاليد البالية التي تشبب عليها في مجتمعه هذا إذا أراد أن يندمج في المجتمع الجديد ويحافظ على كيان أسرته،عندها فقط يمكن بناء علاقة أسرية سليمة ومستدامة ومستقرة عمادها الإحترام والحب المتبادلين..


[email protected]