من خلال مشاهدتي لبرنامج الأتجاه المعاكس الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية الثلاثاء الماضي والذي جمع المتحاوريين أو المتخاصمين لا فرق، السيد صلاح المختار البعثي العراقي والسيد ماشاء الله شمس الواعضين المحلل السياسي الأيراني ومن خلال نظرة موضوعية محايدة وبعيدة كل البعد عن أي تشنجات أو أحكام مسبقة وبما أن فكرت البرنامج هي عبارة عن صراع أفكار وحجج دامغة بين المتحاورين يتخلله في بعض الأحيان كثير من الفوضى والخروج عن جوهر الموضوع،فقد أثبت السيد ماشاء الله تفوقآ ملحوظآ (رغم أن العربية ليست لغته الأم ) بما طرحه من وجهة نظر واقعية، وهادئة،ومنطقية مدعمة بأدلة وبراهين وعلى الطرف الآخر من ذلك كان طرح الاستاذ صلاح المختار الذي أتسم بالعصبية المفرطة الغير مبررة، وأسلوب الخطابة الرنانة البعيدة عن أي حجة أو أقناع وكأنه يلقي خطبة في قاعة على مسامع جمهور من فئة واحدة أو مستوى ثقافي واحد وليس أمام ملايين المشاهدين العرب خاصة النُخب الفكرية المحترمة القادرة على التشخيص وتحليل الأمور ومستوى النقاش بعيدآ عن التأثيرات الغوغائية والضجيج عدا عن أزدياد الوعي بوجه عام لدى عامة جماهير الأمة، علاوة على ذلك فأن السيد صلاح المختار مع كل الأحترام له، بدا وكأنه يخاطب بعض الأنظمة الرسمية العربية ويتودد لها وكأنما يحاول أن يعفيها من المسؤولية عما أصاب العراق، وهذا ما أوقعه في نفس المأزق في مناظرة سابقة له على قناة فضائية أخرى جمعته مع السيد عبد الجبار الكبيسي الذي كان واضحآ في تشخيص أنظمة عربية معينة شاركت فعليآ في تدمير العراق ( وما حدث بعد ذلك من تهجم السيد صلاح المختار على الكبيسي بعبارات غير لائقة وعلى الهواء مباشرة)، كان الأجدر بالمختار أن يستغل فرصة ظهوره على منبر أعلامي هام وفاعل كقناة الجزيرة الفضائية التي تتمتع بنسبة مشاهدة عالية ويوجه من خلالها كلامآ هادئآ الى الداخل العراقي وليس الى بعض الأنظمة العربية التي شاركت بذبح العراقيين، وبلغة خطاب مختلفة عن لغة الخطاب التي ميزت الحقبة السابقة من تاريخ العراق سيما وأن العقلية العراقية لا زالت تحتفظ بذاكرة مريرة وأسلوب خطابي كهذا أصبح لا يجدي مع أنتشار الفضائيات وظهور كثير من المتبارين على الساحة العراقية.


لقد كان كلام السيد شمس الواعضين وتسلسله في سرد الأحداث والوقائع منطقيآ رغم قصر الوقت والمقاطعات المتكررة من الطرف الآخر وقد وُفق الرجل وكانت حججه معظمها معقولة عندما رد على خصمه الذي كان يحاول أيجاد علاقة من الخيال والوهم تربط بين أمريكا وإيران في المنطقة والعراق بوجه خاص رغم أن العقل والمنطق يقول بأن من مصلحة إيران بقاء النظام السابق ضعيفآ محاصرآ بدلآ من وجود أعظم قوة عسكرية وتكنلوجية على حدودها،لكن لا ينكر في الوقت نفسه بأن إيران أستطاعت فيما بعد من توظيف هذا الوجود والفوضى لصالحها،، وكعادة كثير من السياسيين أو أصحاب الأجندات المتحاملة على أختلاق فرضيات ضعيفة أو لا أساس لها من الصحة وغير مسندة بأدلة أو براهين ولا يقبلها العقل، فالسيد صلاح المختار أتهم إيران على أنها ساعدت الولايات المتحدة في غزو العراق وأحتلاله رغم أنه على علم ومعرفة تامة بأن إيران لم تساعد أمريكا في غزو العراق لكنها أستفادت بلا شك من هذا الغزو بطريقة أو بأخرى بعد أن كانت متوجسة منه، وأن المتسبب في ما حصل للعراق في تسعينات القرن المنصرم من حصار ودمار أدى الى أزهاق أرواح مئات الألوف من الضحايا الأبرياء هي بعض الدول العربية والتي تناساها المختار وهذه الدول كانت تفرض حصارآ قاسيآ أنتقامآ وحسدآ وخوفآ في الوقت نفسه من عراق ناهض قوي أخذ يلعب دورآ أقليميآ متزايدآ وأستطاع من خلق قاعدة صناعية لا بأس بها رغم أختلافنا مع نظامه السياسي، أما مسألة ما يسموه بعض العرب ب(غزو الكويت ونحن ندعوه عودة الكويت) فهو تحصيل حاصل والقشة التي قصمت ظهر البعير في أظهار هذا الكم المخزون من الحقد والغيرة الذي كان يعتمر صدور البعض من العراق فأنهالوا عليه من كل حدب وصوب،تُوِج ذلك بجعل أراضيهم ومياههم وأجواءهم منطلقآ للعدوان والأحتلال ولا زالت أراضيهم الى الآن قواعد خلفية لديمومة الأحتلال وتوفير الدعم اللوجستي له وعلى رأس هذه الدول (الكويت).


أن الذين تابعوا برنامج الأتجاه المعاكس شعروا بأن خلط المفاهيم والقفز على الحقائق أصبح توجه طاغيآ هذه الأيام مما يعني أن هناك أطراف لها أدواتها الأعلامية والسياسية تعمل على ترسيخ ثقافة جديدة وتوجيه الصراع بأتجاه آخر وجعله صراعآ مذهبيآ بين أبناء الأمة هدفه تصفية كل حركات المقاومة في المنطقة ولتمهيد الطريق للتطبيع الكامل مع أسرائيل ولملمة القضية الفلسطينية وأنهاءها،أما الملفات التي لم يحن الوقت لفتحها حسب قول الأستاذ صلاح المختار ( ويقصد موضوع التواطئ العربي والمشاركة في غزو العراق )، فالواجب يحتم عليه أن كان يحترم الشعارات الوطنية التي يرفعها أن يتناولها وبكل شفافية حتى تكون هنالك مصداقية بدل أختلاق نظريات مفبركة والوقوع في مطبات غير محسوبة كالمطب الذي أوقع به السيد المختار نفسه بأصراره على أن هنالك تنسيق كامل خفي لأيران مع الولايات المتحدة وأن الصراع الموجود بينهما هو مجرد مسرحية؟؟ وتًنكر للعلاقات الحميمة التي تربط أمريكا ببعض الأنظمة والدول العربية مثلآ وهذا جره الى أن يطرح ضيفه عليه تسائل في غاية الدهاء والفطنة وهو أن علاقة مصر مثلآ الحميمية بأمريكا الظاهرة والواضحة ممكن أعتبارها مسرحية أيضآ، وأصل هذه العلاقة هي علاقة توجس وعداء مستحكم في الخفاء أي تتسم بالعدائية والتأمر في باطنها بين الطرفين الأمريكي والمصري؟؟


لا يفهم من كلامنا هذا على أنه دفاعآ عن أيران أو غيرها فموقفنا واضح ومعروف وعبرنا عنه في كثير من المقالات التي بينا فيها بعض المشاكل الحقيقية التي تعترض طريق أقامة علاقات متوازنة مع إيران بعيدآ عن التدخل في الشؤون الداخلية والهيمنة، أنما نحن ننقد أسلوب حوار صلاح المختار الذي كان تائهآ يستنجد بالصراخ حينآ وكيل الأتهامات والقصص الخيالية أحيانآ أخرى برغم تربعه على رئاسة تحرير جريدة الجمهورية في عهد النظام السابق وتلميحاته بأن الصراع الآن هو صراعآ مذهبيآ.


وكنا نتمنى عليه أن يكون كلامه منصبا على الملفات والقضايا الحساسة التي تقلق العراق،، مثل مشكلة الحدود مع أيران، وأتهام إيران بالأستيلاءعلى بعض الآبار النفطية العراقية، وتعديل أتفاقية الجزائر أو إلغاءها لأنها لا تخدم العراق وعقدت في ظروف خاصة وهي ليست معاهدة سلام وتعاون بين البلدين الجاريين، وما يحدث من تغيير وأقامة سدود على بعض الجداول النهرية التي تغذي نهر دجلة وما ألحقه ذلك من أضرار واضحة بالعراق، وإدخال كثير من الأيرانيين وتجنيسهم،وليس الحديث وتوزيع الأتهامات على حزب الله،ومصير الأقلية الشيعية في السعودية، ومشاكل شيعة البحرين وحقوقهم، فذلك أعطى أنطباع بأن هنالك نفس طائفي أو محاولة لأيصال رسائل ما الى جهات معينة لغرض ما في نفس المحاور أو لأجندة يحملها،، لأن كل تلك الأمور لا تهم العراق كثيرآ وليس لها تماس مباشر مع الحالة العراقية.


حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]