شيروان الوائلي، وزير الداخلية العراقي، وفي المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع وزير الداخلية التركي بشير أتالاتي في بغداد، قال بquot;ان الطرفين العراقي والتركي اتفقا على نقاط واضحة ومحددة لمكافحة حزب العمال الكردستانيquot;. الوائلي أشار في حديثه الى عدة أمور كquot;إغلاق جميع مؤسسات وأذرع العمال الكردستاني في العراقquot;، ذاكراً في هذا الصدد اسم حزب الحل الديمقراطي الكردستاني ( PCDK)، وفيما يخص شن قوات الجيش التركي للهجمات الجوية والمدفعية على مواقع الكردستاني في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق)، قال الوائلي بquot;أن التنسيق سيستمر بين الطرفينquot;.
زيارة أتالاي هذه تأتي في إطار عمل اللجنة الثلاثية العراقية ـ التركية ـ الأميركية المكلفة بالتنسيق ضد العمال الكردستاني، كما تأتي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس التركي عبدالله غول إلى بغداد.
المسؤولون العراقيون أشاروا إلى اهمية زيارة أتالاي وتعهدوا بتنفيذ الوعود التي قطعوها للوزير التركي، أي التضييق على العمال الكردستاني والتوسع في محاربته. ولايدري المرء كيف ستضيّق الحكومة العراقية على العمال الكردستاني وبعض مراكزه التي تتحصن في أعالي مناطق كردستان بالقرب من الحدود الدولية مع كل من إيران وتركيا، وهي لاتملك السيطرة الفعلية على تلك المناطق لوقوعها تحت سيطرة حكومة اقليم كردستان، لاسيما وان حكومة الإقليم لم تعلم بخفايا المحادثات التي حدثت بين الوائلي ونظيره التركي؟.
ومن ذلك فقد quot; أكد جلال كريم وكيل وزارة الداخلية في حكومة اقليم كردستان ان وزارته لم ترسل اي مسؤولين عنها الى بغداد للمشاركة في المباحثات التي يجريها اتالاي مع المسؤولين في الحكومة العراقية ونفى علمه بطبيعة المباحثات التي ستجرى بين الجانبينquot;.(...) كما quot;اوضح اللواء جبار ياور وكيل وزارة شؤون البيشمركة في حكومة الاقليم ان المباحثات التي يجريها الوزير التركي تخص وزارة الداخلية في العراق، وان وزارة البيشمركة ليست معنية اطلاقا بتلك المباحثات، نافيا علمه بما اذا كانت وزارة الداخلية في الاقليم قد ارسلت مسؤولين عنها الى بغداد للمشاركة في تلك المباحثات ام لاquot;.( صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عدد 12/04/2009).
والحال فإن تعهدات الحكومة العراقية ستبقى حبراً على ورق وquot;أمراً خاصاًquot; بين بغداد وأنقرة، وستظل وعود الوائلي حبيس درج مكتبه، لأن حكومة اقليم كردستان ليست مستعدة لإعلان الحرب ضد قوات حزب العمال الكردستاني والدخول في صراع كردي ـ كردي تٌسفك فيه الدماء الكردية، لأجل خاطر حكومة الوائلي وإتفاقياتها الخفية والمشبوهة مع الجانب التركي!.
ولايعرف المرء لماذا لم يطالب الوائلي نظيره التركي بضرورة وقف الجيش التركي لقصفه الجوي والمدفعي لمناطق إقليم كردستان وقتل القرويين الآمنين، والعمل على سحب آلاف الجنود الأتراك المتمركزين في 9 قواعد عسكرية دائمة بمنطقة (بامرني) وغيرها( وهي أرض عراقية بالمناسبة) كشرط ملزم قبل الحديث عن أي تعاون عراقي مع تركيا فيما يخص حزب العمال الكردستاني؟.
وتتمحور المطالب التركية من حكومة بغداد في quot; التضييق على العمال الكردستاني ومؤسساته في العراقquot; وquot; إغلاق كافة ممثلياته ومؤسساته{من ضمنها حزب الحل الديمقراطي الكردستاني، الحزب العراقي المرخص والشرعي} ومنع أنصاره من التحرك بحريةquot;. هذا بالاضافة إلى إغلاق مخيم مخمور، والذي يضم أكثر من 10 آلاف كردي من كردستان الشمالية ( كردستان تركيا)، فرّوا على مراحل، ومنذ الثمانينات، من أمام بطش الآلة العسكرية التركية، بعد ان دٌمرت قراهم، بسبب إتهامهم بتقديم العون للمقاتلين الكرد، ورفضهم الانخراط في ميليشيات حماة القرى العميلة للجيش التركي. بإختصار، تركيا تريد ان يقاتل العراق قوات العمال الكردستاني نيابة عنها، وهي التي فشلت طيلة 25 عاماً في إلحاق الهزيمة بها، رغم شنها لعشرات الحملات العسكرية الكبيرة. ويتعجب المرء من الأمر التركي بوجوب حظر حزب الحل الديمقراطي الكردستاني، وهو الحزب العراقي المرخص والمسجل والذي شارك في العملية الإنتخابية منذ عام 2003، وأنقرة نفسها تعترف بحزب يٌصف دائماً بانه quot;الجناج السياسي لحزب العمال الكردستانيquot; وهو حزب المجتمع الديمقراطي. هذا الحزب الممثل ب 22 نائباً في مجلس النواب، والذي بات الآن يسيطر على 98 بلدية في مناطق كردستان تركيا.
قوات حزب العمال الكردستاني موجودة في مناطق وولايات كردستان تركيا، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نفسه كان اشار ذات مرة، في غمرة خلافه مع المؤسسة العسكرية، الى quot;وجود 5000 مقاتل كردي في اقاليم جنوب شرق البلاد، مقابل 500 قيادي ومسؤول في شمال العراقquot;. لذلك فإن الأمر التركي لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بمحاربة حزب العمال الكردستاني له أهداف أخرى بعيدة المدى. تركيا تريد توريط العراقيين في الحرب ضد حركة التحررالكردستانية التي أشعلت ثورة كبيرة ضدها، فشلت كل حملات الحرب في إخمادها، وهي تريد دفع المسؤولين في بغداد للضغط على حكومة كردستان لإشعال صراع كردي ـ كردي مدمر.
وينبغي علينا هنا أن نذكرّ الساسة في بغداد بتدخلات أنقرة في الشأن العراقي، منذ الحجج التركية التي سوقهّا وزير الخارجية التركي الأسبق يشار ياكيش، حين تحضير واشنطن لإسقاط نظام صدام حسين، والأستعادة المتكررة لإتفاقية 5 حزيران 1926 والحديث عن حصة ال10% التركية في نفط الموصل. وكذلك التصريحات الأستفزازية اليومية عن كركوك وأن تركيا سوفquot; تتدخل حين وقوع المدينة ضمن إدارية اقليم كردستانquot;، وان الأتراك ملزمون quot;بحماية التركمان والدفاع عن حقوقهمquot;، هذا ناهيك عن رفض الفيدرالية جملة وتفصيلاً، ودعم كل من يسعى إلى إفشالها ومنع تطبيقها...
يخطئ العراقيون حينما يعتقدون بأن تصفية ملف حزب العمال الكردستاني سوف يساعد في تقوية علاقات بلادهم مع الأتراك ودفع هؤلاء إلى مساعدتهم في مجابهة الإرهاب وتسوية الوضع الأمني. فالأتراك ولأسباب إستراتيجية كبرى ـ منها خوفهم الرهابي من تحرر الشعب الكردي ـ لن يقدموا على فعل أي شيء من شأنه أن يساعد على إستقرار العراق ورسوخ الأمن فيه. وكانت الحكومة التركية قد رفضت السماح للقوات الأميركية بعبور أراضيها لدخول العراق، من أجل إسقاط النظام السابق. وكان عبدالله غول( وزير الخارجية آنذاك) يطير في جولات مكوكية بين العواصم العربية لمنع وقوع حرب تحرير الشعب العراقي من نظام صدام، بل وأسس (حزب العدالة والتنمية) مع كل من النظامين السوري والمصري وبقية دول الجوار العراقي ما سٌمي ببيان إسطنبول، والذي تمخض عن إجتماع إسطنبول، والذي دعى النظام العراقي لتنفيذ القرارات الدولية، مع إدانة ميل الطرف الأميركي لإستخدام القوة العسكرية لإسقاط صدام وعصابته.
تركيا لاتريد الخير للعراق الجديد، وهي لم تقم بما من شأنه أن يٌساعد هذا البلد على النهوض وتجاوز محنته، هذا بالاضافة إلى الحصار المائي الرهيب على العراق، والذي يستهدف تصحيره مع سوريا. هذا الحصار الذي سيقضي قريباً على 40% من المساحة الزراعية العراقية، بإعتراف وزير الموارد المائية العراقي عبد اللطيف رشيد نفسه.
أطماع الأتراك أبعد من قضية ضرب العمال الكردستاني أو اضعافه. ومجلس الأمن القومي التركي( اعلى هيئة لإتخاذ القرار في البلاد) مايزال يعتبر حكومة اقليم كردستان الخطر الإستراتيجي الأول على امن تركيا. ومازال جنرالات المؤسسة العسكرية يتحدثون عن كركوك وquot;تدخل الجيش التركيquot; في حال ضمها لإقليم كردستان. كما يرفض الأتراك quot;الفيدراليةquot; ويطالبون بتهميش الكرد واستبعادهم عن القرار العراقي. بل ويتجاسر اردوغان في صفاقة ووقاحة متكررة عندما يرفض الجلوس مع الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني ويصفهما بquot;قادة عشائر شمال العراقquot;؟. فلماذا يرضى المالكي بالتنازل لعدو حلفاءه الكرد، الذين بفضلهم يجلس على كرسي رئاسة الوزراء الآن؟.
واذا كان المالكي رفض في خطابه الشهير امام الكونغرس الأميركي صيف 2006 وسم منظمة quot;حزب اللهquot; اللبنانية بالإرهاب، وادان العدوان الإسرائيلي على لبنان آنذاك، وهو يرفض حتى الآن وصف الحرس الثوري الإيراني بالإرهابي، رغم الضغوط الأميركية المتواصلة، فإن الكرد في كردستان العراق وقياداتهم لايقلون عنه شجاعة، وهم سيرفضون وسم العمال الكردستاني بالإرهاب كما تطالب تركيا.
حزب المجتمع الديمقراطي حقق إنتصاراً كبيراً على حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات الأخيرة وبات يسيطر تقريباً على معظم ولايات كردستان تركيا، وهو الأمر الذي أفقد حزب أردوغان صوابه وصار يتخبط يميناً وشمالاً من أجل إفراغ هذا النصر من مضمونه، وهو لذلك، يهدف إلى دفع الكرد في العراق لمحاربة العمال الكردستاني من أجل رؤية الدم الكردي وهو يٌسفك جهاراً نهاراً، وسط حفلات الأفراح والتشفي في أنقرة وبغداد.
رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني أعلن بquot;أن الكرد لن يتقاتلوا أبداًquot; وquot;أن قتل الكردي للكردي خط أحمر لايمكن الإقتراب منهquot;. كما رفض مراراً، ومايزال، وسم العمال الكردستاني بالإرهاب، وعرض وساطته الشخصية من أجل المساهمة في حل القضية الكردية في تركيا بالحوار والتفاوض. لكن الجانب التركي مازال متعنتاً مصراً على الحرب والتصفية. والأكيد ان البارزاني( الذي مازلنا مراهنين عليه) سيتمسك بموقفه وسيرد الأتراك وجماعة المركز في بغداد على أعقابهم مثلما فعل دائماً منذ العام 2003.
فلك الدين كاكائي، المثقف الطليعي ووزير الثقافة في اقليم كردستان، دعى قبل بضعة أيام ( في حديث لوكالة دجلة للأنباء) تركيا إلى quot;حل القضية الكردية والتحاور مع كل من حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي والتوقف عن سياسة الحرب والحسم العسكري لأنها أثبتت فشلها الذريعquot;. كاكائي اشار في حديثه كذلك إلى ضرورة quot;إطلاق سراح القائد أوجلان وضمان الهوية الكردية في الدستور التركي والقبول بالكرد كقومية ثانية في البلاد، لوضع حد للحرب الدائرة منذ ربع قرنquot;.
الحكومة العراقية تكذب على أنقرة حينما تتعهد لها بمحاربة قوات حزب العمال الكردستاني. هذه الحكومة لاتملك السيطرة على اقليم كردستان وقرارها لايتعدى أبعد من المنطقة الخضراء في بغداد. من يملك القرار في كردستان هو مسعود البارزاني وحكومة الإقليم. وهؤلاء مستعدون لعرض الوساطة والمساهمة في الحل الديمقراطي والسلمي، ولكنهما يرفضان بشدة حرب الإخوة والعودة بالكرد إلى زمن المواجهة. وعلى أنقرة وبغداد أن تفهما هذه الرسالة جيداً...
طارق حمو
[email protected]
التعليقات