لا يمكن الحديث عن الزيارة الأخيرة التي قام بها السيد علي لاريجاني والزيارات المكوكية التي يقوم بها المسؤولين الأيرانيين الى العراق بمعزل عن بعض أهداف إيران في هذا البلد التي باتت واضحة لا يمكن حجبها أو التستر عليها مهما أتخذت من مسميات وتوارت خلف عناوين وأجندات ومرجعيات عراقية، فهذا الزخم الكبير من الزيارات من قبل مسؤولين أيرانيين رفيعي المستوى الى العراق مؤخرآ ما هو إلا مؤشر واضح وملموس بأن إيران تعلق أهمية كبرى على هذا البلد الذي يتزايد نفوذها فيه يومآ بعد آخر، وما كثافة هذه الزيارات إلا لترسيخ هذا النفوذ أو الهيمنة على بعض المراكز المهمة في الخارطة السياسية العراقية والأيحاء لبعض الجهات بأن العراق ورقة من ضمن أوراق أي مفاوضات أو تسويات، والطريق اليه يمر من خلالها.


فزيارة السيد لاريجاني كانت سرية الى مدينة كربلاء وعندما سربت وأنكشف أمرها وصفت بالشخصية وبعد أن تجاوز السيد لاريجاني رئيس مجلس الشورى الأيراني والمسؤول عن الملف العراقي بغداد وذهب خلسة الى كربلاء وبعدها الى النجف للقاء المرجع الأعلى السيد علي السيستاني والتصريح بعدها بأن لاريجاني بحث مع السيد السيستاني الشأن العراقي ووضع المسلمين عدا عن مواضيع أخرى ذات أهتمام مشترك وهذه بالتأكيد مواضيع ليست شخصية فهي تتناول الشأن العراقي،وهناك بعض التقارير الصحفية التي تشير بأن أهداف زيارة السيد لاريجاني هي للمحافظة على التكتلات الطائفية والعرقية القائمة من الأنهيار، فمثلآ هم يحاولون تقريب وجهات النظر بين حزب الدعوة والمجلس الأعلى خاصة بعد الخساره التي تلقاها الأخير في أنتخابات مجالس المحافظات وطلب أيران من هذه الجهات التفاهم والتقاسم في أدارة مجالس المحافظات.


ليس الهدف من مقالنا هذا توجيه سهام الحقد والنقد الغير منطقي الى إيران تماشيآ مع ثقافة فوبيا إيران السائده هذه الأيام في كثير من وسائل الأعلام العربية والتي تناخى لها كل أصحاب المصالح المادية، والسياسية، والذين في قلوبهم رجس وأمراض خبيثة كالطائفية البغيضة ومحاولة أقصاء الآخر وأجتثاثه، فالموضوعية هنا تحتم علينا أن نعترف بان لأيران كثير من المواقف المشرفة وخاصة فيما يتعلق بدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لكن الهدف هو أيصال رسالة الى إيران وغيرها مفادها أن التدخل في شؤون العراق ومحاولة فرض هيمنة ووصاية عليه وجعله تابعآ هي خطوط حمراء لا يمكن لأي عراقي شريف أن يقبلها أو حتى يغض الطرف عنها وهذا هو مزاج وثقافة عراقية عامة ترفض أن يكون العراق هذا البلد الحضاري العظيم تابعآ أو مهمشآ،يرسم الآخرون له سياساته،ويحددون له مساراته، وينوبون عنه في أتخاذ قراراته وهو لن يكون بأي حال من الأحوال الحديقة الخلفية لأي دولة من دول الجوار بل سيبقى رقمآ صعبآ وقوة مؤثرة في المنطقة بتوازناتها الأقليمية الدقيقة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها.


لانريد للعلاقة العراقية الأيرانية إلا أن تكون علاقة حُسن جوار يسودها الأحترام وتبادل المنافع والبعد عن كل ما يٌوتر هذه العلاقة ومنها طي صفحة الماضي ونسيان المآسي التي حدثت في حرب الثمان سنوات وما أصاب الطرفين فيها من أذى ودمار،وعلى الجارة إيران أن تقوم بعدد من الخطوات الملموسة لتطمين العراق بأن نواياها سليمة وليس لها أي أطماع أو محاولة لفرض هيمنة أو تدخل في شوؤن هذا البلد بصوره سلبية، ومن هذه الخطوات المهمة الأنسحاب الأيراني الى الحدود المعترف بها دوليآ،ووقف الزحف على بعض الآبار النفطية العراقية والترويج بأنها آبار مشتركة،وإيقاف زج مئات الألوف من الأيرانيين وتوطينهم في وسط وجنوب العراق بحجة أنهم عراقيون لتغيير التركيبة الديمغرافية والنسيج الأجتماعي العشائري المترابط لهذه المناطق وهذا يحاسب عليه ليس الأيرانيين فقط بل القائمين على ملف الجنسية في العراق، وتعديل أتفاقية الجزائر أو ألغائها لأنها غير متوازنة وعٌقدت في ظروف غير طبيعية وهي لا تمثل بأي حال من الأحوال أطارآ حقيقيآ لأتفاق سلام وتعاون شامل بين البلدين الجارين المٌسلميين،وعدم المساس بالجداول التي تغذي نهر دجلة عن طريق تغيير وحرف مسارها وهذا قد سبب أضرارآ بيئية للعراق، ولا ضير أن ينظم ذلك بأتفاقية بين الجانبيين العراقي والأيراني، والتوقف عن أثارة موضوع ما يسمى بتعويضات الحرب وهو من أهم البنود وأكثرها أثارة ففتح هذا الملف سوف يجلب على الطرفين مشكل لا حصر لها،وهذا لا يعني أن العراق خائف من فتحه أو لأنه الجهة المتهمة،لذلك فعليه تترتب كافة الألتزامات، بل لأن هذا الملف شائك ومعقد وسوف يجر الويلات على البلدين الجارين،فسياسة الشد والجذب والنظر الى الآخر بتوجس هي ما يميز العلاقة مع أيران الآن وهي سياسة غير صحيحة نتجت عن كم من تراكمات الحقد التأريخي والحضاري والذي يمكن أن يتلاشى ويحل محله الأنسجام والمصالح المشتركة أن حَسنت النوايا،، أن يد العراق ممدودة الى الجارة إيران وبكل صدق لتطبيع وتعزيز العلاقات في كافة المجالات السياسية والأقتصادية والثقافية على أسس صحيحة والعمل على أزالة العوائق التي ذكرناها والتي تعترض وتعيق التطور الحقيقي لهذه العلاقات.


حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]