quot;فقدان المناعة القوميةquot;
للقمع السياسي وحرمان الآشوريين(سريان-كلدان) من حقوقهم القومية والديمقراطية في سوريا،مخاطر وآثار سلبية على مختلف الكيانات، السياسية والثقافية والاجتماعية والاعلامية والدينية،الآشورية.فقد تسبب الاستبداد بنشوء ظاهرةquot;فقدان المناعة القوميةquot;في المجتمع الآشوري.تبدو آثار هذه الظاهرة المرضية واضحة على جميع الكيانات الآشورية.بعض هذه الكيانات استعربت وهي تدور في فلك سلطة عربية استبدادية، لا قدرة لها التعايش مع الآخر والقبول له.والبعض الآخر من الكيانات الآشورية،دفعها الوهن القومي والسياسي الى تحالف quot;كلاميquot; مع معارضة، عربية واسلامية وكردية،مشكوك بمصداقية الكثير من أطرافها.كما دفع اليأس والاحباط، شرائح ومجموعات آشورية واسعة للتخلي عن تطلعاتها السياسية وعن طموحاتها المستقبلية والوقوف في طوابير طويلة على أبواب السفارات الأوربية،بحثاً عن وطن جديد تحقق فيه أحلامها المفقودة.

آثار الاستبداد ومضاعفاته على الآشوريين السوريين، لم تتوقف على فقدان quot;المناعة القوميةquot; وبعثرة quot;الكيانات الآشوريةquot; ومنعها من التوحد حول المواقف والقضايا السياسية الراهنة،وانما امتدت الى القضايا المصيرية والحساسة،الى الهوية والانتماء القومي، وهذا أخطر ما في الموضوع. فرغم مضي أكثر من نصف قرن على نشأة بعض الأحزاب والتنظيمات الآشورية في سوريا،أخفقت في تلقيح المجتمع الآشوري بالقدر الكافي من quot;المناعة القومية والسياسيةquot;،وتحصينه في وجه سلطة الاستبداد وسياسة التعريب والاقصاء التي تنتهجها. ورغم اعتماد quot;الآشوريةquot; كهوية وانتماء من قبل معظم التنظيمات والأحزاب العاملة على الساحة الآشورية،داخل سوريا وخارجها،مازالت quot;الآشوريةquot; مرفوضة من قبل الكنيستينquot;السريانية والكلدانيةquot;،ممثلتين بطبقة quot;الاكليروسquot; المتمسكة بامتيازاتها الخاصة على حساب حقوق الرعية.أن القبول الظاهري بالتسمية المركبة أو الثلاثيةquot;الكلدوآشوري/السريانيquot;،واعتمادها رسمياً في دستور دولة العراق الجديد،لا يعني أن quot;عقدة التسميةquot; قد حلت.فما جرى هو نوع من quot;الاتحاد الكونفدراليquot; بين الطوائف الثلاث،قائم على الرابطة المسيحية أكثر مما هو قائم على الرابطة القومية،أملته الظروف القاهرة والأوضاع الشاذة التي يمر بها العراق. في سوريا،quot;معركة التسمياتquot; بين الطوائف الثلاثquot;الآشورية السريانية الكلدانيةquot; مؤجلة الى حين زوال الاستبداد ومجيء نظام ديمقراطي يقر بالتعددية القومية والثقافية واللغوية التي يتصف بها المجتمع السوري.

تبرز ظاهرةquot; فقدان المناعة القوميةquot; في المجتمع الآشوري بوضوح أكثر في الأحداث والمناسبات.فقبل أيام(24 نيسان) مرت ذكرى quot;الهولوكست المسيحيquot; في تركيا العثمانية لعام 1915،حيث قتل فيه مئات الآلاف من الآشوريين(سريان/كلدان).قلة قليلة جداً من الآشوريين شاركت في احياء ذكرى المذبحة،حتى في أوساط المتحزبين والقوميين والمتدينين.بينما الصورة اختلفت كلياً لدى الأرمن،حيث جابت شوارع مدينة القامشلي المسيرات الليلية المضاءة بالشموع ترافقها فرق الكشافة وهي تعزف نشيد الشهداء واقيمت القداديس في الكنائس واقفلت المحال التجارية.طبعاً،للكنيسة الأرمنية، الفضل الكبير في تحصين المجتمع الأرمني وتعزيز الروح القومية لدى الأرمن.فعبر التاريخ شكلت quot;الكنيسة الأرمنيةquot; خط الدفاع الأمامي عن قضايا الأرمن وعن حقوقهم القومية والسياسية.ولها الفضل الكبير في اثارة جريمة quot;الابادة الجماعيةquot; كقضية ارمنية ووضعها أمام الضمير العالمي.بينما الكنائس الثلاث (الآشورية،السريانية، الكلدانية)،نتيجة تخليها عن هويتها وقضيتها القومية،انكفأت على نفسها،واستسلمت للخنوع والذل،ودفنت quot;جريمة الابادةquot; حتى قبل أن تدفنها الدولة التركية، المرتكبة للجريمة.

ومن المضاعفات السياسية الأخرى لفقدان المناعة القومية،تسهيل عملية اختراق المجتمع الآشوري وتقويض الحركة الآشورية من قبل السلطات السورية.في هذا الاطار جاء احتضان السلطات المحلية، في محافظة الحسكة، مهرجاناً خاصاً أقيم بمناسبة العام الآشوري الجديد quot;عيد الأكيتوquot;.أرادت السلطات السورية من هذا الاحتضان الغير بريء لمجموعة سريانية معينة التشويش على الأحزاب والكيانات السياسية الآشورية من جهة،ولتفريغ هذه المناسبة الآشورية من مضامينها وابعادها القومية والسياسية من جهة أخرى.فقد بدا المهرجان من خلال الكلمات والاناشيد التي تليت فيه،وكأنه احتفالاً خاصاً بتأسيس حزب quot;البعث العربي الاشتراكيquot; الحاكم، وليس عيداً قومياً آشورياً.

بموازاة مسعى السلطات السورية الى تقويض quot;الحركة الآشوريةquot; في سوريا واختراق المجتمع الآشوري بطرق وأشكال مختلفة، تتعرض الكنائس (السريانية الآشورية الكلدانية) هي الأخرى الى محاولة اختراق وتقويض من قبل مجموعات أصولية مسيحية تبشيرية،المعروفة بـquot;الأخوةquot;،تديرها منظمات عالمية،تتخفى خلف شعارات دينية اصلاحية،وهي تتحرك وتنشط علناً على الساحة السورية في اطار هامش الحريات الدينية.بسبب ضعف المناعة القومية لدى الكنائس الثلاث والخلل الثقافي والفكري لديها، تمكنت هذه المجموعات الاصولية، الغريبة على ثقافتنا، من اختراق هذه الكنائس وسلخ أعداد غير قليلة من رعيتها وضمها الى مذهبها الدخيل على المجتمع المسيحي السوري والمشرقي عامة.نشاط هذه المجموعات،بدأ يقلق ويؤرق طبقة الاكليروس في الكنائس(السريانية والكلدانية والآشورية).لكن،رغم تزايد خطرها على وحدة وتماسك الكنائس الثلاث،لم تصح طبقة quot;الاكليروسquot; بعد من سباتها القومي ومن غيبوبتها التاريخية لتدرك أهمية ودورquot;الممانعة القوميةquot; في تحصين كنيستها ورعيتها في وجه كل فكر تبشيري دخيل. ويبدو أنها لم ولن تخرج من شرنقتها الطائفية الى الفضاء القومي الآشوري، حتى لو تبخرت كل رعيتها وبقيت كنائسها خاوية ومن غير مؤمنين.

في حفل تأبيني اقيم في احدى البلدات الآشورية في الجزيرة السورية،بتاريخ 22 آذار الماضي.رغم كثافة الخطابات،بدا الحضور الحاشد غير مهتم، وكأنه غير معني بكل ما تلي عليه من عظات قومية.ليس فقط بسبب ضعف في المناعة القومية لديه،وانما أيضاً لأنه يدرك بأن الخطباء،خاصة المتحزبين منهم، الذين تباروا في المزايدات ورفع الشعارات واطلاق كلمات التبجيل والتقديس على الفقيد،هم أبعد الناس عن أخلاق المرحوم وعن روح التضحية والعطاء التي تميز بها.ويبدو أن البعض وجد فرصته للنفخ في الذات الحزبية وايهام الحضور وتضليله ببعض الشعارات المستهلكة.لقد أشاد أحد الخطباء بـquot;وثيقة تفاهمquot;،وقعتها مجموعته مع خصومها من الآثوريين، لكن رغم مضي أكثر من عام على هذا التفاهم لم يسجل أي عمل قومي جدي مشترك بينهما.جدير بالذكر،وبسبب فقدان المناعة القومية،كانت قد أبدت هذه المجموعة الآشورية، التي تحدث الخطيب باسمها، قلقاً شديداً على بناء quot;دير سريانيquot; على حدود مملكتها الخابورية،وطالب مسئول المجموعة آنذاك،ومن على منبر الكنيسة الشرقية، بوضع حد للزحف السرياني للمناطق الآشورية، بينما الزحف الديمغرافي، العربي الاسلامي، كان يسير بخطى متسارعة، يضيق الخناق على القرى الآشورية. في ذات الحفل التأبيني،تحت تأثير ثقافة الاستبداد السائدة في المجتمع السوري والخوف من الخروج عن نهج الاستبداد،اختير ضابط آشوري quot;لواء متقاعدquot;، ورجل دينquot;اسقفquot;، لازاحة الستار عن النصب التذكاري للفقيد.قطعاً،هذا الاختيار لم يكن بريئاً بالمعنى السياسي.تفضيل الضابط ورجل الدين،مع كامل الاحترام والتقدير لهما، كشف عنquot;محنة العقل السياسيquot; الآشوري.اذ،كان من الأنسب أن يقوم رئيس بلدية المدينة، أو ممثل عن نقابة الأطباء- باعتبار الفقيد كان طبيباً- بازاحة الستار عن النصب التذكاري.

أخيراً: تبقى الأفضلية، في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة،لمن له القدرة على إزاحة quot;ستار الخوفquot; عن الآشوريين السوريين، وتخليصهم من داء فقدان quot;المناعة القوميةquot;.

سليمان يوسف يوسف
آشوري سوري. مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]