في عام 1968 وفي مدينة إستانبول بدأتٌ دراسة اللغة التركية كتحضير للدخول الى الجامعة فيما بعد.
في العاشر من شهر تشرين الأول وفي الساعة التاسعة إلا خمسة دقائق تماماً فوجئتٌ بتوقف جميع السيارات والتي أطلقت العنان لمنبهاتها، حيث ضجت سماء المدينة بأصوات صافرات الإنذار وإنضم الى كل ذلك صافرات السفن الراسية في الميناء والتي كانت تهز المدينة. وتوقف كل فرد عن الحركة وفي حالة وجوم باد للعيان, ودام كل ذلك لمدة خمسة دقائق.كانت تلك اللحظة هي ساعة وفاة الزعيم التركي كمال آتاتورك. تلك المراسيم كانت متبعة منذ عام 1939 السنة التي رحل فيها آتاتورك.
بالإضافة الى تلك المراسيم كانت كل أماكن اللهو والتسلية مغلقة تماماً ولمدة 24 ساعة, بما في ذلك المقاهي العادية والسينما وأماكن تقديم المشروبات من حانات وصالات الغناء وحتى إلغاء جميع الفعاليات الرياضية. الإذاعة كانت تبث الموسيقى الجنائزية الحزينة وتتخللها أحاديث عن حياة الزعيم ومآثره[التلفيزيون لم يكن قد تأسس في تركيا حينها]. هكذا كانت حياة دولة وشعب ليوم كامل. يوم كئيب كالح يتكرر كل عام. الإنسان يحتار الى أين يذهب وماذا يفعل في تلك المدن الكبيرة وفي جميع أنحاء تركيا. البشر تسير وتدور على نفسها لا تعرف ماذا تفعل..
في عام 1983 تقلد المرحوم توركوت أوزال دفة الحكم كرئيس للوزراء عن طريق صندوق الإقتراع رغم أرادة العسكر الذين حاربوه أثناء الحملة الإنتخابية. وكنت آنذاك في أنقرة لدراسة الإختصاص في الطب البشري.
الرئيس أوزال أصدر قراراً ألغى فيه كل تلك الفعاليات الحزينة والكئيبة ليوم وفاة أتاتورك عدا تلك الخمسة دقائق المذكورة آنفاً والتي لا تزال سارية حتى يومنا هذا.
فتحت المقاهي والملاهي أبوابها كذلك أماكن الطرب والغناء والحانات وصالات الرياضة الخ......ومن كان يتجرأ على إتخاذ مثل هذا القرار المجنون ــ حينها ــ غير ذلك الإنسان الجريء أوزال.
توجه المرحوم أوزال الى الشعب ليشرح الأسباب التي دفعته لإتخاذ هذا القرار, ومن بين ما ذكر, أن هناك الكثير من الذين يحبون أتاتورك وquot;لكننا ندفعهم الى النفور منه نتيحة تصرفاتنا الطائشة وذلك بتعكير يوم كامل لشعب بأسره وتحويله الى جهنم لايطاقquot;. وهذا ما كان قد حدث بالفعل في العقود السابقة وكان الإشمئزاز قد إزداد من أتاتورك بين الجماهير, ولكن من يجرؤ على الإفصاح عن ما يدور في صدره؟.
في الحقيقة نجح أوزال في قراره هذا وتحول ذلك اليوم الكئيب الى يوم عادي عدا تلك الخمسة دقائق الموصوفة أعلاه وعم الإرتياح في جميع أنحاء البلاد.
لقد ظن الكماليون والعسكر أن تلك المراسيم القديمة ستجعل ذكرى أتاتورك حية في ضمير الشعب وترفع من مجده.إلا أن ما حدث كان العكس تماماً. فعلى الأقل كره أكثرية الشباب والأطفال و رواد المقاهي وكل متذوقي الخمر أتاتورك في يوم ذكراه بالذات كما ذكرت الصحافة فيما بعد.
لماذا سرد هذه الحكاية؟؟؟.
في الحقيقة صرتٌ أخشى أن يحصل نفس الشيء للملا مصطفى برزاني الأب الروحي للشعب الكردي. فأينما ذهبت اليوم في دوائر الدولة والأماكن العامة في إقليم كردستان العراق لا تجد إلا صور البرزاني, وتكاد لاتخلو كتابة أو مقالة أو نشرة حزبية إلا وتكون مزدانة بهذا الإسم الكبير بمناسبة وبدون مناسبة متبوعاً بالأوصاف والنعوت التي صارت ملكاً ولازمة لا بد من وضعها أمام إسم حكام العالم العاشر, وكل تلك البرامح التلفزيونية عن البرزاني والتي تتكرر بشكل ممل وفي كل عام وفي نفس التاريخ ودون أي تبديل ستدفع بمحبي البرزاني الى الضفة المضادة. لابد من وضع حد لهذا الفكر الإعلامي الضحل والجاهل.
كذلك تظهر الكثير من الكتبات والنشرات الحزبية المهلهلة والخالية من الفكر والتي لا تحوي أية فائدة معلوماتية, بحيث يضطر أصحابها الى إدخال إسم البرزاني في ثناياها بقصد التزيين ولفت الإنتباه, والنتيجة تنقلب سلباً تماماً.
وفي المناسبات الخاصة بذكراه نجد ذلك التكرار الذي يتجاوز كل حدود , ولو عرف هؤلاء ملا مصطفى حق المعرفة ومدى إشمئزازه من الألقاب لما أبدوا مثل هذا التصرف.
هناك الكثير الكثير من الذين يحبون البرزاني وكل ما يكتبون عنه نابع من ضميرهم ووجدانهم الصافي دونما شك, ولكن من الأفضل أن نحسب النتائج وتأثيراتها ولا نقع فيما وقع فيه الكماليون والعسكر بصدد الزعيم أتاتورك.
بالرغم من إطالتي أود أن أسرد عليكم إحدى آلاعيب الدولة السرية التركية والتي لها علاقة بموضوعنا. بمرور الزمن وظهور الأجيال الجديدة ولكثرة هياكل أتاتورك وصوره في كل مكان, وإمتلاء الكتب الدراسية بسيرته حدثت حالة من اللامبالاة بشخصه بل ساد الإمتعاض الصامت في كثير من الأوساط كرد فعل نابع من الطبيعة البشرية ضد عبادة الفرد.
هنا بدأت الدولة السرية لعبتها.إذ ظهر أحد أعضاء البرلمان وكان ينتمي الى حزب السيد نجم الدين أربكان الإسلامي ويدعى حسن مزارجي. تحدث ذلك الشخص الى الصحافة قائلاً بالحرف الواحد بأن أتاتورك هو quot;إبن الزنىquot; وتلفظ تماماً كما تلفظ الكلمة بالعربية هكذا ( bini zina). قامت الدنيا في تركيا ولم تقعد من أصغر قرية حتى أكبر مدينة حيث إمتلأت الشوارع والساحات رافعة صور أتاتورك والأعلام التركية يعبرون فيها عن ولائهم وإجلالهم لزعيمهم كرد فعل لما حدث. لقد إنطلت اللعبة على الشعب المسكين وكان ذلك في نهاية التسعينات, ولم تنطفئ تلك الجذوة حتى يومنا هذا. عاد أتاتورك كسابق عهده تجله الجماهير.
أما صاحب التصريحات فلم يدخل السجن ولم تلمسه يد بأذى كما يتصور المرء بل لم يٌحقق معه قطعاً بسبب حصانته البرلمانية. والذي يثبت أن كل ذلك كان عبارةعن لعبة محبوكة هو أنه كان من الممكن رفع تلك الحصانة عنه في غضون ساعة واحدة داخل البرلمان, وأرساله الى السجن ولكن لم يفعلوا ذلك, بينما فعلوا الأمر مع عدد من البرلمانيين الكرد سابقاً وفي نفس البرلمان حيث أقتيد هؤلاء مباشرة من ساحة البرلمان الى السجن وأمام كاميرات التلفزة ذلك عندما أصروا على حلف اليمين الدستورية كأعضاء برلمانيين باللغة الكردية.
هذا الشخص غاب عن الأنظار ليظهر بعد ذلك في ألمانيا وإدعى أنه المسيح المرتقب لابساً أسمالاً عجيبة لا يرضى بلبسها حتى المجانين.
هكذا ضربت الدولة السرية عدة عصافير بحجر واحد:
ــ إعادة الوهج الى صورة أتاتورك:
ــ أن من يتجرأ المساس بأتاتورك سيصاب بالجنون.
ــ تعرض حزب أربكان الى هزات عنيفة بسبب إنتماء هذا quot;المجنونquot; إليه علماً أنه كان أحد عملاء الدولة السرية.
كل هذه اللعبة كانت لأجل إعادة الوهج الى صورة أتاتورك والتي كانت في طريقها الى الذبول والنسيان......وقد نجحوا في ذلك.
في العاشر من شهر تشرين الأول وفي الساعة التاسعة إلا خمسة دقائق تماماً فوجئتٌ بتوقف جميع السيارات والتي أطلقت العنان لمنبهاتها، حيث ضجت سماء المدينة بأصوات صافرات الإنذار وإنضم الى كل ذلك صافرات السفن الراسية في الميناء والتي كانت تهز المدينة. وتوقف كل فرد عن الحركة وفي حالة وجوم باد للعيان, ودام كل ذلك لمدة خمسة دقائق.كانت تلك اللحظة هي ساعة وفاة الزعيم التركي كمال آتاتورك. تلك المراسيم كانت متبعة منذ عام 1939 السنة التي رحل فيها آتاتورك.
بالإضافة الى تلك المراسيم كانت كل أماكن اللهو والتسلية مغلقة تماماً ولمدة 24 ساعة, بما في ذلك المقاهي العادية والسينما وأماكن تقديم المشروبات من حانات وصالات الغناء وحتى إلغاء جميع الفعاليات الرياضية. الإذاعة كانت تبث الموسيقى الجنائزية الحزينة وتتخللها أحاديث عن حياة الزعيم ومآثره[التلفيزيون لم يكن قد تأسس في تركيا حينها]. هكذا كانت حياة دولة وشعب ليوم كامل. يوم كئيب كالح يتكرر كل عام. الإنسان يحتار الى أين يذهب وماذا يفعل في تلك المدن الكبيرة وفي جميع أنحاء تركيا. البشر تسير وتدور على نفسها لا تعرف ماذا تفعل..
في عام 1983 تقلد المرحوم توركوت أوزال دفة الحكم كرئيس للوزراء عن طريق صندوق الإقتراع رغم أرادة العسكر الذين حاربوه أثناء الحملة الإنتخابية. وكنت آنذاك في أنقرة لدراسة الإختصاص في الطب البشري.
الرئيس أوزال أصدر قراراً ألغى فيه كل تلك الفعاليات الحزينة والكئيبة ليوم وفاة أتاتورك عدا تلك الخمسة دقائق المذكورة آنفاً والتي لا تزال سارية حتى يومنا هذا.
فتحت المقاهي والملاهي أبوابها كذلك أماكن الطرب والغناء والحانات وصالات الرياضة الخ......ومن كان يتجرأ على إتخاذ مثل هذا القرار المجنون ــ حينها ــ غير ذلك الإنسان الجريء أوزال.
توجه المرحوم أوزال الى الشعب ليشرح الأسباب التي دفعته لإتخاذ هذا القرار, ومن بين ما ذكر, أن هناك الكثير من الذين يحبون أتاتورك وquot;لكننا ندفعهم الى النفور منه نتيحة تصرفاتنا الطائشة وذلك بتعكير يوم كامل لشعب بأسره وتحويله الى جهنم لايطاقquot;. وهذا ما كان قد حدث بالفعل في العقود السابقة وكان الإشمئزاز قد إزداد من أتاتورك بين الجماهير, ولكن من يجرؤ على الإفصاح عن ما يدور في صدره؟.
في الحقيقة نجح أوزال في قراره هذا وتحول ذلك اليوم الكئيب الى يوم عادي عدا تلك الخمسة دقائق الموصوفة أعلاه وعم الإرتياح في جميع أنحاء البلاد.
لقد ظن الكماليون والعسكر أن تلك المراسيم القديمة ستجعل ذكرى أتاتورك حية في ضمير الشعب وترفع من مجده.إلا أن ما حدث كان العكس تماماً. فعلى الأقل كره أكثرية الشباب والأطفال و رواد المقاهي وكل متذوقي الخمر أتاتورك في يوم ذكراه بالذات كما ذكرت الصحافة فيما بعد.
لماذا سرد هذه الحكاية؟؟؟.
في الحقيقة صرتٌ أخشى أن يحصل نفس الشيء للملا مصطفى برزاني الأب الروحي للشعب الكردي. فأينما ذهبت اليوم في دوائر الدولة والأماكن العامة في إقليم كردستان العراق لا تجد إلا صور البرزاني, وتكاد لاتخلو كتابة أو مقالة أو نشرة حزبية إلا وتكون مزدانة بهذا الإسم الكبير بمناسبة وبدون مناسبة متبوعاً بالأوصاف والنعوت التي صارت ملكاً ولازمة لا بد من وضعها أمام إسم حكام العالم العاشر, وكل تلك البرامح التلفزيونية عن البرزاني والتي تتكرر بشكل ممل وفي كل عام وفي نفس التاريخ ودون أي تبديل ستدفع بمحبي البرزاني الى الضفة المضادة. لابد من وضع حد لهذا الفكر الإعلامي الضحل والجاهل.
كذلك تظهر الكثير من الكتبات والنشرات الحزبية المهلهلة والخالية من الفكر والتي لا تحوي أية فائدة معلوماتية, بحيث يضطر أصحابها الى إدخال إسم البرزاني في ثناياها بقصد التزيين ولفت الإنتباه, والنتيجة تنقلب سلباً تماماً.
وفي المناسبات الخاصة بذكراه نجد ذلك التكرار الذي يتجاوز كل حدود , ولو عرف هؤلاء ملا مصطفى حق المعرفة ومدى إشمئزازه من الألقاب لما أبدوا مثل هذا التصرف.
هناك الكثير الكثير من الذين يحبون البرزاني وكل ما يكتبون عنه نابع من ضميرهم ووجدانهم الصافي دونما شك, ولكن من الأفضل أن نحسب النتائج وتأثيراتها ولا نقع فيما وقع فيه الكماليون والعسكر بصدد الزعيم أتاتورك.
بالرغم من إطالتي أود أن أسرد عليكم إحدى آلاعيب الدولة السرية التركية والتي لها علاقة بموضوعنا. بمرور الزمن وظهور الأجيال الجديدة ولكثرة هياكل أتاتورك وصوره في كل مكان, وإمتلاء الكتب الدراسية بسيرته حدثت حالة من اللامبالاة بشخصه بل ساد الإمتعاض الصامت في كثير من الأوساط كرد فعل نابع من الطبيعة البشرية ضد عبادة الفرد.
هنا بدأت الدولة السرية لعبتها.إذ ظهر أحد أعضاء البرلمان وكان ينتمي الى حزب السيد نجم الدين أربكان الإسلامي ويدعى حسن مزارجي. تحدث ذلك الشخص الى الصحافة قائلاً بالحرف الواحد بأن أتاتورك هو quot;إبن الزنىquot; وتلفظ تماماً كما تلفظ الكلمة بالعربية هكذا ( bini zina). قامت الدنيا في تركيا ولم تقعد من أصغر قرية حتى أكبر مدينة حيث إمتلأت الشوارع والساحات رافعة صور أتاتورك والأعلام التركية يعبرون فيها عن ولائهم وإجلالهم لزعيمهم كرد فعل لما حدث. لقد إنطلت اللعبة على الشعب المسكين وكان ذلك في نهاية التسعينات, ولم تنطفئ تلك الجذوة حتى يومنا هذا. عاد أتاتورك كسابق عهده تجله الجماهير.
أما صاحب التصريحات فلم يدخل السجن ولم تلمسه يد بأذى كما يتصور المرء بل لم يٌحقق معه قطعاً بسبب حصانته البرلمانية. والذي يثبت أن كل ذلك كان عبارةعن لعبة محبوكة هو أنه كان من الممكن رفع تلك الحصانة عنه في غضون ساعة واحدة داخل البرلمان, وأرساله الى السجن ولكن لم يفعلوا ذلك, بينما فعلوا الأمر مع عدد من البرلمانيين الكرد سابقاً وفي نفس البرلمان حيث أقتيد هؤلاء مباشرة من ساحة البرلمان الى السجن وأمام كاميرات التلفزة ذلك عندما أصروا على حلف اليمين الدستورية كأعضاء برلمانيين باللغة الكردية.
هذا الشخص غاب عن الأنظار ليظهر بعد ذلك في ألمانيا وإدعى أنه المسيح المرتقب لابساً أسمالاً عجيبة لا يرضى بلبسها حتى المجانين.
هكذا ضربت الدولة السرية عدة عصافير بحجر واحد:
ــ إعادة الوهج الى صورة أتاتورك:
ــ أن من يتجرأ المساس بأتاتورك سيصاب بالجنون.
ــ تعرض حزب أربكان الى هزات عنيفة بسبب إنتماء هذا quot;المجنونquot; إليه علماً أنه كان أحد عملاء الدولة السرية.
كل هذه اللعبة كانت لأجل إعادة الوهج الى صورة أتاتورك والتي كانت في طريقها الى الذبول والنسيان......وقد نجحوا في ذلك.
طبيب كردي سوري ــ السويد [email protected]
التعليقات