يستغرب الدكتور علي الوردي في واحدة من إلتقاطاته الذهبية ، فيتسائل عن المشيدات الكبرى في العالم مثل الاهرامات وسور الصين والمعابد والكنائس والمساجد التاريخية الكبرى ،ويقول الحق كل الحق لأبناء الجلاوزة والطغاة والملوك أن يزورا تلك المواقع الأثرية العملاقة ، فهي تذكرهم بأجدادهم الجلاوزة وأمجادهم ، ِأما أن يقوم أبناء الصعاليك والفقراء بزيارة تلك المواقع فهذا أمر يستغرب له !!!، فهل يريد أبناء الصعاليك والمسحوقين تذكر أجدادهم وهم يرفعون الثقال تحت عنف السياط والقتل والدماء والموت المجاني ورق العبيد لبناء تلك الأصرحة التي يجب أن يطلق عليها مقابر البشر والأدميين .انه استغراب وتشظي اجتماعي أطلقه الوردي قبل ستة عقود من السنين ،وقصده واضح ولايعني الماركسيين بشيء في فلسفة وتناحر الطبقات ،كذلك لايسيء لأحد من أصحاب الأنوف العالية ذات التاريخ بجميع أنواعها، فالنفس البشرية التي يعالجها الوردي هي واحدة إن كانت صفراء أو سوداء او التي بيضاء أوالمنعدمة المصهورة على الأغلب .

أمضيت ُ أكثر من عشرة أعوام معتصما ً ببغداد ،كنت ُ جنديا ًمكلفا ً أول الأمر ثم هاربا ً مطارداً لعدة سنوات ،متخفيا ً متسترا ً مقهورا ً وذليلا ً بسبب العوز ،لكني ورغم فراغ الوقت الهائل الذي كنت أعاني منه لم يبدر لي أن أزور موقعا ً اثريا ًُ فيها ،مع حبي اللذيذ ،و في نهاية شارع المتنبي كنت أعبر شارعا ً لأصل سوقا ً قديما ً لبيع القماش والسجاد تتصل جوانبه بعد عبور شارع أو طريق للسيارات بالمدرسة المستنصرية العباسية ،أقف ُ مرارا ً أمامها ولم أدخل ،وكانت لي صديقة لطيفة في (الحلّة) بابل القديمة تدعوني مع زوجها لزيارة بابل ولم أفعل ،وقد أطلق أحد أعمامي(الفنان حسين الشنون ) اسم الزقورة من (اور السومرية )وفي مدينة الناصرية جنوبي العراق على (كاليره ) الفني التجاري في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ،ولم أر َ الزقورة في حياتي ولم يبادرني شعور بالذهاب اليها ،وفي الأردن عام 1999 أمضيت شهرا ً في وسط البلد ولم استمع لنداء التاريخ في زيارة أثارالرومان و البتراء أو ما يطلقونه بعض الأصدقاء على بعض الاثار مثلquot;تخسر العمر اذا ما بتشوف quot; ،وكنت أسخر في داخلي ،هل سمعتم بشيعي عراقي لم يزر علي والحسين والعباس وسامراء والكاظم ؟؟.

في اليوم الثاني من نيسان عام 1991 وصلت الى الحدود السعودية كلاجىء ولم أرَ سوى صحراء ودشاديش وقسوة بالغة وغبار ودم ّ وتهديد وسفالة وانحطاط إنساني تام وشامل من (الفريقين ) العراقي والسعودي معا ً ،من أبناء الصعاليك (أمثالي ) ومن الجلاوزة وخدام الحكام وعبيدهم الهاربين معي ،وفي الرابع والعشرين من تموز 1994 وفي فجر اليوم الذي تلاه ،كان فجرا ً من الأنوار ، وصلت لأستراليا ، لمدينة بيرث عاصمة استراليا الغربية التي عمرها يقل عن مئة عام أي اصغر من بغداد ودمشق والقاهرة وصنعاء وقرطاج والرياض بعدة مئات من السنين ،حيث تم الشروع ببنائها بعد تأسيس الديمقراطية الفيدرالية الأسترالية عام 1901،شاهدت الطرق والبنايات والمصانع والحقول والأسواق ومحلات الزهور وطرق السكك والموانىء والبلاجات واماكن الترفيه ،وكذلك تحسست بكل عمق نوعية البشر ومدى تأثرهم بافكار الشر والخيرالدينية المتنوعة التي اسست لحرية الفرد البشري واحترام القرد والحمار ،،حيث اشتريت صابونا ً للأيادي غسلت فيه وجهي قيل لي بعدئذ انه صابون لغسل الأكف فقط ،وكان في السعودية ولي العهد السعودي الأمير عبدالله هو الحاكم الفعلي الذي لم يزل ملكا ً ،وفي استراليا كان بول كينتنغ،ذهب كيتنغ وجاء جون هاورد الأسترالي لمدة 11 عاما ، وجاء الصعلوك الفقير الأسترالي كيفن راد ،وذهب جورج بوش الأب وجاء كلينتون وجاء نيلسون مانديلا وذهب وجاء بوش الأبن وذهب وجاء ابن الصعلوك الأفريقي اوباما ،وذهب جاك شيراك وجاء ابن الصعلوك اليهودي ساركوزي وذهب رابين وجاء نتنياهو وذهب نتنياهو وجاء بيرييز وراح بيرييز وجاء ايهود باراك وذهب باراك وجاء شارون وغاب شارون وجاء اولمرت وباراك وذهب اولمرت وجاء نتنياهو ،وذهب صدام وجاء الصعلوك المالكي والصعلوك شافيز البوليفي والصعلوك العمالي البرازيلي ،والصعلوك الأوكراني والصعلوك الروسي ....... ،وحسني مبارك والقذافي وعمر البشير وبوتفليقة وزين العابدين وعلي صالح والأسد الصغير وشيوخ الخليج ، ومعهم شعوبهم، لايبدل الله فيهم تبديلا .

وله الحكمة والتدبير .


واصف شنون