ملف عنيد يسخن ويبرد بين الفينة والاخرى وحسب فصول السنة الشرقية اللاهبة الحرارة صيفا والباردة الى حد معقول شتاءا وربما هذا هو سر كثرة الملفات الساخنة وطولها بطول اشهر الصيف التي لا يبردها سوى بعض النسمات المنعشة التي سرعان ما يطردها ويقضي عليها فحيح الحر، وهذا الملف هو الملف الكويتي العراقي الذي صار شابا يافعا الان يستعد بعد ان تجاوز ربيعه التاسع عشر الى اللحاق بعمه الكبير quot;الصراع العربي الاسرائيليquot; وهو يخوض سنواته الستين دون ملل او كلل وquot;العمر طويلquot;.
الاسبوع المنصرف قراءت للكاتب الكويتي الدافئ سعد بن طفله مقالا في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعنوان quot;الطيار والبنك وديون الكويتquot; وفهمت من خلاله بواعث القلق الكويتية من جارها العراق والتي اختصرها بحادثين مهمين الاول سرقة quot;مصرف الزويةquot; وهو بنك عراقي يقع في جانب الرصافة الشرقي ببغداد وتحديدا في الكرادة معقل عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الاسلامي الاعلى الذي يرعى منظمة بدر التي تكونت كمليشيا مسلحة في ايران وتدربت على يد ضباط فيلق القدس الايراني منذ العام 1982 بشكل احترافي ومهني عال المستوى، وتنتشر عناصرها الان في تلك المنطقة تحديدا وتتولى مهمة حماية الساكنين فيها ومؤسسات الدولة وحماية العناصر القيادية في المجلس الاسلامي الاعلى سواء كانوا برلمانيين او نشطاء او مسؤولين حكوميين علاوة على مهام خاصة لا نعرفها نحن ولا quot;الراسخون في العلمquot;، وقد القت الشرطة العراقية القبض على الفاعلين الذين سرقوا ثمانية مليارات دينار عراقي وقتلوا عناصر حماية المصرف الثمانية وتم الكشف عنهم واتضح انهم من عناصر حماية نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي القيادي في المجلس الاسلامي الاعلى، ولعل سوابق عديدة غابت عن مقال زميلنا منها سرقة بنك الوركاء في ذات المنطقة منذ ثلاث اعوام، وخبر انتشر منذ اكثر من اسبوع في وسائل الاعلام العراقية يخص قيادي اخر في هذا المجلس هو حامد البياتي وجدت الشرطة السويسرية معه حقيبة تضم 40 مليون دولار وهو سفير العراق في الامم المتحدة، وقصص صحفية اخرى تحدثت عن استثمارات كبيرة يقوم بها عمار الحكيم نجل عبد العزيز الحكيم في مدينة ميونخ الالمانية، وشراء مساحات من الاراضي باسعار وهمية في مركز مدينة النجف تابعة للمقبرة القديمة، وتهريب النفط، والاستثمارات الوهمية وعقود الاعمار التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.. والقائمة تطول ولا تخص اخوتنا المؤمنين المسلمين في التيارات الاسلامية العراقية فحسب بل تتعداهم على تنوع الخريطة العراقية، وحالات الفساد التي يطول شرحها ووزير التجارة ووزارته التي تم السكوت عنها مؤخرا ومجموعة مستشاري رئيس الوزراء التي تمتد استثماراتهم من استراليا مرورا بالامارات والاردن وحتى اوربا وامريكا وصفقات السلاح وغيرها.. ومن حسن حظ الانسان ان له عشرة اصابع فقط ويتوقف عن العد ولا يطيل اكثر على القراء.
ثاني بواعث القلق التي ساقها سعد بن طفله انقلها كما هي quot;فكان العثور على رفات الكابتن طيار الأميركي النقيب مايكل سبايكر بعد مرور ثمانية عشر عاما على إسقاط طائرته في الأنبار ليلة اندلاع عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت في السابع عشر من يناير عام 1991. والرواية التي ساقتها وسائل الإعلام الأميركية أن بدويا في الصحراء تذكر أنه دفن جثمان الطيار في منطقة صحراوية بعد إسقاط طائرته مباشرة، وهي رواية أقرب ما تكون إلى فيلم هوليوودي من أفلام الخيال العلمي: لماذا انتظر كل هذه المدة كي يخبر الجيش الأميركي بمكان دفن الطيار؟ وكيف تذكر laquo;فجأةraquo; أنه دفن طيارا أميركيا في تلك المنطقة؟ وهل وضع علامة على مكان القبر كي يعود إليه بعد 18 عاما؟ ولماذا انتظر 6 أعوام كاملة على سقوط النظام الذي أسقط الطيار ليتذكر عملية الدفن ومكانهاquot;؟. كما أثارت قصة laquo;التذكرraquo; العراقي لدفن الطيار الأميركي غصة في قلوب أهالي أكثر من ثلاثمائة وخمسين كويتيا لا يزالون مفقودين في العراق ولم يتم التوصل إلى رفاتهم أو التعرف على مصيرهم، صحيح أنه يصعب الاعتقاد أن تلكؤا رسميا وراء استمرار حالة الغموض هذه، لكن الحادثة حركت أوجاعا لدى أهالي المفقودين الكويتيين يصعب تهدئتها بتصريحات مجاملة بين البلدين.
العراقيون وانا منهم شعب منكوب لا يتجادل اثنين في ذلك وهذا بفعل quot;براقش التي جنت على نفسهاquot; حين صفقت للمستبدين وخربت الدولة اكثر من مرة وانتمت لزعماء الطوائف وارتضت حكم المتشردين وغيبت العقل والمصلحة لصالح الماورائيات والروزخونيات والقومجيات وراحت تلعن حظها العاثر، وادرك تماما ان من غيب تحت الثرى الاف من العراقيين ومن سقط في حرب الثماني اعوام اكثر ومثلهم في quot;ام الهزائمquot; واخرين لا يقلون عددا في سجون quot;رمز الامة العربيquot; والعدد يتضاعف في حصار الثلاث عشرة عام، والحصيلة تكبر اكثر في حرب المفخخات لطرد quot;الاحتلال الامريكيquot;، ولكن لكل هؤلاء شواهد وقبور ساهموا في منح مقبرة النجف ميزة عالمية حيث وصفت بانها ثان اكبر مقبرة في العالم بعد مقبرة الصين، وطبعا مع الفارق السكاني بين الشعبين حيث الاول لم يتجاوز 25 مليون نسمة والثاني مليار.. وهنا تكمن السخرية اللاذعة.. عموما.. يمكنني ان اسرد مثلا بسيطا جرت وقاعه في الثمانينات ما زال يرفض مغادرة ذاكرتي حتى اللحظة عندما قام صدام حسين باعدام احد الاقارب الذي هو احد الجيران الذي هو احد العراقيين ورفض تسليم جثته لاهله ودفن حيثما دفن وتم الكشف عن رفاته بعد عام 2003، ومنذ هذا التاريخ لم اشاهد بعد دموع امه وحسرات زوجته التي استمرت 15 عام دون توقف، لكن هذه حكاية من زمن الجلاد فما بال الضحية اليوم سيما وان خبرات العراقيين في التنقيب عن المقابر الجماعية فاقت حد المعقول وصرنا نكشف قبور الميتين سابقا والحديثة منها، وليس اخرها، مقبرة تقع في منطقة خلف السدة في مدينة الصدر quot;الثورة سابقاquot; معقل جيش المهدي تضم هذه المقبرة عراقيين غالبيتهم من السنة تمتزج معهم جثث لعلمانيين ونشطاء ديمقراطيين وابرياء لا حول لهم ولا قوة، كما كشفت البراعة الحفرية ايضا عن مقابر جماعية في صحراء غرب العراق ضحاياها هذه المرة الشيعة والعلمانيين والنشطاء والديمقراطيين وابطال المجزرة اخوة الجهاد والتوحيد.
هذه المقالة صرخة في وجه العراقيين بالتوقف عن البحث خارج الحدود عن حلول لمشاكلهم وان يقولوا للذين صرخوا تحت قبة البرلمان مطالبين برفع البند السابع اين هي اموال العراق الان واين سياسته الاقتصادية واين القانون واين الميزانية واين الشفافية واين حياة الناس واين المصالحة الوطنية واين الخدمات والامن واين حرية التعبير واين حقوق الانسان واين الحريات الشخصية.. اي واين واين.. كثيرة اقولها ثم بعد ذلك طالبوا بما تريدون، ان البند السابع ما هو الا باب يفتح من اجل المزيد من السرقات وان اثارة التوترات مع الدول المجاورة يقف وراءها تجار السلاح من اجل عقد المزيد من الصفقات المربحة، ولا ابرء المرشحين للانتخابات القادمة من استخدام هذه المشكلة لاثارة الحماس الوطني المفتعل والهوسي.