رانيه عقلة حداد:افتتح الفيلم الوثائقي الطويل السويدي quot;اهلا بكم في الخليلquot; عروض مهرجان الاردن للفيلم القصير، وهو من انتاج 2007، اخراج تيرجي كارلسون.
منذ البداية الاولى يدخلنا المخرج في جو من التوتر، تخلقة مجموعة لقطات تظهر جنود اسرائيليين يجبون شوارع مدينة الخليل، وهم في حالة استعداد لاطلاق النار، من ثم يقدم لنا المخرج ليلى؛ الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهي تنزل الدرج وتعرفنا على نفسها، فمن خلال تتبع الحياة اليومية لهذه الفتاة الفلسطينية، يقدم لنا الفيلم معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي وكذلك معاناتهم مع المستوطنيين.
الفيلم مليء بالتقابلات التي تخدم فكرة عدم التكافؤ بين قوتين، كالمقابلة بين الجنود الاسرائيلين باسلحتهم في بداية الفيلم وليلى الفتاة المسلمة ابنة السبعة عشر عاما، من ثم لاحقا ايضا الجنود الاسرائيليين وهم هذه المرة يفتشون الحقائب المدرسية للاطفال الفلسطينيين في طريقهم الى المدرسة، تقابل هذه الصور يدفع المشاهد الى المقارنة ويبعث احساسا بعدم التكافؤ والقهر، فماذا يمكن ان يفعل طفل فلسطيني بحقيبته المدرسية او فتاة شابة كـ ليلى، امام جندي اسرائيلي مسلح، وهذا يطرح التساؤل من يفترض ان يخاف من الاخر، الجندي الاسرائيلي من الطفل الفلسطيني، ام الطفل الفلسطيني من الجندي الاسرائيلي المسلح؟
الصورة تعبر بعمق عن الخوف الذي يسيطر على الاسرائيلين حتى من اطفال الفلسطينيين، وتظهر سطوة هذه القوة على مناحي حياة الفلسطيينين المختلفة بجميع فائتهم العمرية، وتعكس الحياة غير الطبيعية التي يعيشها هؤلاء الاطفال، بالمقابل هناك الاطفال الاسرائيليين في المستوطنات المجاورة والتي يعمل الجنود الاسرائيليين على حماية حياتهم من الفلسطينيين، واكثر من هذا نرى اطفال اسرائيلين يلقون الحجارة على الفلسطينيين، ونساء من المستوطنات تهاجم وتسب الفلسطينيين وهذا واقع تحجبه عنا وسائل الاعلام، وكان للفيلم فضل رصده وتقديمه لنا وللعالم الغربي الذي سيعرض الفيلم على شاشاته.


عندما تُقدم جهة اجنبية على انتاج فيلم يتناول القضية الفلسطينية، دائما ينتابنا قلق من وجهة النظر التي ترغب تلك الجهة بتقديمها، والى اي جانب ستقف بالتالي الى اي زمرة ينتمي، فليست النوايا البريئة هي التي تغلب على هذا النوع من الافلام، رغم ان القضية الفلسطينية حظيت على مرور السنين بمناصرة عدد من المخرجين المستقلين الاجانب من خلال افلامهم التي صنعوها والتي تقدم المعاناة الفلسطينية وحقيقة الشعب الفلسطيني كصاحب حق ومناضل من اجل نيل حقوقه المسلوبة من قبل المحتل الاسرائيلي، وابراز مشكلة احتلال واغتصاب الطرف الاسرائيلي للارض والحقوق الفلسطينية، فالى اي زمرة والى اي من هؤلاء ينتمي مخرج هذا الفيلم والجهة المنتجة التي تقف من خلفه، كنظرة اولية يبدو انه من الافلام القليلة المناصرة للقضية الفلسطينية، التي تعنى باظهار معاناة الشعب الفلسطيني للعالم من خلال رصد الحياة اليومية في احدى المدن الفلسطينية المحتلة، وما يتعرضوا له سواء من الجنود الاسرائيلي او من المستوطنين، مع ابراز المستوطن كشخص مؤذي ومهاجم، الا ان الفكرة الخطرة التي تتسرب من بين ثنايا الفيلم والتي يرغب صناع الفيلم بايصالها وتعميمها بهدوء، هي ما تجعله يختلف عن باقي الافلام التي ناصرت القضية، وتضعه في زمرة الافلام الاخرى، فما يقدمه في نهاية الفيلم تبدو معه كأن المشكلة ليست بالاساس تكمن بالاحتلال، وحلها بالتالي لا يمكن ان يكون الا بزوال هذا الاحتلال، انما المشكلة تكمن في التعايش في عدم قبول الاخر المختلف دينيا اي في عدم قبول اليهودي لغير اليهودي، بينما المسلم الفلسطيني كما ورد على لسان ليلى يتقبل الاخر مهما اختلفت ديانته، اي نحن نتقبلكم كيهود لكن انتم لا تتقبلونا هذه هي المشكلة، ووجهة النظر هذه التي عبرت عنها ليلى والتي حملها الفيلم كرسالة، يبدو للاسف انها تنسجم ليس فقط مع المزاج العالمي لكن مع المزاج العام العربي الحالي ايضا.
فنيا كان يمكن اختصار مدة الفيلم الى النصف دون ان تتأثر جودته، بالاضافة الى انه منذ بداية الفيلم تم تقديم ليلى كشخصية رئيسية فيه، وتهيئة المشاهد انه سيتابع حياتها اليومية، وبالتالي ستتم رواية الاحداث من قبلها، مع التركيز على حياتها كمحور رئيسي الامر الذي لم نلمسه خلال الفيلم، فاحيانا كان هناك تركيز على اكثر من شخصية على حساب الشخصية الرئيسية، كالضابط السابق في الجيش الاسرائيلي والمتعاطف مع الجانب الفلسطيني، كما ظهرت شخصية الراوي/المخرج في المشهد الذي يعطي معلومات عن الخليل والمستوطنين بمرافقة صورة لخريطة فلسطين، وهو مشهد يشذ عن الاسلوب العام للفيلم، ويأخذه اكثر الى الاسلوب الاكاديمي بعيدا عن التأملي.

[email protected]