لولاكِ هذه حياتي

مراد حركات

*لولاكِ ما رسَمَ الفؤادُ ضياكِ *
* أو حرّرَ القمرَ المنيرَ دجاكِ *
*لولاكِ ما احترقَتْ بنبضيَ عتمةٌ *
* بالفجْـرِ فانْطفأتْ بصبْحِ نَداكِ *
*جرْحي تمدّدَ فوْقَ أجْفانِ الشذا *
* واحْتارَ في مدِّ الجراحِ شذاكِ *
*جرفَتْ أماني الحُبِّ عاصفةٌ هنا *
* وهناكَ إعْصارٌ بصمْتِ مناكِ *
*ماذا أقول لحرْفِ نورِكِ إذْ بدا *
* هلْ يسْتطيع البوْحُ أنْ ينْساكِ؟ *
*ماذا أقول ولوْعتي سفكتْ دمي *
* هل لوعتي تذْوي بورْدِ مداكِ؟ *
*أنا شاعرٌ تقتاتني روحُ الأسى *
* هل دلّني شِعري لروحِ أساكِ؟ *
*أنا راسمٌ همساتِ حُلميَ واحةً *
* مِن نخْلِ همسِــــكِ مِن غديـرِ سناكِ *
*أنتِ التي ولجتْ دمي حين احْتوى *
* وهْمَ الدفاترِ فاحْتوى ذكْراكِ *
*أغْلقتِ شبّاكَ الأغاني عندما *
* أصغيْتِ للنبْضِ الذي يهْواكِ *
*قلْبي ونافذةُ المساءِ على غدٍ *
* والعمرُ يجري لارتقاءِ رجاكِ *
*كمْ مِن رواقٍ قد توتّرَ زهرُه *
* إلاّ رواق مِن عبيرِ نِداكِ *
*كمْ رعشةٍ في الحُلمِ صادر أفقَها *
* نسْرينُهـــا.. إلاّ ارْتعاش صفاكِ *
*لوْلا الشعور لكنْتُ قفْرًا موحشا *
* أو صخْـرَ قلْبٍ يرْتمي بثراكِ *
*أهْدابُ حسنِكِ لا يضاهيها حمًى *
* فأنا الموزّعُ بين كلِّ حِماكِ *
*الأزرقُ المغمورُ شِعريَ والشّرا *
* عُ قصائدٌ مِن أرخبيلِ صداكِ *
*جذّفتُ فيكِ لعلّني في حيرتي *
* أجلو بموْجِ الحبْرِ عمْقَ رؤاكِ *
*جدْبٌ.. وكانَ الحُبُّ فلْسفتي وأوْ *
* راقي الجريحةَ خلف حُلوِ جفاكِ *
*الأرْضُ حُـبُّـكِ والحنينُ سنابلٌ *
* ملئى بنبْضٍ مِن ثرى quot;أهْواكِquot; *
*فلكمْ زرعتُ بجدبِ صبريَ زنبقا *
* فبكى.. ومزرعةُ المنى مأواكِ *
*كلُّ القوافي سنْديانٌ غامرٌ *
* يغفو على ذكراهُ شِعرُ ضياكِ *
*إني كتمْتُكِ في شراييني شذًا *
* والحُبُّ في الشريانِ قد أبْداكِ *
*مهما أحاولُ.. لا تطيرُ فراشةٌ *
* إلاّ بهمْسٍ مِن ربيعِ صِباكِ *
*مهما أغازلُ.. لا ترُدُّ حمامةٌ *
* أنتِ الحمامةُ والودادُ وقَاكِ *
*مزّقْتِ إصْغاءَ القناديلِ الصغيــــ *
* ـــرةِ للقناديلِ التي تلْقاكِ *
*هل يا تُرى مزّقْتِني لمّا احْتويْـ *
* ـتُـكِ ناشرًا في الرّوحِ quot;ما أحْلاكِquot;؟ *
*الياسمينُ رؤاهُ ريشـةُ شاعــرٍ *
* قدْ يرْسمُ النسْرينَ في الأشْواكِ *
*في حسِّه الليْمونُ يشْربُ حزْنَـه *
* والليلُ لا يدري الدروبَ سِواكِ *
*قدَرٌ بأنْ أصحو على زرْعِ الوفا *
* والزّرْعُ يصحو آملاً بوفاكِ *
*درَرُ المناديلِ التي طرَّزْتِها *
* بعبيرِ لثْمِكِ إذْ حوتْه يداكِ *
*ياقوتةٌ زرْقاءُ تبْحرُ في دمي *
* وتعانقُ الإبْحارَ في رؤياكِ *
*أوَ كلّما أتلو عليكِ مشاعري *
* أتْلوكِ أنْتِ وشاعري يصْلاكِ؟ *
*لوْلاكِ أنْتِ الشِّعْــرُ حُجِّرَ نصفُه *
* والنصْفُ تزْهرُ فيهما عيْناكِ *
*لوْلاكِ ما اجْتازَ الروابي طائرٌ *
* هلْ أنْتِ شاعرةٌ بجُورِ رباكِ؟ *
*صوتٌ أرقُّ من الغديرِ إذا جرى *
* صوْتُ العنادلِ أمْ قصيدي الباكي؟ *
*أمْ نارُ قافيتي هنا لمْ تُصْغِ لي *
* حتّى ولجْتُ مع الشعورِ لظاكِ؟ *
*نارٌ.. وفيها مِن سلامٍ جَنّةٌ *
* هلْ يدخلُ النيرانَ مَن يهْواكِ؟ *
*هذي مفاتيحُ البحارِ طليقةٌ *
* ترنو إلينا فافتحي يمناكِ *
*سنضِـجُّ مثل طيورِنا في صمتِنا *
* ونشقّ حِسًّا عالمَ الأسْماكِ *
*نحْنُ المحيطُ فمنْ تُراه سيرْتخي *
* عنْدَ المحيطِ وقدْ رمتْهُ مُناكِ؟ *
*مِن عهْدِ قيْسٍ والقصائدُ تعْتري *
* ليْلى.. فأيْن أراكِ يا ليْلاكِ؟ *
*زرْيابُ يعْزفُ للمدى وأنا هنا *
* زرْيابُ أعزفُ في خيالِ مدَاكِ *

القراة النقدية حول القصيدة

كمال بلوصيف:لعلنا نلج قراءتنا لهذا النص الشعري من باب القراءة المنضوية على ترانيم خطاب العشق والوجد الصوفي الممتزج بالبحث عن قدسية الذات الذائبة في الآخر، فالروح تركن إلى ما هو جميل ونفيس وتتعلق به أيما تعلق كي تتوحد فيها

مراد حركات
صفة البقاء، فالحب هو لذة تنتشي لها النفس عبر تموقعها فيه كرحلة للحلول وقصدية للإبحار في عوالم المجهول، وتبدأ هذه الرحلة عبر تلك الآهات التي تحترق في جفون صاحب النص، وتبدأ الرحلة الشعرية عبر السؤال والبحث عن الأنا داخل هذا السرد الشعري الموغل في مساءلة الآخر التائه الذي أرهقته مساحات الترحال في بحث مضنٍ فقده وأراده أن يكون، ولعلني لن أغوص في المتن الشعري بإغراق شديد، ذلك أن قراءتي ستكون سريعة ومغايرة لما يعتقده الكثير أن النص أحادي في تصوره الأولي للحب والتغني بالهيام الصوفي، ولذلك سأنزاح بقراءة أخالها فاتحة لقراءات أخرى، مستعينا ببعض الكلمات المفاتيح التي ألج بها فضاء الدلالة، وهكذا أهتدي إليها بواسطة المعالم التالية: الأنا، المكان، الزمن والآخر، ذلك أننا نلمس شيئا من التيه في هذه القصيدة، أو فلنقل شيئا من السؤال الذي يطرحه صاحب النص مشيدا بما كان من زمن الحب المتولي المنصرم والذي ربما لم يبق منه إلا الحطام والجراح والأرض القاحلة الجرداء، وفي مقابل ذلك قد نتوسم كثيرا من النبش عن الأمل داخل هذا النص الشعري من خلال محاولة استرجاع الذكريات الغابرة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشاعر تعمد التغيب التام للنص الموازي كإشارة نصية تساعد على حل المغاليق النصية، خاصة إذا تعلق الأمر بالبحث عن الهوية المفقودة وبناء عليه فإن قراءتي للنص الشعري ترتكز على هذا البعد في تعالقه الوظيفي بالبعد الأول وذوبانه فيه حتى تعتبر هذه الملفوظات مغرية للمتلقي في وقوفه على المقصدية بحسب الاختلاف الحاصل في الخطاب الشعري، لأن النص يختفي فيه المضمر والظاهر قد يضمر في ثناياه نصا موازيا يستوجب الحفر فيه واستجلاؤه ما دام الخطاب حمال أوجه. وما يلاحظ على النص الشعري quot;لولاك هذه حياتيquot; هو انفتاحه على عدة مستويات للد لالة للتعالق حيث تتولد الرؤية الصوفية من ذاكرة الماضي التي يستطرد الشاعر في مساءلتها، حيث مثلت له السفر الدائم الباحث عن حقيقة هذه الذات التي أصبحت تائهة في مدارات قصص الحب العذري ممثلا في قصة قيس و ليلى. فكانت علامة لها مدلولاتها في التاريخ العربي الذي جعلها الشاعر رمزا يتكئ على ثنائيات تتصارع في النص في توالد و تشاكل عبر رحلة البوح المنقولة من بنية النص إلى متلقيها، وتتمثل هذه العلاقات الجدلية في ثلاثية (الذات، الآخر، الذاكرة)، إن توحد الذات الشاعرة بموضوع الآخر كمضمر نص يبحث في عوالم الروح وما تعلق بذاكرة الزمن وهو بحث يبدأ من خلال الأسئلة التي يطرحها صاحب النص عن ذاته وعلاقتها بالمتاهة التي تغرق فيها، وقد تميز النص الشعري في محمولاته بالطاقة الخيالية الإبداعية الخلاقة، وهي ما ميزت الشاعر في جمعه بين الكثير من الثنائيات التي تشاكلت واختلفت، حيث تفنن في نسج صوره بالتوحيد بين ما هو مرئي وغير مرئي مجانبا ما هو مادي، وما هو روحاني الأمر الذي يؤدي إلى رمزية الصور وتوظيفها لصالح الخطاب الغائب أو المتضمن، وقد حرص الشاعر على تكثيف الرموز والصور المتوالدة في شكل دينامية تسمح لها بالتعدد والتناقض والتشاكل والتوالد في هندسة تواصلية يتفاعل معها القارئ، فوظف الرموز التاريخية بأبعادها الدالة على الذات والمرأة والهوية التي كونت رموزا يحرص أن يفكّ شفراتها ليضمن القراءة السليمة للمتلقي منذ اللحظة الأولى وتفاعله معها.

جامعة سطيف