قراءات بلا ضفاف
عبداللّطيف الوراري من تزنيت (جنوب المغرب): شهدت مدينة تزنيت (جنوب المغرب)، في بحر هذا الأسبوع، ملتقىً ثقافيّاً ضمّ، عدا الورشات الموازية، قراءات في الإبداع المغربي الجديد تلتْها ندوة بمشاركة عددٍ من النقّاد وكتّاب الشّعر والقصّة القصيرة.
هكذا تعرّف جمهور المدينة، عن كثب، إلى انشغالات هؤلاء الكتّاب ونواياهم الجماليّة وهم يستمعون إلى نصوصهم الإبداعية وتأملاتهم الفكرية، إذ قُدِّمت قراءات قاربت الإبداع المغربي الجديد كالقراءة النّافذة التي قدّمها، بحرصه على الإستقصاء، النّاقد يحيى بن الوليد بخصوص الديوان الجديد للشّاعر محمد الصابرquot;الجبل ليس عقلانيّاًquot;(مطبعة فضالة/المحمدية ــ 2007)، الذي يمثّل استمراراً لتجربة الشاعر المحسوب على quot;جيل الثمانيناتquot;، وإن كان هناك quot;شغل شعريّquot;يبرز أكثر في تعامله المتروّي والحادّ مع اللّغة، وتبئيره للرّؤية المتحرّرة من quot;الأصوليّة الأدبيةquot; بتعبير الشّاعر نفسه، الذي أمتع الحضور بنصوصه المجنّحة مثل quot;النعشquot;وquot;ترويض الألمquot;. كما تمّ تقديم تجربة القاصّ أنيس الرّافعيّ في متتالياته مابعد السردية quot;علبة البّانْدوراquot;( من قبل القاصّ والرّوائيّ حسن البقالي الذي قال:quot;يكفي الرّافعي قصّاً أنه quot;حمّل quot; التّمثال ما لا يطيقquot;، في إشارة منه إلى هوسه بجماليّات التّجريب داخل جنس القصة القصيرة، وأضاف quot;فكلّ شيء في القصة القصيرة ليس على ما يرام بالنسبة لأنيس الرافعي، لذلك وجب الهدم القديم، وإعلاء هيكل آخر بناءً على تخطيطات هندسية ورياضية لا تترك مجالاً للصدفةquot; متحدّثاً عن الذّات الساردة في الفضاءات المغلقة داخل المتتاليات، وعن إنتاج اللّغة لبلاغتها الخاصّة.ولم يكن تجريب الرّافعي ليحول دون إمتاع الحضور بنصوصه الطريفة في كتابة المختلف سرديّاً.
والتأمت، في اليوم الموالي، ندوة quot;الحساسية الجديدة وجماليتها الإبداعيةquot; تقاسم فيها المشاركون القول بأنّ الإبداع المغربي في الشعر، والمسرح، والقصّة القصيرة، والسينما يعرف نقلاتٍ نوعيّة وتجارب جديدة.
فمن جهة، تحدّث الناقد المسرحيّ عزالدين بونيت عن هذه الحساسية التي تسود المسرح المغربي، وقالquot;إنّ المشكلة المسرحية تنتقل، لأوّل مرّة، من العمل الإبداعي والجماليّ إلى العمل المؤسّساتيquot; مثيراً الإنتباه إلى الإهتمام بالهامش، والأقليات، والمتون المنسية وذلك في سياقات المستجدّات التي نمرّ بها في ظلّ العولمة.أمّا الشاعر والنّاقد عبداللّطيف الوراري فقد تحدّث في سياق مداخلته quot;في راهن الشّعر المغربي وحساسياتهquot; عن التجربة الجديدة التي يعرفها الشّعر المغربي منذ التسعينيّات من القرن الفائت وحتى اليوم، والتي تميّزت بصعود قصيدة النثر، والتركيز على الذّات، والعناية بالهامشي والمعيش اليومي، و الحضور الكثيف للشّعر النسائيّ وتوسيع متخيّل القصيدة، مُستعيضاً عن مصطلحquot;الجيلquot; بمصطلحquot;الطفرةquot;.فيما أنصت الكاتب إبراهيم أولحيان إلى النصّ القصصي النسائي الّذي فرض وجوده في الآونة الأخيرة، وتميّز بخصائص لافتة همّت البناء والّدلالة، مركّزاً على تيمة الجسد في كتابات زهرة رميج ووفاء مليح ولطيفة لبصير، التي تكشف عن quot;حساسيّةquot;مختلفة في رؤيتها إلى الأشياء.
ومن جهة أخيرة، تطرّق الباحث السينمائي عبدالمجيد البركاوي إلى quot;الحساسية الجديدة في السينما المغربيةquot;التي ساهمت فيها رؤى إخراجية وجماليّة مغايرة في نظرها لتقنيّات العمل السينمائي لعددٍ من المخرجين المغاربة أمثال نبيل عيوش، وأحمد أولا السيد، وليلى مراكشي وغيرهم متوقّفاً عند تجربة المخرج فوزي بنسعيد في شريطه اللّافت quot;ألف شهرquot;.
ولم تمرّ الورقات المقدّمة دون أن يتدخّل الجمهور في الإستفسار والتّعقيب والإعتراض ممّا أشعل حماس قاعة خزانة محمد المختار السوسي الوسائطية، المضيفة للفعّاليات التي أقيمت تحت شعار:quot; قراءات بلا ضفاف:الحساسية الجديدة وجمالياتها الإبداعيةquot;، ورعاها ملتقى الشعلة للكتاب يومي 13و14من شهر نونبر، واستمرّت حتى يومه 17 منه.
وقد أجمع على أهميّة مثل هذه الفعّاليات الثقافية لإعادة بعث النّقاش حول خصوصيّات الأدب المغربيّ، وجماليّاته، ومآزقه، إلى جانب مساءلة دوره في تغيير المجتمع والتّاريخ والثّقافة، وذلك في ضوء المتغيّرات وجلائل الأمور الّتي تحدث الآن في المغرب.