ميسون صقر في quot;أرملة قاطع طريقquot;:
الديوان ليس كشف حساب بيني وبين العائلة
محمد الحمامصي من القاهرة: تتجلي في ديوان (أرملة قاطع طريق) الصادر أخيرا عن دار ميريت خصوصية وفرادة تجربة الشاعرة ميسون صقر، هذه الخصوصية التي ترسخت علي مدار أعمالها السابقة والتي وصلت إلي عشرة دواوين ورواية وديوانين بالعامية المصرية وعدد من المعارض التشكيلية، فقد خلصت التجربة هنا لرؤية الذات لعوالمها سواء الذاتية أو العامة فجاءت متوهجة في عنف، حازمة مع اللغة والصورة وتركيب الجملة، حاملة لدلالات تنطلق من عمق الذاتي والشخصي إلي فضاء العالم العربي، وكلاهما الذاتي والعام اجتمعا علي الفقد والموت.
إن ( أرملة قاطع طريق ) يعري ما ترزخ تحته الشاعرة من آلام تقرر أن تواجهها وتدعو الآخرين / العرب إلي مواجهتها حتى لو تطلب الأمر القتل. وفي هذا الحوار مع الشاعرة نتعرف علي المزيد من تفاصيل هذه التجربة وما حملته الشاعرة من أحزان داخل نصها في مواجهة العالم.

* بداية لماذا ( أرملة قاطع طريق ) عنوانا للديوان؟
* حين كتبت هذا الديوان لم يكن خطر في ذهني أنني سأختار له هذا العنوان، كان هذا العنوان بالنسبة لي فاجع وجرئ، وهو أقرب إلي أن يكون عنوانا لعمل روائي أكثر منه عنوانا لعمل شعري، لكنني رأيت أن فكرة السرد الشعري تطغي علي الديوان بأكمله إضافة إلي أن هناك خيطا غير ملحوظ لتتابع النصوص من الشخصي إلي العام يحمل الفجيعة والهم الإنساني بكامله. حين كتبت قصيدة (أنا وحدي القطة هنا) كانت نهايتها الفاجعة أنني سأتعلم الشر، سأتعلم كيف أكون أرملة قاطع طريق، وقد وجدت أن دلالة من دلالات الديوان القوية في هذا المقطع. كيف أتعلم الشر أو يتعلم عالمنا العربي أن يفقد جزءا من حياته إذا كان شريرا خاصة إذا كان قاطع طريق ويقتله حتى وإن كان زوجا، ليترمل أفضل له من أن يستباح.
أرملة قاطع طريق تعني أن هناك قاطع طريق أتي وقطع علينا كل طرق الرحابة والحرية في هذا العالم واستهلكنا بالكامل واستباح كل شيء من إرث وأرض ووطن حتى استباحة النساء، ومن ثم لابد من قتله حتى وإن كان في قتله سنفقد جزءا من حياتنا أو فقدناها كلها.

* أول قصيدة في الديوان (تستحق الموت) لماذا هذا الدخول الفاجع وتكرار لفظتي (الموت، الموتي) فضلا عن المفردات التي تستتبعهما من شواهد وقبور وجنائز.. إلخ، إضافة إلي الموت كموضوع، ما الذي استدعى هذا الحضور المكثف للموت وإلي هذا الحد يشكل الموت هاجسا لديك؟
* أولا واقعنا العربي في هذا الوقت ملئ بجثث الموتى وصورهم وملئ بالفواجع التي تجعلنا صغارا أمام هذه الفكرة، نحن نرى الموتي تتابع جثثهم كتلا وننظر إليهم نظرة عادية خالية من أي مشاعر من كثرة تكرار صورهم في الواقع الإعلامي العربي، هذا يستتبع أن نقف لحظة ونتساءل لماذا كل هذا الموت دونما قيمة له في هذا العالم؟ إضافة إلي أنني فقدت كثيرا من أفراد أسرتي متتابعين، فعرفت ما معنى أن يداهمك الموت والفقد، حتى ليصبح الموت شخصا كريها ومتوحشا تدافع عن نفسك تجاهه، أيضا فقدت كثيرا من الأصدقاء والعائلة ورأيت علي شاشتي الموتي وهم يأتون عليّ يزورونني كل يوم من العراق ولبنان وفلسطين، فمن الطبيعي أن تكون أنت ابن هذه اللحظة.
انيا هو ارتباط كل ديوان من دواويني بفقد فرد من أسرتي، وأنا أكتب ديوان (الآخر في عتمته) توفى والدي، وأنا أصدر ديوان (تشكيل الأذى) بعد طباعته بعشرة أيام توفى أخي، وبعد ثلاثة أيام من صدور ديوان (رجل مجنون) توفيت والدتي.. ألا تريد بعد ذلك أن تكون فكرة الموت طاغية عليّ، إنني أبعدها في هذا الديوان عن الآخرين لأعيدها إلي نفسي، وبطبيعة الحال كان هاجس الفقد حائما حولي طوال كتابتي، وظل الديوان حبيس أدراجي من عام وشهرين خوفا مما قد يحمله من فأل سيئ في الفقد.
لذلك بدأت أحول هذا الفقد من الخارج إلي داخل النص حتى يحتويه وكأن في الكتابة سحرا ما تقوى بسحب الأرواح إليها فأعيد تحويلها إلي داخل النص نفسه.كنت أخاف كثيرا من هذه الكتابة وهذا الديوان وظل هاجس الموت يداهمني كلما بدأت بالكتابة منذ 2001 إلي الآن، وهذا لا يحدث معي إلا في الكتابة بالفصحى وكأنها تسحب روحك من الحياة إلي داخل النص، هذا ما قلته لصديقي الشاعر الراحل أسامة الديناصوري الذي ما أن انتهي من كتابه الأخير حتى توفي.

* شعرت بعد قراءتي للديوان أنه علي الرغم من هذا الغضب وهذه القسوة التي تبدينها من العائلة لكنك تحبينها؟
* ليست قسوة لكن ربما غضب ما من واقع أحمله علي كتفي كماض لي، لا أحمّل عبأه لأحد لكنني أصفه، ليس كشف حساب بيني وبين العائلة بقدر ما هو النظر إلي المرآة بعين مفتوحة وصدر رحب، أنا أفسر حالة وأصفها لكني لا أقيمها، أنظر بموضوعية وحياد إلي ما حدث أو يحدث دون اتهام، هو مجرد وصف لحالة شعرية أو تبدو شعرية في هذا الديوان، هنا مجرد حالة كتابة كما البيت والحب.. إلخ.

* quot;آخر قطرة في الكأسquot; مجموعة من القصائد تشكل روحا واحدة، هذه الروح لهذه المجموعة تختلف عن بقية الديوان.. لماذا؟
* كتبت هذه المجموعة من القصائد بعد أن انتهيت من الديوان، وكنت محمّلة بغضب شديد لوضع عائلي ما، بالإضافة إلي أنه علي مستوى الكتابة كان هناك تدشين لحالة الكتابة أو لانتهائي من الكتابة بعد توقف استمر ست سنوات، فأصبحت الكتابة أكثر ليونة مما كانت عليه في البداية. ثم ألا ترى أن الكتابة عن الذات أكثر اقترابا إلي روحك ونفسك، وأنت تخلص إلي تجربتك الشعرية والإنسانية وتخلّص ذاتك أخيرا عاطفيا من وزر الحالة كاملة، وهي أيضا كشف لذتك واغتسال من الماضي ومحاولة للتواءم معه دون لغيه أو التعالي عليه.

* إذا كانت قصائد مجموعة quot;آخر قطرة في الكأسquot; قد كتبت والديوان منتهيا لماذا صدرتها ليبدأ بها الديوان؟
* لأنها الأقرب لي، وفضلت أن أبدأ من الذاتي إلي العام يدلا من البدء بالعام إلي الخاص، فأنت هنا تفتح أفقا ولا تغلق بابا. ثم إن تجربة هذه القصائد ترمي علي تجربة الديوان ككل، فبقدر ما هي تجربة قريبة من الذات إلا أنها ملتحمة بالعام وجزء لا يتجزأ من نسيجه.

* أم كان للغضب أثره في اختيار البدء بها؟
* الغضب.. إن جزءا من تأخرى في طباعة الديوان هو هل أضع هذه المجموعة من القصائد أم لا؟ وخوفا من أن أفهم بشكل غير شعري، ولذلك فضلت أن أنتظر فترة طويلة حتى آخذ قرار الطباعة. لقد صدرت هذه المجموعة مواجهة لذاتي تجاه العالم.

* السرد والشعر إشكالية يبدو أنك تخلصت منها في هذا العمل؟
* كان عندي دائما هاجسا كيف أتخلص من فكرة الغنائية والموسيقي الداخلية والخارجية في النص دون أن يفقد النص روحه الشعرية.ولا تنس أنني ابنة موروث شعري إيقاعي إلي حد ما، وحين تتخلص منه كأنك تنسحب من واقعك، وكذلك لا تنسي أنني كتبت السرد الروائي الخالص في رواية ريحانة التي صدرت عن سلسلة روايات الهلال العام الماضي، وكتبت السرد بمعناه الشعري في ديوان quot;البيتquot; وديوان quot;الآخر في عتمتهquot; وديوان quot;السرد علي هيئتهquot; وديوان quot;تشكيل الأذىquot; ومن ثم أصبح همي كيف أوائم بين السرد والشعر في لغة تخلص من موروثها الإيقاعي ولا تقع في حبائل السرد كسرد خالص، وكيف نكتب السرد باعتباره شعرا، هناك شعرة فاصلة بين أن تكون ناثرا أو كاتب قصيدة نثر.

* هذا يطرح سؤالا حول قصيدة النثر رؤيتك لها ولكتاباتها؟
* أرى أن كثيرا من الشعر يتخلص من الكتابة الأولى الموروثة ويقع في فكرة السرد الخالص دون أن يعي فكرة أن قصيدة النثر لها قواعد أيضا وأنها قد تكون أصعب كتابة من قصيدة توزن بالمكيل، كما أن روح الشعر لا علاقة لها بالوزن والقافية أو النثر أو السرد ولكن تعتمد علي منتوج هو خلاصة الروح والذات والعالم والكتابة، منتوج فني متوهج يفرض سيطرته علي ذائقة الروح والعقل والوجدان. إن قصيدة النثر هي ابنة الموروث الشعري العربي في تجليه الأكثر فنية، لكن الكثير من الكتابات التي تكتب اليوم تكتب وكأنها علي قطيعة مع هذا الموروث وتتوجه فقط إلي رؤية تجعل القصيدة ابنة بارة للأدب الأجنبي ومن ثم تكون كتابة سردية أقرب إلي القصيد المترجم.

* هل ترين أن كونك شاعرة خليجية ـ دولة الإمارات ـ وتنتسب إلي الأسرة الحاكمة، قد أثر سلبا أو إيجابا علي تقييم تجربتك؟
* ربما هي حساسية منى أنا أكثر من الآخرين في طرح نفسي علي المستوى الإعلامي، خوفا من هذه الفكرة ووضعي في هذه الدائرة، لذلك كنت أجفل كثيرا من فكرة الشهرة. تصور أنني في مصر لم أقرأ في أمسيات شعرية إلا في مهرجان الشعر الأول والثاني والثالث ومرة واحدة في مكتبة الإسكندرية ومرة في معرضي ومرة في يوم الأرض في بداياتي بنقابة الصحفيين المصريين، وكل ذلك خلال تجربتي الشعرية وإقامتي الطويلة في القاهرة. وكذلك في الإمارات لم أقرأ إلا مرة واحدة في الجامعة ومرة في المركز الثقافي الفرنسي. في مصر لم أعمل كأميرة أو كخليجية، بل تعاملت كجزء من حركة الشعر والثقافة، كما احتفي بي في معظم الأقطار العربية قطر والبحرين وعمان وتونس وغيرها.