حوار مع القاصّه الفلسطينيه احلام بشارات
حاورتها سماح الشيخ: أحلام بشارات قاصة فلسطينية شابة، لها مجموعة قصصية بعنوان quot;لأني أحبكquot;.
* ككاتبة قصة من الجيل الجديد، هل تلحظين حركة كتابة نسائية فلسطينية واضحة؟
- من حيث الكم هناك توجه نسوي كبير للكتابة، فلسطيني وغير فلسطيني، وإذا نظرنا إلى مسيرة الأدب ككل فهناك كاتبات وشاعرات منذ الأزل وليس حديثاً فقط، ولا ننسى أن باكورة الشعر الحديث جاءت به نازك الملائكة، لكن التوجه الأكبر من الأنثى كان نحو قصيدة النثر ونحو القصة والأقصوصة.
* وهل لهذه الكتابة لغة خاصة تؤكد على تجنيس الكتابة فنغدو نؤمن بالإبداع النسوي؟
- صحيح أننا نجد اختلافاً بين كتابات الرجل وكتابات المرأة، فهناك المواضيع التي تعبّر عنها المرأة بشكل أفضل وأقرب كونها أنثى، لكن هذا لا يلغي أن هناك رجالاً كتبوا عن خصوصيات عميقة للمرأة وأبدعوا. القاعدة أن كل طرف يعبّر عن جنسه وهموم جنسه أفضل من الطرف الآخر، لكني لست مع التسميات: أدب ذكوري وأدب أنثوي، لماذا نلجأ إلى التصنيف ولا أعرف ما الغرض منه، إنها عملية تكاملية في الأساس.
* الرجل الذي يعبّر أكثر عن المرأة هو ذاته الرجل الذي نادى يوماً بحريتها قبلها، أليس كذلك؟
- لم تقف المرأة مكتوفة الأيدي، ولن تعلّق وجودها على شماعة الرجل الذي نادى يوماً ما بحريّتها، حتى على المستوى الكوني لطالما حاولت المرأة أن تقترب من ذلك الظل أو الحقيقة الكبرى التي اسمها الرجل، وهذا ما حدث في مجال الإبداع، لكنها ظلت أقرب للكينونة الأنثوية مما قد يكون أعاقها أحياناً ويا للمفارقة.
* وهل يهاجم سؤال الهوية الجنسية في الإبداع خاصة في المجتمعات الأكثر إقصاءاً للآخر؟
- لست مع التسميات التي يكون الغرض منها إبراز التناقضات والتي بدورها تمهّد للمعارك بين طرف وآخر. أدرك أن هناك توجه كبير وحديث لهذا المصطلح: أدب نسوي بغض النظر عن المجتمع وظروفه، ربما لأن عدد المبدعات في ازدياد ولأن المرأة أصبحت قادرة على الخوض في مساحات لم تكن مطروقة سابقاً خاصة على المستوى العربي، لذلك نجد من يضخّم هذا الجانب ويضع تصنيفين جنسويين للأدب.
*لكنكِ أوضحت أن هناك لغة خاصة بالمرأة وأخرى بالرجل، فهل هي الفروق التاريخية أم المجتمعية التي وقفت وراء خصوصيات هذه اللغة؟
- إنها الفروق البيولوجية التكوينية بين الرجل والمرأة، لكن الصحوة ndash;إذا جاز لنا أن نسميها- أو الثورة النسائية الحديثة في التعبير وفي الجرأة على الدخول لمناطق لم يكن مصرّح بها ولا يزال غير مصرّح بها، هي التي لفتت النظر لتكريس مصطلح هنا وهناك. هناك سبب آخر ربما هو عدد الأقلام الأنثوية وليس فقط المواضيع هو الذي أثار الانتباه للإبداع الإنساني الذي تكتبه النساء، حتى الميل لاختراق مساحات جديدة في الكتابة والإبداع جعل مفردات الأنثى تتلاقح مع مفردات الذكر، فالجنس مثلاً مساحة جامعة للذكر والأنثى وليست لها وحدها. إذن رغم ميلها لمفرداتها هي غدت المفردات مهجّنة.
*كسر التابوهات هل يشكّل دعاية للأدب الإنساني -كما ذكرتِ- الذي تكتبه الأنثى؟
- ربما، ولكن هذا السؤال برأيي يُطرح على حد سواء على الرجل والمرأة. أكثر من مرة نسمع عن تلك التي فازت بالجائزة الفلانية لحديثها عن جسدها وأخرى كُتب عنها لجرأة طرحها بغض النظر عن توظيف هذه الجرأة. طبعاً أنا لست مع ذلك. على المستوى الفلسطيني لم أرَ تجاوزاً في كتابة المرأة، ومع ذلك هناك الكثير من الأسماء الشابة التي يُشار لها بالبنان.
* إذا لم تتجاوز الكاتبة الفلسطينية كما تقولين، فهل هذا يعني أنها تكلمت بلسان الذكورة؟
- لا أتوقع بعد أن تصمت طويلاً ثم تظهر بهذا الشكل القوي، لا أتوقع إلا أن تتكلم بلسانها لا بلسان غيرها، حتى لقد اُتهمت الفلسطينية بأن معظم إبداعاتها أقرب إلى السيرة الذاتية، على عكس الذكر الذي ابتعد عن سيرته الذاتية أكثر من المرأة، ربما لأن تجربته كانت أقوى.
* وهل كتابات النساء تعاني تهميشاً خاصة في فلسطين؟
- المرأة استطاعت عبر محاولاتها الحثيثة أن تثبت نفسها بالذات في المجال الإبداعي، ووجود هذا الكم من الأقلام الأنثوية الفلسطينية يعني أنه ليس هناك تهميشاً.
* وهل ما يُقدّم عبر هذه الأقلام الكثيرة يخدم قضية المرأة بأبعادها؟
- هذا سؤال كبير، ولكن دعيني أجيبك بسؤال آخر أو أكثر من سؤال، هل الإعلام خدم المرأة عندما أعلن عنها وقدّم لها؟ وهل تلك الصرخات الكثيرة والكبيرة التي نادت بحقوق الإنسان وبحرية المرأة وخاصة ما دعت لها المرأة بنفسها، هل قدمت لها شيئاً يستحق الذكر؟ ثم نصل لسؤالك هل قدمت المرأة نفسها بالشكل الصحيح إبداعياً؟ لا أعرف، ربما لا تزال تراوح مكانها، وربما أساءت لنفسها وربما أساء إليها الآخرون. جميل أن تصطف المرأة بجانب الرجل في الكتابة لكن ما حققته ليس بالكثير مع الأسف، لازالت النساء تعاني مما كنّ يعانين منه بل وقد تعاني أكثر من السابق وتتطور أساليب قمعها. طبعاً لا نفصل المرأة الفلسطينية عن الأخريات في هذا الجانب.
* رفضك لتجنيس الإبداع قد يدعم فكرة ارتقاء العمل الأدبي كلما تلاشت الخصوصية الجنسوية؟
- إذا نسيَ هو أنه كاتب ذكر ونسيت هي أنها كاتبة أنثى، سنكون قد حققنا أشياء كثيرة جميلة، وهذا ما يجب أن يسعى إليه الإبداع: أن يعبّر عن الوجود البشري ذكره وأنثاه ليشكّل ذلك النسيج الجميل الذي اسمه أدب.
* وكيف تريدينهم أن يوحدوا لغة الخطاب في العمل الأدبي؟
- هذا ليس بالشيء البسيط، الأمر يحتاج لوحدة في مكانة الوجود بين الذكر والمرأة. كلما صغرت الهوة بينهما اقتربت اللغتان وتوحدتا.
* عودة للذاتية في الكتابة، نسمع أنه يؤخذ على الأدب الحديث بشكل عام -وليس أدب المرأة فقط- فردية التناول وانخفاض -إذا لم يكن انعدام- الحس الجمعي؟
- هذا يعود لغربة الجيل كله، حتى أن المواضيع الجمعية يتم تعاطيها إبداعياً من منظور فردي..
* ولماذا لم تشكّل كل قضايانا الشخصية المشتركة والمتشابهة نحن الإناث هماً جمعياً للدفاع عن حق معيّن أو أكثر؟
- للأسف لم يشكل كل ما نعاني منه هماً جمعياً للنساء كما ينبغي أو بالشكل المطلوب، وضربتُ لك مثالاً شعارات الدفاع عن حقوق المرأة، هذا لا يعني أنني ضد محاولات المرأة لنيل حقوقها، لكني أقول أنه لم يكن كافياً وعلى المرأة إعادة النظر في كل ما قدمت من إبداع وغيره، وأولاً وأخيراً عدم البدء بإعلان الحرب على الذكر، ثم تكوين أدباً نسوياً يقف على النقيض من أدب الرجل، لا. يجب أن نلتقي في الأدب إذا لم نلتقي في الواقع. الأمر صعب، المسألة ليست بهذه السهولة التي نتحدث بها.
* إذن الإبداع غير كافٍ لتغيير منظومة فكرية وخلق ثورة اجتماعية تحمي المرأة؟
- أنا لا أتنازل عن قيمة الإبداع وعن قدرته التغييرية، لكن أين هو الإبداع الذي يغيّر وقد أصبحنا في عصر الكلام فيه غير ممنوع، أين القصيدة التي تثور لها الجماهير؟ وأين المسرحية التي تّضحك وتبكي في آن ثم تقلب الموازين فور انتهائها؟ علينا أن ننظر لما يسمى بالأدب النسوي من هذا الجانب ونعيد الإبداع لقيمته التغييرية أولاً حتى نستطيع فعل شيء.
التعليقات